عند شدة الاختلاف وكثرة النزاع والتنابز بالألقاب وتوجيه الاتهامات.. تبدأ الخسارات والسلوكيات المدمرة ويفرح إبليس بسحر التفريق... ويزداد السقوط والانهيار والاجترار.. وحدها المبادرة كفيلة بتحقيق الانتصار على إبليس وجنوده والنفس وأهوائها والأنا المدمرة وهواجسها.. المبادرة تعني (بادر بالسلام والإصلاح..) قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (دب إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء، وهي الحالقة، أما إني لا أقول: تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين، والذي نفسي بيده، لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنون حتى تحابوا، ألا أدلكم على ما تتحابون به؟ افشوا السلام بينكم) رواه الترمذي. وقال أيضا -صلى الله عليه وسلم-: (تفتَح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس، فيُغفر لكل عبد مسلم لا يشرك بالله شيئاً، إلا رجلاً كانت بينَه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظِروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا) رواه مسلم. قال الباجي: "يعني -والله أعلم- أخروا الغفران لهما حتى يصطلحا". قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) رواه البخاري. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟!، قالوا: بلى. قال: صلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة). وفي رواية: (لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين) رواه الترمذي. قال الطِّيبي في عون المعبود: "في الحديث حث وترغيب في إصلاح ذات البين واجتناب الإفساد فيها، لأن الإصلاح سببٌ للاعتصام بحبل الله وعدمِ التفرق بين المسلمين، وفسادُ ذات البين ثُلمة في الدين، فمن تعاطى إصلاحها ورفع فسادها، نال درجةً فوق ما يناله الصائمُ القائم المشتغل بخاصة نفسه". وقال الأوزاعي: "ما خطوةٌ أحبُ إلى الله -عز وجل- من خطوة في إصلاح ذات البين، ومن أصلح بين اثنين كتب الله له براءةً من النار ". إنها تذكرة ما أحوجنا لها اليوم شعوبا وأفرادا ودولا.. إلى متى الخلاف والتنازع بين دول شقيقة وبين شعوب وبين أفراد وعلماء وأهل الخير.. إلى متى إبليس يفرح ويولم لذريته وهو يرقص على جراح خلافاتنا ونزاعاتنا وتنابز ألقابنا.. القوي من يملك نفسه عند الغضب والعز من يعفو ويصفح ويتجاوز والمروءة من يعتذر عما بدر منه غير منتظر لاعتذار غيره.. إنها كلمات تخطها الأصابع ويجترها القلب ألما من محب متطلع لرؤية الوئام والوداد والمحبة تنتشر بيننا. محبكم: مصطفى أبوسعد السبت 27 رجب 1444 هجري 18 فبراير 2023 ميلادي