تَبيتُ "إسرائيل" كل ليلة، تقريبا، على أنباء عمليات إطلاق نار على جنود ومستوطنين إسرائيليين، وتستيقظ على نتائج اشتباكات مسلحة مع فلسطينيين بالضفة الغربية. الظاهرة المتكررة، في الأشهر الماضية، وبخاصة في منطقة شمالي الضفة الغربية، دفعت الكثير من الإسرائيليين للتساؤل عمّا إذا كانت إسرائيل على عتبة اندلاع "انتفاضة فلسطينية جديدة". وعادت كلمة "انتفاضة" إلى البرامج الإذاعية الصباحية، ونشرات الأخبار المركزية المسائية في إسرائيل. ويقول الفلسطينيون إن ما يجري هو رد على الاقتحامات الإسرائيلية اليومية للمدن والمخيمات الفلسطينية بالضفة الغربية، ولكنّ إسرائيل تعتبر أنه ناتج عن ضعف السلطة الفلسطينية. وفي مارس الماضي أطلق الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية بالضفة الغربية أسماها "كاسر الأمواج"، ومنذ ذلك الحين يقتحم الجنود الإسرائيليون المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية ليلا، لتنفيذ عمليات اعتقال. والإثنين، أعلن رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي، في تصريح مكتوب، اعتقال 1500 فلسطيني حتى الآن في إطار هذه العملية. ويرى خبراء إسرائيليون، أن جوهر المشكلة الفلسطينية "سياسي"، وليس أمنيا، وناجم عن غياب "الأفق السياسي"، جراء إغفال السياسيين والأحزاب في إسرائيل للقضية الفلسطينية وعدم وجود أي رؤية "سياسية" للتعامل معها. وتوقفت المفاوضات السياسية بين الفلسطينيين وإسرائيل عام 2014، جراء رفض إسرائيل وقف الاستيطان، وتنصلها من خيار "حل الدولتين". وترفض غالبية الأحزاب الإسرائيلية إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وتؤيد استمرار الاحتلال للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967. ويحذر سياسيون ومراقبون إسرائيليون من أن استمرار الوضع الحالي، قد يقود في النهاية إلى قيام "دولة ثنائية القومية". ** حالة جديدة يرى آفي يسسخاروف، المحلل في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أن إسرائيل أمام "حالة جديدة" لا تشبه الانتفاضتين السابقتين اللتين اندلعتا في عامي 1987 و2000. ويقول يسسخاروف لوكالة الأناضول: "لا أستطيع أن أصف ما يجري بأنه انتفاضة، لأن الانتفاضة كما شهدناها في العام 1987 وعام 2000 تتميز بأنها عمل جماهيري واسع…نحن بلا شك أمام حالة جديدة". وأضاف، الخبير الذي غطى الأحداث في الأراضي الفلسطينية المحتلة لسنوات: "ما نشهده الآن هو وجود جيوب لمسلحين فلسطينيين خاصة في نابلس وجنين (شمالي الضفة) يشتبكون كل ليلة تقريبا مع الجيش الإسرائيلي أو يطلقون النار على أهداف إسرائيلية". وتابع: "في كل مرة تدخل فيها القوات الإسرائيلية إلى مدن أو مخيمات في جنين ونابلس تحديدا، لتنفيذ عمليات اعتقال أو هدم منازل منفذي عمليات، يحدث اشتباك مسلح وإطلاق نار وهناك جرحى وقتلى". واعتبر يسسخاروف أن هذا "شيء جديد لم نشاهده منذ الانتفاضة الثانية التي بدأت عام 2000". وقال: "اليوم هناك مسلحون فلسطينيون في كل شارع بمدن ومخيمات الضفة الغربية وبخاصة شمالي الضفة، وصحيح أن الجيش الإسرائيلي ما زال يُحكم سيطرته، ولكن لا ندري ماذا سيحدث غدا". ** مشكلة سياسية وليست أمنية وأتت التطورات في الأراضي الفلسطينية في وقت تُكرس فيه الحكومة الإسرائيلية نفسها لمتابعة تطورات مفاوضات الملف النووي الإيراني دون أن تُعير انتباها للملف الفلسطيني. وقال يسسخاروف: "إسرائيل تتجاهل القضية الفلسطينية، هي تتمنى لو أنه ليست هناك قضية فلسطينية، ولكن الوضع الذي نشهده في الضفة الغربية حاليا يقول أمرا آخرَ". وأضاف: "إذا ما كانت إسرائيل تتجاهل القضية الفلسطينية، فهذا لا يعني أنها غير موجودة أو أن الفلسطينيين غير موجودين". وكان قائد الجيش الإسرائيلي كوخافي، قد اعتبر أن جزءا من الزيادة في الهجمات "ينبع من ضعف أجهزة الأمن الفلسطينية، ما أدى إلى غياب الحكم في مناطق معينة من يهودا والسامرة (الضفة الغربية)". ويتفق يسسخاروف جزئيا مع هذا التحليل، ولكنه يشدد على ألا تعفي إسرائيل نفسها من المسؤولية. وقال: "جزء مما قاله رئيس الأركان صحيح، ولكن السؤال المركزي هو لماذا السلطة الفلسطينية ضعيفة؟، أولا، بسبب عدم وجود انتخابات فلسطينية وعدم وجود إصلاحات فلسطينية، ولكن إسرائيل مسؤولة أيضا، إن إسرائيل مسؤولة بنسبة 50٪ على الأقل عن هذا الوضع". وأضاف مفسرا: "إسرائيل تقول إنه ليس هناك شريك فلسطيني وترفض المفاوضات للتوصل إلى حل سياسي، وتحتجز جزءا من الأموال الفلسطينية، وهو ما لا يمكّن السلطة الفلسطينية من دفع رواتب موظفيها، بمن فيهم عناصر الأمن، بشكل كامل". وكان مسؤولون من الحكومة الحالية قد التقوا مع مسؤولين من السلطة الفلسطينية بمن فيهم الرئيس محمود عباس، ولكنهم شددوا على أنها اجتماعات ذات طابع اقتصادي وحياتي وأمني، ولا علاقة لها بالجانب السياسي. وتتعامل الحكومة الإسرائيلية مع الفلسطينيين بالضفة الغربية وقطاع غزة، من منطلق أن الهدوء سيُقابل بعدد أكبر من تصاريح العمل وتسهيلات الحركة على الحواجز الإسرائيلية. وأشار يسسخاروف إلى أن غياب الأفق السياسي للحل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، هو جزء من المسؤولية عن الوضع. وقال: "ليس هناك، ولو مسؤول إسرائيلي واحد، لديه رؤية لحل سياسي حقيقي للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي". وأضاف: "ليس هناك رؤية للحل لا لدى رئيس الوزراء يائير لابيد، ولا لدى وزير الدفاع بيني غانتس، ولا رئيس المعارضة بنيامين نتنياهو، وإذا ما كانت لدى أي منهم رؤية فليتقدم بها". ** تحذير من تدهور الأوضاع ومن جهته، ينقل الباحث في معهد دراسات الأمن القومي التابع للجامعة العبرية عوفير شيلح عن مسؤولي الأمن في الجيش وجهاز الأمن العام "الشاباك" قولهم إن الوضع في الضفة الغربية "قد يتدهور في أي لحظة". وأضاف في مقال نشره بصحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية يوم الثلاثاء: "هذا هو نتيجة مجتمع (فلسطيني) محبط، مليء بالأسلحة النارية ويخضع لسلطة السلطة الفلسطينية الضعيفة، لكن هذا مجرد جزء صغير من الصورة الكاملة لأن خبراء الأمن لا يتابعون سوى الجانب العسكري للقضية، أو بعبارة أخرى (العدو)". وتابع: "إذا سُمح لهم بالتعبير عن إدراكهم في الجانب الإسرائيلي، فمن المحتمل أن يشيروا إلى عدم مبالاة الجمهور الإسرائيلي وصناع القرار". وأكمل شيلح: "إذا كانت هناك قضية واحدة لا تحظى باهتمام كلا جانبي الساحة الحزبية (اليمين واليسار)، فهي الشعور بأن المشكلة الفلسطينية لا تهم أحداً، لا تحظى بأي اهتمام في الحملات الانتخابية، وهذه ليست مصادفة: في الاستطلاعات العميقة لمختلف الأحزاب السياسية في إسرائيل، هذا موضوع يقع في أسفل قائمة البرامج الانتخابية". وأردف: "قد يُغيّر الشكل الجديد للانتفاضة القادمة الصورة كاملة". وأكمل: "حتى مع المعلومات الاستخباراتية التي قدمها الشاباك، والغارات المستمرة على الضفة الغربية التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي، ستبقي المشكلة داخل الجيوب الفلسطينية، ولن تحل أي شيء". وأردف: "سيظل هناك حوالي ثلاثة ملايين فلسطيني (..) تحت السيطرة الإسرائيلية، والجيش الإسرائيلي والنظام القضائي والوعي الإسرائيلي وصورة الدولة اليهودية في العالم سوف تُلطَّخ بصورة السيطرة على الناس الآخرين، الأمر الذي يهددنا أكثر من أي خطر عسكري". وأضاف: "مع كل يوم من التعامل مع المرؤوس، تنزلق إسرائيل ببطء على المنحدر نحو دولة ثنائية القومية، يمكننا أن نتظاهر بأن الأمر ليس كذلك، لكن خلاصة القول هي أن الفلسطينيين لن يذهبوا إلى أي مكان، ولا نحن كذلك". وتابع شيلح: "إن تجاهل المشكلة، بسبب اليأس أو الجبن السياسي، أو عدم كفاءة القيادة، لن يجعلها تختفي. في معظم الأحيان، سوف يضر بنا ببطء؛ وأحيانًا، لسوء الحظ، ربما حتى في المستقبل القريب، قد تشتعل وتسبب المزيد من الضرر". المصدر: وكالة الأناضول.