كان يا مكان في قديم زمان جديد، أن جاء إلى المدينة المتحضرة رجل من بادية خالية يدعى "بخرور العطارهمجي" صحبة رهط من أتباع له كان يلزمهم بتجرع خلطات من أعشاب سامة و استنشاق بخور تبطل العقل و ترفع من نسبة السذاجة، بصفته متخصص في علم الشعودة الحديثة التي تعتمد فقط على عناوين مواد علمية، من أجل استقطاب فئة من بسطاء الناس الذين كانوا يعرفون القراءة و الكتابة في الحد الأدنى نظرا لتكوينهم المتواضع في مجال المعرفة العلمية عامة. و لما أراد "بخرور العطارهمجي" توسيع قاعدة أتباعه من داخل المدينة المتحضرة حيث كان الدين الحنيف هو الأسمى، بعد أن ادعى معرفة الغيب و أسرار الكون الخفية على البشرية، صرح بأنه حاصل أيضا على دوكتوراه غريبة في تخصص "الحلال و الحرام"، لعله ينال من تماسك الناس في المدينة المتحضرة و يخل بوحدتهم الصلبة، و يفرق بينهم، و يشتت شملهم، و يهدم حضارتهم، و يحطم نفسيتهم، حتى يتسنى له التربع على "كرسي الحكمة"، وذلك بهدف تحويل الحكمة الصائبة إلى فتنة الجاهلية. ولكن هيهات هيهات… فلقد بلغ إلى علم "حكيم القبيلة" ما أقدم عليه "بخرور العطارهمجي" من جهالة و كذب و بهتان و مكر و خداع و خبث، فدعى القوم إلى "ساحة الحسم الأدبي" من أجل الإفادة. فهبت الجماهير الغفيرة مسرعة ملبية دعوة حكيم القبيلة الذي قال بصوت هادىء و بكل طمأنينة: "أيها الناس، لقد خرج عليكم دعي فتان متكبر شتام لعان، عنيف اللهجة ناقص النفس لا يقوى على مناظرة العلماء و الحكماء و المثقفين، فلا تعيروه أدنى اهتمام لأنه لا ينطق إلا تفاهة. و أما السفاهة خاصته أيضا، فلا موطىء قدم لها في حضارتنا المدنية الصلبة القوية. فاتركوه و لا تبالوا بخرجاته البهلوانية التي يكرر فيها نفس الكلام العنيف و يعيده، ثم يكرره ثانية فلا يزيده ذلك سوى نفورا من طرف الأغلبية الساحقة التي أضحت إن تفرجت عليه فمن أجل التسلية فقط. أيها الناس، لا يوجد بيننا من يسمع لبخرور العطارهمجي الذي يقول أنه ينتمي لقرية غريبة، أهلها لا يعرفون الإعتذار و لا يعتذرون أبدا مهما كان و حدث و وقع، و لو اقترفوا جميع أخطاء الدنيا جملة و تفصيلا. فاتركوه لحقده الدفين لأنه آكله و مهلكه. ولكن لابأس من التداول فيما بينكم ها هنا في ساحة الحسم الأدبي، لبضعة دقائق، قبل الإنصراف لأشغالكم الهامة". و لما عاد حكيم القبيلة إلى "كوخ الزهد و الفكر" بعيدا عن اللغو و الثرثرة، أخذ "كابوس الظالمين" الكلمة فقال مسترسلا دون انقطاع: "لقد سمعتم كلام الحكمة، إن بخرور العطارهمجي مجرد حقود معقد النفسية يحسد أهالي الحضارة لأنهم ليسوا في حاجة إلى من يعلمهم كيف يأكلون، لأنهم أصحاب حضارة عريقة. مشكلة بخرور العطارهمجي الواهم المتوهم، أنه جرب خلطات عشوائية من أعشاب الخلاء تجرعها بغية الوصول إلى وصفة للحياة الأبدية، لأنه يرفض الموت كما لو لم يكن الموت على البشرية حقا محفوظا. وأما الآن و هو يصرح بأن دواء الصيدليات حرام، و نقانق المجازر حرام، و مشتقات الألبان المحضرة حرام، و الشكولاطة حرام، بل كل ما تأكلونه حرام، الآن و هو يقول لكم بأن الحلال يوجد حصريا في منهج نباتي غريب، و هو مذهب عجيب ابتدعه بخرور العطارهمجي لما كان يعيش وحيدا، في خلاء بادية مهجورة، على الأعشاب فقط، لأن هذا كل ما كان في متناوله، و من ثمة تولد الحقد الأعمى في نفسه على كل من يتمتع بالطعام اللذيذ المغذي النافع للجسم و العقل، ولذلك فهو يريد الآن تعميم التعاسة و البؤس على الناس جميعهم بحثهم على الإكتفاء بالطفيليات كنظام غذائي معوج، ليتفرد هو بأكل لحوم الغنم و البقر و اللبن في السر و في الخفاء، الآن و قد أصبحت أموال الكلام الإفتراضي الشعبوي الملخبط، المؤدى عنه للسفهاء أيضا بسخاء، تتدفق عليه من كل حدب وصوب إلكتروني عجيب". و عند هذا الحد بالذات من الخطاب، أشار "حكيم القبيلة"، من شرفة "كوخ الزهد و الفكر"، على "كابوس الظالمين" بالإكتفاء بهذا القدر من الكلام الصحيح. فلعل حكيم القبيلة أراد تأجيل الباقي من الكلام الحاسم النهائي، الفاصل القاطع، إلى ما بعد اليوم السابع من موعد تجمع الغبار الفضائي الوهمي… هذا ما سنطلع عليه ربما في فقرة أخرى من فقرات الرواية الأدبية الإبداعية الخيالية المحضة في الجزيرة العجيبة الغريبة الأعجوبة المعزولة؛ فإلى ذلك الحين تحية عالية إلى القراء الشرفاء الأعزاء.