معايير القول بحق الكدّ والسعاية العالم والقضايا المجتمعية: في أمثال هذه الأمور المجتمعية، على العالم أن يتصرف على أساس أن الجميع أبناؤه. فالزوجة واحدة من بناته، والزوج واحد من أبنائه، والإخوة أبناؤه، والأخوات أبناؤه…قال صلى الله عليه وسلم:"فاعدلوا بين أبنائكم"( ). فإن أعطيتم أحدا ما لا حق له فيه، فقد أسأتم في العطاء، وسيستمع بما لا حق له فيه، ويتحمل المعطي وزر ما أعطى. فليتول حارّها من تولى قارّها. على العالم أن يتصرف بأبوته للجميع، وأن ينظر في الحق كيف السبيل إلى إيصاله إلى صاحبه، وأن يعتبر المتنازعين أمامه سواء. الكلام في الفقه بتنسيب: ومما يعاب على كثير من المتحدثين في الفقه الكلام من غير تنسيب، فيجدون أنفسهم أمام بحر لا ساحل له، ثم لا يرون الغظاظة في أنفسهم أن يتركوا الإحاطة والدعوى…فإن الإجماع في قضايا الفقه عزيزة نادرة، والعاقل من تكلم من غير دعوى الإحاطة القاتلة. معايير حق الكد والسعي: إذا قلنا إن الكد والسعي حق، واعترفنا به. فلا بد من أن نتعرض لقواعد هذا الحق عند علماء المغرب. وهذه القواعد المتينة، هي: أولا: حق الكدّ لمن كدّ إن كان تكييف الكد والسعاية إجارة أخذ الكاد أجرته وانصرف إلى حال سبيله، لكن إن كان التكييف شركة في الناتج والأرباح، فذلك كائن قليلا أو كثيرا، بل قد يكون السعي خائبا على الجميع لانعدام العائد. فيأخذ الكاد كده بحسب التكييف الفقهي أو القضائي. أما من كان عاطلا عن الكد فلا كد له ولا سعي، ذكرا كان أو أنثى. يقول شيخ ابن عرضون الشيخ أحمد البعل المصوري:" جرى العمل في جبالنا هذه من فقهائنا المتقدمين بقسمة ذلك على الرؤوس، ممن له قدرة على الخدمة، ومن لا خدمة له، لا شيء له"( ). ومما جاء عن الجشتيمي في عمله نظما، قوله( ): تمييز ما فيه نصيب سعيها *** من غيره مخافة من بغيها إذ أخذها من غير ما قد عملت *** ظلم مبين إثمه قد حملت فإذا أخذت الزوجة ما لا سعي لها فيه، فهو ظلم بيِّن تتحمل وزره. وقل الشيء نفسه بالنسبة لجميع الناس. ثانيا: حق الكدّ على حسب الكدّ وحيث اختلف الكد بين الكادين، جعلوا الأسهم على قدر جهد كل واحد، فإن استتوا فهم شركاء ساعتئذ. قال الشيخ العباسي:"إذا قسم المال للسعاة، فكل واحد بقدر عمله فيه"( ). وفي مجموعة من الفتاوى، أفتى قاضي القضاة سعيد الهوزالي بحق الكد على حسب الكد، فقال:" السعاية في المال المستفاد للزوجة وغيرها على قدرها، وعليه يدل كلام الشيخ أبي المودة خليل رحمه الله تعالى في مختصره"( ). فأثبت هاهنا حق الكد لكل كاد، زوجة أو غيرها من الذكور والإناث، وأن هذا الحق مقدر بقدره وحسبه، لا بنصيب ثابت معلوم. وأحال على الشيخ خليل(ت776ه) في القول بذلك. وأكد في فتوى له ثانية:" ثم يقسم الباقي على الساعين بقدر سعيهم"( ). ومعنى هذا عندهم أن المرأة شريكة للرجل في المستفاد منهما سعاية، وهذا المستفاد حسب السعي هو الذي عبر عنه أبو زيد الفاسي في نظمه: وخدمة النساء في البوادي ** * للزوج بالدراس والحصاد قال ابن عرضون: لهن قسمة *** على التساوي بحساب الخدمة فالقسمة الأصل فيها أنها على التساوي بينهما لا أساس التفاضل كما في الميراث، وأنهما إن كانا متساويين(أي شركاء) فذلك بحسب خدمة كل كاد. وعليه يمكن أن يكون نصيب الذكر ضعف الأنثى، ويمكن للأنثى أن يكون نصيبها ضعف الرجل. وعليه، فالأصل هو أن تأخذ المرأة الكادّة ضعف زوجها إذا عملت أكثر منه، وإنما تسامحوا في أخذها أكثر منه مكارمة، أما الحق، فإن لكل عامل من الأجر على قدر عمله. قال الفقيه عبد العزيز الكرسيفي رحمه الله:" ويجب أن يعطى النساء مطلقا نصيبين اثنين أو أكثر من الكسب، لأنهن يقاسين الشدة في الأشغال أضعاف ما ينال الرجال منها باعتبار ما خُصّ بهن في الدار من الخدمة والأعمال الشاقة في الاحتطاب والسقي والحشيش والنسج والطحن والطبخ وتربية الأولاد والبهائم وغير ذلك، زيادة على ما شاركْنَهُم في الخارج من الحرث والحصاد واجتناء الثمار، ونقل ذلك إلى الأندار أو الدار والحصون على ظهورهن، فلا راحة لهن ليلا ولا نهارا. والعلماء يقولون: لكل عامل من الأجر على قدر عمله، وهو نص صريح في أن لهن نصيبين فأكثر، لكن جرى العرف بعدم اعتبار ذلك، فلا يُعْطَين إلا ما يُعطاه الرجال. ولعل سببه المكارمة، فالله يرضي ذوي الحقوق من فضله، آمين"( ). ثالثا: لا يقسم الكدّ والسعي إلا بعد حق الدمنة لا تكون القسمة إلا بعد إخراج حق الدمنة، فمن كانت له أرض، فلهذه الأرض ثمن الاستغلال يؤدى لصاحبها أو أصحابها أولا، وبعد ذلك تتم قسمة الباقي بعد إخراج هذا الثمَن لصاحبه أو أصحابه. إن تكييف الكد شركة كائن بعد خصم مؤونة الدمنة، والدمنة عندهم هي الأرض التي تكون للإنسان، ثم أطلقت بعد ذلك على رأسمال المال المستثمر في هذه الشركة. فعليهم عند توزيع الأرباح أن يعطوا حق الدمنة لصاحبها بحسب ما جرى به عملهم في ذلك. فالأصول لا دخل لها في الكدّ، وإنما هي ملك لصاحبها أو أصحابها، لهم الحق في أخذ نصيب ما استغله الكادون منها، وكان سببا في الثروة المستفادة. وعليه، إن كان للزوج أصول (الأرض) وكانت تشتغل فيه، فلا حق لها في أصوله، إلا ما سيكون من نصيب الإرث لها غداة الوفاة. ومن أرادت أن تأخذ من أصوله بعلة السعي، فمدعية في دعواها، ظالمة في طلبها. لأن أصول كل إنسان داخلة في باب الملكية الخاصة التي يحترمها الإسلام، ويرفض الاستيلاء عليها بالعلل الواهية. ولهذا كان كلام ابن عرضون واضحا لمن أنصف من نفسه النظر والفهم، حيث وجدناه يقول:" يقسم على رؤوس من نتج عن خدمتهم…بعد مراعاة الأرض والبقر والآلة، فإن كانوا متساوين فيها فلا كلام، وإن كانت لواحد حسب له ذلك. والله تعالى أعلم"(نوازل العلمي). فالأصول وآلات العمل يجب مراعاتها بعدم إدخالها في الموضوع، إلا أن يكونوا في ملكيتها سواء. وقد قرر فقهاء المغرب عدم دخول حق الكد والسعاية في الأصول التي هي لصاحبها أو صاحبتها، قال الفقيه رشيد محمد بن الحسن اليعقوبي السوسي:" وهذه القسمة على هذا النحو، تخص المال المكتسب بعمل الشركاء في الكسب. أما الأصول: أي العقار والرباع والتركة الأصلية المنقولة عن كل هالك، أو التي اكتسبها بالإرث، فتخضع للقسمة الشرعية بين الورثة الشرعيين. لكن العقار إذا اكتسب، أو تم تملكه بمال السعاية؛ أي بعمل السعاة، فإنه يضم إلى أموالها الأخرى، وتشمله القسمة، ويتم إثبات ذلك إما من طرف السعاة أنفسهم، أو باعتراف من اشتراه، سواء أكان رئيس العائلة أو أحد أفرادها"( ). وهنا نجد عبد العزيز الكرسيفي في رسالتة: السعاة، يقول:" فمن له كسب فقط أخذ به، ومن له الدمنة فقط أخذ بها، ومن له حق بالوجهين أخذ بهما"( ). رابعا: لا حديث عن الزوجة في الكدّ والفقهاء عندما تكلموا عن الكد والسعي لم يربطوه بالزوجة. بل ربطوه بمناط الاستحقاق وهو: الكدّ والسعي. فكل من سعى ذكرا أو أنثى فيجب لزوما أن يأخذ حقه في سعيه وكدّه. وهاهنا وجدنا فتاوى وأقضية الكد والسعاية قد قيل بها للأخ، والأم، والأخت، والجدة، والعم، والخال، والأبناء… من كان منهم أهل الكدّ. وكذا وجدنا الزوجة بدورها إن كانت من أهل الكد، لا تحرم من حقها. فمن لم يكن من هؤلاء الكادين فلا حديث معهم عن نظرية الكد والسعي المغربية، لانعدام الحق أصلا. وإلا فإننا سننتقل إلى أكل أموال الناس بالباطل الذي استقرت أحكام الشريعة على تحريمه. إن فقهاءنا رحمهم الله تعالى لم يكونوا منشغلين بهوس الزوجة أو المرأة كما هي موضة الحديث عنها عند بعض المنحرفين أو المتملقين. كان همهم رحمهم الله إحقاق الحق، وبسط العدل. وقد دفعهم لذلك دينهم مع أن جمهرة النساء لم تكن تطالب أو تلتفت إلى حقها وكدّها في الغالب. والفقهاء هم الذين دافعوا عن حقها. لأن الحق أحق أن يتبع، والحق يعلو ولا يعلى عليه. وإذا لم يتحمل العلماء اليوم مسؤولية الدفاع عن حقوق المستضعفين من الرجال والنساء الذين لا يهتدون الحيلة ولا يعرفون السبيل، فستأتي منظمات متغربة تتولى الدفاع عن حقوق أصحاب الحقوق، وتنتصب طرفا في الدفاع عنهم. وساعتها لن يسمع المجتمع لأصحاب العمائم، وسيتبركون بهم في ولائم العقيقة والوفاة، وأما الحياة فلا، لأنهم أثبتوا عجزهم عن النضال من أجلها، او القول بالحق لأصحاب الحق، فقام غيرهم بالمطلوب خير قيام، وسيتخذونهم أئمة لهم في هذه الحياة. ولذلك عندما عرف فقهاؤنا الكدّ، وجدنا من تعريفهم تعريف الفقيه اليعقوبي السوسي في كتابه(ذخائر من دفاتر علماء سوس) إذ قال:" السعاية مشتقة من فعل سعى يسعى سعيا وسعاية، بمعنى عمل وكسب كما في المختار الصحاح، واصطلاحا تعني الشراكة في الكسب والعمل… والسعاة أخلاط رجالا ونساء أطفالا وبالغين أقوياء وعجزة وأعضاء مباشرين في العائلة أو محسوبين عليها…منهم من يستحق أن يحسب سعيه سعيا كاملا..ومنهم من يكون دون ذلك"( ). فها هو رحمه الله تعالى يقرر أن السعي والكد لهم عندهم معايير في اعتباره كاملا أو ناقصا أو مفقودا، وهذا موضوع آخر في العمل الحسابي الذي أقاموا عليه نظرية الكد والسعي، وتمييز الكد الكامل من المتوسط والضعيف، وأما المنعدم فظاهر لا يحتاجون إليه، بسبب انعدام الكدّ. ولعلنا نقف عنده في قابل المقالات إن شاء الله تعالى. وأنت عندما تتبع فتاوى الكد والسعي وأقضيتها تجد المعلم البارز هو: الكدّ والسعي، كائنا من كان صاحبه واسمه. أذكر من هذه الفتاوى والأقضية أمثلة للبيان: أ الكد للأخت: فتوى داود بن محمد التملي التونلي(ت899ه) * سئل عمن كانت عنده أخته أو غيرها، تشتغل له بشغل…ثم بعد ذلك قامت عليه تطلب الأجرة. ألها ذلك أم لا؟ فأجاب: نعم، لها الأجرة، وبه أفتي. ثم استدل بحكم عمر في قضية حبيبة بنت زريق زوجة عمرو بن الحارث"( ). وهاهنا أثبت للأخت الكد. ب الكد للزوجة: قاضي الجماعة سعيد بن علي الهوزالي(ت1001ه) قال رحمه الله تعالى في جوابه عن مسألة كدٍّ:" إن كان للزوج مال، ولزوجته مال كذلك، وسعيا فيه، فالمستفاد يقسم بينهما على قدر المالين. وإن كان المال للزوج خاصة، وكانت الزوجة تخدم فيه، فلها أجرتها بلغت ما بلغت. وإن كان الزوج والزوجة لا مال في يد كل واحد منهما، بل أفادا جميع ما بأيديهما بخدمتهما وسعايتهما، فالمال بينهما نصفان، كقصة حبيبة المذكورة في(منتخب الأحكام) لابن أبي زمنين. والله تعالى أعلم"( ). وأنت ترى أنه نص على أن للزوجة الكادّة حق في المال المستفاد. ج الكد للزوجة: عبد الرحمان بن محمد التمنارتي(ت1060ه) جوابكم في مسألة امرأة استفادت أملاكا مع زوجها مدة الزوجية بينهما، هل لها حصتها من ذلك الملك على قدر سعايتها؟ أم نصيبها من أثمان تلك الأملاك؟ فكان الجواب: إن اشتركا في أصل الأثمان فهما في الأملاك على نسبتهما، وإن لم يشتركا فيها، بل كانت تخدمه على عادة نساء الجبال، ولا حق لها في الأصل، فلها أجرة خدمتها على ما يراه أهل المعرفة بذلك من قريتها…"( ). وهذا تأكيد على الذي سبق من القول بأحقية الزوجة في الكد. د الكد للزوجة والأبناء: الفقيه أبو عيسى السكتاني(ت1062ه) سئل أبو عيسى السكتاني عن رجل يتصرف مع أولاده وزوجته في أملاكه كعادة أهل سوس إلى أن مات وترك زوجته وأولاده، فهل يقتسمون ما زاد على الأصل، كل واحد على قدر كده من الأصاغر إلى الأكابر أم لا؟ فأجاب: بأنهم يقتسموه على قدر كدهم وسعيهم"( ). وهاهنا أثبت الكد والسعي للزوجة والأبناء. ه الكد للأبناء: محمد بن محمد بن عبد الله بن يعقوب السملالي(ت1122ه) قال رحمه الله تعالى:" وأما متى يكون الولد ساعيا؟ فغير محدد بالسنين، وإنما ينظر إلى عمله. وقال سيدي داود: وربما جمعوا الإثنين أو ثلاثا ساعيا، ولا فرق بين الذكر والأنثى في ذلك"( ). وهنا نجد إعطاء حق الكد للأبناء: ذكورا وإناثا. فهذه النماذج لم تربط حق الكد والسعي بالزوجة عند فقهائنا. وغنما وجدناهم يقرون بالحق لصاحبه، ومرة يكون هذا الحق للأخت، ومرة للأخ، ومرة للأم، ومرة للبنت، ومرة للزوجة، ومرة للأبناء، ومرة لهم جميعا…بحسب قيد: الكدّ والسعي. والفتاوى والأقضية في مظانها لا تعد ولا تحصى. خامسا: لا حق للكدّ والسعي في الأعمال الباطنية وهي الأعمال المنزلية من طبخ وأكل وإشراف على البيت. فهذه عندهم ليست من وعاء الكد والسعي. سادسا: الكدّ لا يتعلق بالوفاة ولا بالطلاق ومن خلال تتبع الفتاوى والأقضية نجدهم قد حكموا بالكد والسعاية عند الوفاة، وعند الطلاق. كما حكموا به عند استقلال الكاد ببيت خاص به، وعند طلب الحق، وعند الانتقال إلى مدينة أو قرية أخرى…وبكل هذه الأحوال وغيرها ورد الكد والسعي. فنحن أمام الحالات الآتية للحكم بالكد والسعي: * عند الوفاة * عند الطلاق * عند الاستقلال ببيت خاص * عند طلب الحق لأي سبب من الأسباب * عند الانتقال إلى مدينة أو قرية غير مكان الكد. أما الوفاة، فقد استندوا فيها على قصة حبيبة بنت زريق زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وأما الأحوال الأخرى فبقياس علة إعطاء الحق. قال الفقيه اليعقوبي رحمه الله:" وفي حالة ما إذا دعت الظروف والضرورة إلى تفرق العائلة، وعيش أفرادها مستقلين بعضهم عن بعض، مع ما يترتب عن ذلك من قسمة للأموال والكسب الذي حققوه مشتركين، يجتمع الكل في جلسة عامة، وينظرون هل بقي من مال كسبهم ما يمكن أن تقع فيه القسمة، أم أن كل شيء استهلكته المعيشة والآفات…فإذا كان هناك فائض قابل للقسمة، يحضرون معهم أهل الخير والعدول، ويحددون الأساس الذي تقع عليه قسمة السعاية بينهم، ليحوز كل نصيبه بقدر مشاركته ومساهمته في الكسب"(). وفي أجوبة الناصري الذي سئل عن رجل له زوجتان تطلبانه في كل غلة بعزل سعايتهما منها، وهما في عصمته، هل لهما ذلك من غير فراق ولا موت؟ فأجاب: إن مجرد كونههما في العصمة لا يمنعهما من أخذ سعايتهما"( ). توضيح وتأكيد: بعد أن أكدنا أن العلماء والقضاة قد أفتوا وقضوا بالكد والسعاية كحق لكل كادّ، ذكرا كان أو أنثى، من العائلة أو من خارجها كما سبق بيانه. أؤكد بالبنط العريض ثانية أنهم لم يحتاجوا للقول بحق الكد والسعاية إلى نص شرعي أو سابقة. لأن كل النصوص الشرعية داعية إلى الحق، وإعطاء كل صاحب حق حقه. ولم يحتاجوا للحكم بالكد والسعي إلا عندما تغيب بيِّنات الأموال، وذلك حينما يكون المال المستفاد والثروة المنشأة في حرز أحدهم مثلا، ووقع التنازع أو التناكر. هنا التجأ القضاة إلى وسائل الإثبات الشرعية. فإذا أنكر محرز المال، أو أهله بعد وفاته، رجعوا إلى إعمال مسطرة جميع وسائل الإثبات الشرعية لافتكاك الحقوق. أما إذا كانت الأمور موثقة فهذا لا إشكال فيه عندهم، لأن الناس ساعتها قد أعفوا الإفتاء والقضاء من القول والفصل. وحيث إن الناس قديما كانوا لا يحرصون على التوثيق كما هو الشأن اليوم، فإن وجود المال عند الانسان وغياب التوثيق لا يعني أن الفقهاء والقضاة سيبقون مكتوفي الأيدي هاهنا، بل إنهم يعملون قواعد الإثبات للنفي وجود حق الكد أو تأكيد وجوده. وعليه فالحكم بالكد والسعاية يكون عند: ** وجود المال مشاعا بين الأفراد، ولم يقع منهم نزاع حول الاشتراك فيه. ** أو وجود المال مشاعا بينهم، ووقع النزاع حول الاشتراك في كدِّ تحصيله. ** أو بقاء المال في يد أحدهم ولم تتم تصفيته بإعطاء الكادّ أو الكادّين حقهم منه. فوقعت الوفاة، أو الطلاق، أو حضرت حاجة بعضهم إليه. هنا نلجأ إلى الكد والسعي، وإعمال مسطرة الإثبات إن دعت الحاجة إليها. والله الموفق والمستعان، ناصر الحق بالحق،الهادي عباده إلى ضئضي الصواب.