تستعد مدونة الأسرة لتشريع قانون يوجب على الرجل اقتسام ممتلكاته التي اكتسبها خلال حياته الزوجية، وهذا بفتوى تستند على مسألة تعرف ب(الكد والسعاية). هذه القضية معروفة ب(الكد والسعاية) أو (الجراية) أو (حق الشقا) أو (تامازالت)، كلها مصطلحات يقصد بها حق اقتسام الزوجة ممتلكات الزوج التي استفادها بعد زواجه. قالوا إن وقع طلاق أو وفاة أخذت نصف أملاكه. [عمل المرأة في سوس – الحسن العبادي]. مع أن حق الكد والسعاية له مفهوم أوسع مما يروج له، فيقصد به أيضا الأم والأخت والأخ.. فهو يتعلق بكل من يقدر على الكسب من أفراد الأسرة رجلا كان أم امرأة. لكنهم قصروا الأمر على الزوجة دون غيرها!. راجع [فقه النوازل في سوس – الحسن العبادي.(ص:416)]. أشهر فتوى تتعلق بهذه المسألة هي فتوى ابن عرضون، جاء فيها :«الذي أجاب به الشيخ القوري مفتي الحضرة الفاسية شيخ الإمام ابن غازي قال: إن الزرع يقسم على رؤوس من نتج عن خدمتهم. زاد عليه مفتي البلاد الغمارية جدنا سيدي أبو القاسم خجو على قدر خدمتهم وبحسبها من اتفاقهم أو تفاوتهم، وزدت أنا – لله عبد- بعد مراعاة الأرض والبقر والآلة، فإن كانوا متساوين فيها أيضا فلا كلام وإن كانت لواحد حسب له ذلك».[فتاوى العلمي.(101/2)]. ويظهر وجود خلل في نسبة هذه الفتوى لصاحبها، فمرة يقال أن اسمه محمد ومرة أحمد ومرة الحسن. وإلا سيقع ابن عرضون في التناقض، حيث قال في ولدين يعيشان مع أبيهما على مائدة واحدة بنيا دارا، وغرسا أرضا فباع الأب الدار والجنان.. فحكم ابن عرضون بأن كل شيء للأب.[المعيار الجديد.(547/6)]. تستند هذه الفتوى على قصة حبيبة بنت زريق زوجة عمرو بن الحارث ذهبت إلى عمر بن الخطاب عند وفاة زوجها واستولى أهله على ما ترك من مال اكتسباه معا، هي بعملها في النسج وهو بعمله، فقضى بقسمة المال إلى نصفين، فأخذت حبيبة النصف، ثم الربع من مال الزوج بالميراث، لأنه لم يكن لديه أولاد، وأخذ الورثة الباقي. لكن هذه الرواية لا أصل لها، بل إن من ينقلها يضطرب في اسم عمرو بن الحارث وبعضهم يقول عمار، وبعضهم يقول حبيبة بنت زريق وبعضهم يقول بنت رزق. وإنما ورد ذكرها في شرح السجل الماسي لنظم العمل الفاسي وذكرها الحسن العبادي نقلا من أجوبة التونسي في كتابه فقه النوازل في سوس والرحماني في العمل السوسي في الميدان القضائي ونظمها أبو زيد الجشتمي. ومع ذلك الرواية لا تسعفهم، لأن زوجة عامر أو عمرو كانت نساجة، وهؤلاء مضطربون فيما لها الحق فيه، فقيل خاص بالزرع الذي ساهمت في حرثه وزراعته، وهناك من جعلها شريكة في العمل الصناعي وهناك من جعلها شريكة في غلة الأرض والحيوان. والذي عليه اليوم هو جعل عملها المنزلي وتربية الأبناء حقا يوجب اقتسام ممتلكاته عكس الفتوى التي تختص بالعمل في الحقل. ثم عمر قضى في التي مات زوجها، وهؤلاء مختلفون، فمنهم من جعلها خاصة بالوفاة ومنهم من جعلها في الطلاق. كما أن عمر حددها بالنصف، وهؤلاء يختلفون في القدر، فبعضهم يقول بقيمة عملها والزوج بقيمة ماله، وبعضهم بجعل لها الربع، وقيل يبدأ بصاحب المال فيعطيه الأصل ثم الباقي يقسم على السعاة. ومن أدلتهم القياس على الخماس، وذلك أنه تثبت الشركة للخماس بمجرد عمله، وهذا في غير الخماس أيضا. والقياس هنا فاسد، لأن الخماس لم تثبت شركته بمجرد عمله، بل باتفاق سابق. والخماس أجنبي فالأصل أن لا يحمل على التطوع.[أشكالية الأموال المكتسبة – التاويل.31]. ومن أضعف الأدلة القول أن هذا مقتضى العدل، لأن فيه نسبة الظلم لله، فالشرع هو الذي جعل النماء تابعا لأصله، وقضى أن الغلة لمالك الأصل، وهو الذي جعل الخراج بالضمان. ومنهم من ادعى وجود مصلحة في هذا، والحقيقة أن أخذ مالك ودفعه للغير ليس مصلحة بل ظلم، بل مفسدته أعظم، فيصير الرجل يفكر في ترك الزواج أصلا. وهناك من حاول تخريجها على المزارعة الفاسدة، فقالوا الزرع للعامل، والمرأة واحدة من العمال. وهذا تخريج فاسد لأنه يشترط أن كون الزارع قد شارك وقت الحرث، فكيف يثبت لها هذا وقد تزوجت بعد الحرث.[جني زهر الآس في شرح نظم عمل فاس. (ص:52)]. لكل هذا ردها العلماء ولم يقبلوا بها كأحمد البعل، والعلامة عبد الوهاب، والعلامة العلمي، عبد القادر الفاسي، ومن المعاصرين محمد التاويل.. وهذا لمخالفتها القواعد الشرعية والأصولية ك(الغنم بالغرم) (من ملك شيئا ملك غلته). وقوله صلى الله عليه وسلم :«الخراج بالضمان». [سنن ابن ماجه (2/ 754 ت عبد الباقي)]. أي الغلة لمن عليه الضمان فلو ضاع المال فالزوج هو من يضمن لا هي . وقوله صلى الله عليه وسلم: «والمرأة راعية». [صحيح البخاري (7/ 32 ط السلطانية)]. فهي مؤتمنة لا غير. فلا يظن عاقل أن هذا القانون سيقدم شيئا للمرأة المغربية التي تعاني من عنوسة لم يسبق لها تاريخ، أو سيخدم الأسرة التي تعاني من تفكك بسبب نسبة الطلاق المرتفعة أصلا، وهو مخالف للأحكام الشرعية قبل ذلك، وفتوى ابن عرضون في حالة خاصة مع عدم مستند لها غير أنها أجرة على عملها كأي أجير.