الشاب أو الفتاة الذين لم يتعلموا شريعة الإسلام وتربوا في الجاهلية الحديثة على الجاهلية الحديثة، لكن بقيت في قلوبهم شرارة موقدة من موقد اشتعل من ألف وأربعمائة عام، وجذوة من نار أخذت من لهيب ذلك الموقد ولما تنطفيء، بل قل بقي في عقولهم بعض عقل وفي نواصيهم بعض حكمة يعلمون أنهم إلى ربهم راجعون، وأنهم موقفون ثم مسؤولون فمجازون، وأنهم إما إلى جنة يتنعمون فيها بألوان النعيم التي ذكرت لهم، أو إلى نار يتلظون فيها بألوان العذاب التي ذكرت لهم، فقد اختارت قلوبهم المحبة لربها تلك المحبة واختارت عقولهم المحبة لمصلحتهم تلك المحبة، فإذا هما اجتمعت لديهما المحبتان على هدف واحد وهو إرضاء الله تعالى باتباع شرعته وإنفاذ كلمته، وقد علموا أن سبيلهم إلى ذلك طاعة المخبر به المبلغ عنه المكلم منه، بسلوك طريقته واتباع سنته. نقول: إذا وجدنا ذلك الشاب وتلك الفتاة وقد صارا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، فلهما نقول: قد تظن يا ولدي ويا بنتي أن الإسلام لا يمكن معرفته أو الوصول إليه، فكل من حولك يتحدثون عن الإسلام ولكل واحد منهما إسلامه، حتى لكأن الناس كلهم قد صاروا أنبياء كذبة، ويكذب بعضهم بعضا، فقد تتخير حينئذ من أقوالهم ما يوافق هوى قلبك أو يرضي غرور عقلك، أو قد تعرض عنهم جميعا فتترك الأمر بالكلية، فلك يا ولدي، ولك يا بنتي، أقول. يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم. لماذا تلتفت إلى قول فلان أو علان من زبالة الناس، وقد من الله تعالى عليك بأن أرسل لك رسولا من عنده بكتاب من لدنه وكنوز من رحمته، لك خاصة، لماذا يعاملك الله تعالى معاملة الملوك، فتعرض أنت عن ملك الملوك وترضى بصورة الخنازير في اقتيات القمامة أو الضباع في افتراس الجيف؟ أسمعك تقول: وكيف أعرف ماذا قال رسول الله؟ هو أنا كنت عايش معاه؟ وكعادتك تمرق من الإسلام مروق السهم من وتر القوس، على صهوة لسان جامح أحمق يحمل صاحبه إلى أتون لهب أو قاع جرف، تتهم الله تعالى بالعبث واللهو دون روية وبغير عقل، وكأنه تعالى لم يعرف تلك المسألة أو لم يعتبرها لما أرسل إليك رسوله وأنزل إليك كتابه. لقد تكفل تعالى بحفظ وحيه لك، وتحت كلمة وحيه ضع ألف خط، ما حاجتك أنت لقول فلان وقول علان من زبالة الناس وبين يديك وحي السماء. الذين يتبعون الرسول النبي الأمي. الشرط الوحيد الذي شرطه الله تعالى عليك، والعهد الأخير الذي قطعه الله تعالى عليك، أن تتبع رسوله، تتبع رسوله وحده، فمالك تتبع كل ناعقة من غربان الندامة دعاة جهنم؟ إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا. فأنت تبحث عن الحل السحري الذي يأتيك بالشرعة المطهرة كالدجاجة المحمرة مقدمة لك طازجة ساخنة، شرعة لا خلاف فيها ولا اختلاف عليها، وقد يصل بك حالك أن تطلب أن يأتيك بها الله تعالى بنفسه تحملها إليك بين يديه ملائكته، وهذا لن يكون. فلا تخدعنك نفسك، سيبقى هذا الخلاف الذميم أبدا، وحتى خروج النار من عدن، فنفسك نفسك، عليك نفسك لا تهلكها ولا تخدعها، إنما الحل لديك أنت، في قلبك أنت، أن يخشع قلبك لذكر الله وما نزل من الحق، أن تكون غايتك العظمى وقرارك الوحيد أن تطيع الله ورسوله، لا أن تطيع هواك، ولا عقلك، ولا شهوتك، أن تطيع الله وحده، ورسوله. الحلال بين والحرام بين… من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي إن كان هذا قرارك فأبشر فقد وصلت مبتغاك وحصلت مشتهاك كمسافر قصد الرجوع فلما شارف الوصول ولاحت له علامات منازله وأمارات مقاصده صاح يقول "قد وصلنا. قد وصلنا" .. فقد شارفت على الوصول حتى لكأنك قد وصلت، لم يعد بينك وبين هدفك إلا كما بين أم قد اشتد عليها ألم الوضع وانفراجتها. فأبشر ثم شمر، فالمسافر إن رأى علامة داره جد إليه السير، والمرأة إن أحست نزول جنينها زادت في الدفع. وكما أخبرك صلى الله عليه وسلم، الحلال بين والحرام بين، ويكفيك أن تسأل ما الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، كيف كانت حياتهم ومعاملاتهم وطباعهم وفعالهم، ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم، وماذا فعل، وماذا كان يحب أو يبغض، ماذا كان ليكون حكمه في تلك المسألة لو كان بيننا، وهذا هين يسير، ويكفيك فيه ما وضح من القرآن وما صح من السنة، قد يزيدك البعض فيقول "بفهم سلف الأمة" وهي زيادة عزيزة على قلوبنا تداعب شغاف أفئدتنا، لكنها زيادة زائدة وفضلة فاضلة، فسلف الأمة لم يكن لهم فهم خاص يختلف عن فهم غيرهم، بل هو فهم واحد، فهم الرجل العربي للسان العربي، وما ميز فهمهم عن فهم غيرهم إلا امتياز قلوبهم على قلوب غيرهم، وقد كان معهم من العرب من إذا خرجوا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم "قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا"، فلو صلح قلبك كصلاح قلوبهم لصلح فهمك كصلاح فهمهم، نعم، لا ننكر احتياجك لفهمهم كحاجة الأعجمي لمترجم يترجم له اللسان العربي، كما لا ننكر احتياجك لفهمهم لحضورهم ومعاينتهم ما غبت عنه وغابت عنك معاينته، لكن هذا كله له هدف واحد وغاية واحدة، أن تعرف ما الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وأصحابه، أن تتبع سنته وتسلك طريقته، أن يرضى عنك ربك، أن تدخل الجنة وتنجو من النار. الأمر إذا سهل يسير كما ترى، قد تجادل فتقول وماذا نصنع بالمتشابهات التي لا نستطيع الوصول إلى وجه الحق فيها؟ فلك أقول: وما نسبة هذه المتشابهات إلى أصل الدين؟ إنما هي مسائل قليلة يسيرة، فلا تجعل اهتمامك بها يصدك عن أصول الدين وكلياته ومهماته الأولى، فليس هذا من العقل في شيء. "يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا" "فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه" فإنك أن أحكمت الأصول التي اتفقنا عليها وجعلت رضى الله تعالى غايتك وتقواه سبحانه سبيلك ثم جعلت قائدك وحيه وربانك هديه، ثم لم تبق لك إلا المشتبهات، فأبشر، فقد جعل لك الله تعالى فرقانا تفرق به بين الحق والباطل، ومن ذلك فرقان أعطاكه رسولك صلى الله عليه وسلم، اتق الشبهات ما استطعت إلى ذلك سبيلا، رأيت الناس يختلفون في اللحية أفرض هي أم سنة، فأعفها تتقي شبهة حلقها تستبريء لدينك وعرضك، رأيتِ الناس يختلفون في ستر الوجه أواجب هو أم مستحب فاستري وجهك تتقين شبهة كشفه تستبرئين لدينك وعرضك. وفي القرآن الكريم والسنة المطهرة من ذلك الكثير والكثير، هدايات ربانية تنير لك الطريق وتضيء لك السبيل وتفرق لك بين الحق والباطل.