المغرب ‬يحقق ‬فائض ‬المكتسبات ‬بالديناميةالإيجابية ‬للدبلوماسية    تصعيد جديد في صفوف الأطباء الداخليين يشلّ قطاع الصحة    هلال: تقييم دور الأمم المتحدة في الصحراء المغربية اختصاص حصري للأمين العام ولمجلس الأمن    زملاء وأصدقاء المدني يحتفون به "أستاذا عضويا" و"فقيها دستوريا" و"قامة علمية كبيرة" (فيديو)    أداء إيجابي يستهل تداولات بورصة الدار البيضاء    رغم ‬الجهود ‬الكبيرة ‬والأوراش ‬المهمة.. ‬معدلات ‬البطالة ‬ترتفع ‬في ‬المغرب ‬    فارق ضئيل بين ترامب وهاريس.. أمريكا تختار رئيسها ال47    هاريس في آخر خطاب لها: "كل صوت مهم في الانتخابات"    الانتخابات الأمريكية.. نحو 83 مليون شخص أدلوا بأصواتهم مبكرا    صاعقة برق تقتل لاعبا وتصيب آخرين أثناء مباراة كرة قدم في البيرو    القضاء يرفض تعليق "اليانصيب الانتخابي" لإيلون ماسك    دقيقة صمت خلال المباريات الأوروبية على ضحايا فيضانات فالنسيا        آس الإسبانية تثني على أداء الدولي المغربي آدم أزنو مع بايرن ميوني    إلياس بنصغير: قرار لعبي مع المغرب أثار الكثير من النقاش لكنني لست نادما عليه على الإطلاق    القفطان المغربي يتألق خلال فعاليات الأسبوع العربي الأول في اليونسكو    وزيرة التضامن الجديدة: برنامج عمل الوزارة لسنة 2025 يرتكز على تثمين المكتسبات وتسريع تنفيذ إجراءات البرنامج الحكومي    حملة لتحرير الملك العام من الاستغلال غير المرخص في أكادير    كيوسك الثلاثاء | المغرب يواصل صدارته لدول شمال إفريقيا في حقوق الملكية        الفاطمي يسأل وزير التجهيز عن مصير الأسر المهددة بالإفراغ من المساكن المخزنية بالجديدة    أولمبيك آسفي يرفض الحكمة كربوبي    هاريس تستهدف "الناخبين اللاتينيين"    ترامب أم هاريس؟.. إنطلاق انتخابات أمريكية حاسمة تهيمن عليها مخاوف كبيرة    بقيمة 400 مليون أورو.. المغرب يحصل على قرض لتوسيع ميناء طنجة المتوسط    استقرار أسعار النفط وسط غموض حول الانتخابات الأميركية    احتجاجا على الموقف السلبي للحكومة..نقابيو "سامير" يعتصمون أمام الشركة للمطالبة بإنقاذ المصفاة    ترامب يعد الأمريكيين ب"قمم جديدة"    استنفار أمني واسع بعد العثور على 38 قذيفة في ورش بناء    الهجوم على الملك والملكة ورئيس الحكومة: اليمين المتطرف يهدد الديمقراطية الإسبانية في منطقة الإعصار    تصفيات "كان" 2025.. تحكيم مغربي المباراة نيجيريا ورواندا بقيادة سمير الكزاز    على بعد ثلاثة أيام من المسيرة الخضراء ‮ .. ‬عندما أعلن بوعبيد ‬استعداد ‬الاتحاد ‬لإنشاء ‬جيش ‬التحرير ‬من ‬جديد‮!‬    افتتاح النسخة الثانية من القافلة السينمائية تحت شعار ''السينما للجميع''    «حوريات» الجزائري كمال داود تقوده الى جائزة الغونكور    نجم الكرة التشيلية فيدال متهم بالاعتداء الجنسي    ارتفاع درجات الحرارة في توقعات طقس الثلاثاء    مجلس النواب يصادق على مشروع القانون المتعلق بالصناعة السينمائية وإعادة تنظيم المركز السينمائي المغربي    دراسة: المغرب قد يجني 10 ملايير دولار من تنظيم "مونديال 2030"    نوح خليفة يرصد في مؤلف جديد عراقة العلاقات بين المغرب والبحرين    التساقطات المطرية الأخيرة تبعث الأمل في موسم فلاحي جيد    دروس وعِبر للمستقبل.. الكراوي يقارب 250 سنة من السلام بين المغرب والبرتغال‬    أخنوش: فقدنا 161 ألف منصب شغل في الفلاحة وإذا جاءت الأمطار سيعود الناس لشغلهم    "المعلم" تتخطى مليار مشاهدة.. وسعد لمجرد يحتفل        «بابو» المبروك للكاتب فيصل عبد الحسن    رحيل أسطورة الموسيقى كوينسي جونز عن 91 عاماً    إبراهيم دياز.. الحفاوة التي استقبلت بها في وجدة تركت في نفسي أثرا عميقا    أطباء العيون مغاربة يبتكرون تقنية جراحية جديدة    "فينوم: الرقصة الأخيرة" يواصل تصدر شباك التذاكر    الجينات سبب رئيسي لمرض النقرس (دراسة)        خلال أسبوع واحد.. تسجيل أزيد من 2700 حالة إصابة و34 وفاة بجدري القردة في إفريقيا    إطلاق الحملة الوطنية للمراجعة واستدراك تلقيح الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة بإقليم الجديدة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين النبوة والرسالة بقلم هشام تيفلاتي*


بقلم هشام تيفلاتي*
Hicham Tiflati
لقد نجم عن محتوى أحد دروس التربية الإسلامية في القسم الرابع الابتدائي بالمغرب الكثير من الكلام والجدل. واعتبر النقاد أن الذنب الذي سقط فيه المؤلف(ون) هو تفريقه(م) بين النبي والرسول في مسألة التبليغ، حيث اعتبر الكتاب أن الفرق الجوهري بينها(النبوة والرسالة) هو تبليغ الرسالة. فالرسول مأمور بتبليغ ما أوحي إليه، أما النبي فلا. وكان من رد بعض المعلقين على القضية (كالشيخ “أبو حفص") أن النبي أيضا مأمور بالتبليغ، والدليل أن أمته مأمورة بذلك فكيف به هو. ولم أجد تراثنا إضافات دقيقة أخرى توضح هذا الجدال والسجال الجديد القديم. فأين يكمن الفيصل الحقيقي بين النبوة والرسالة؟ وإن وجد فارق بين الصفتين أو المرتبتين، فهل يتجاوز قضية التبليغ إلى قضايا أخرى أم يبقى رهينها؟هذا ما سنحاول توضيحه في مقالنا هذا فابقوا معنا.
يجب على أي تساؤل جاد وصريح داخل السياق الإسلامي حول مسألة النبوة والرسالة أن ينطلق من سؤال جوهري هام هو: هل أفعال وأقوال النبي الرسول محمد صلى الله عليه وسلم كلها وحي؟ هل يجب علينا اتباعها والاقتداء بها كسنة في مقابل الفرض؟ أم أن منها ماهو اجتهادي انساني بحث؟وهل يخضع هذا السلوك للصواب والخطأ؟
ثم عندما يقول سبحانه وتعالى في سورة النجم:" وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى" الآية، لنا أن نتسائل عن الضمير “هو"، هل يعود على الوحي القرآني فقط؟ أم يشير إلى كل ما ينطق به صلى الله عليه وسلم؟ ثم أخيرا هل خضعت بعض أفعال وأقوال النبي الكريم للهوى والغضب وتقلبات النفس الإنسانية؟ أحاله في بعض سلوكياته اليومية كحال غيره من البشر من الضعف؟ أم كانت جميعها من وحي عليم حكيم؟
للبحث في كل هذه التساؤلات نحتاج إلى تقييم وتقويم لمجموعة من المفاهيم في الفكر والفقه الإسلامي الموروث. ففيما يخص سورة النجم فهي مكية نزلت ردا على تشكيك واستهزاء وتعجب المشركين بآيات الله نفسها. وقد اختلف المفسرون بناء على فحوى هذه الآية حول تشريعية السنة النبوية وإذا ما كانت كلها وحيا معصوما كالقرآن الكريم.
قالابنالقيم رحمه الله شارحا للآية : (ولم يقل: «وما ينطق بالهوى»؛ لأن نفي نطقه عن الهوى أبلغ، فإنه يتضمن أن نطقه لا يصدر عن هوى، وإذا لم يصدر عن هوى فكيف ينطق به؟ فتضمن نفي الأمرين: نفي الهوى عن مصدر النطق، ونفيه عن نفسه، فنُطقه بالحق، ومصدره الهدى والرشاد لا الغي والضلال). (بدائع التفسير (4/672)
وقالالشافعي رحمه الله : (سمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ). اه. [الرسالة ص87]. وهنا يشير الشافعي إلى قوله تعالى:" وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا"حيث يؤكد أن معنى الحكمة هنا هي السنة النبوية وأنها منزلة كإنزال وتنزيل القرآن.
وقد صرح الكثير من المفسرين بأن الآية "إن هو إلا وحي يوحى" صريحة فى وصف السنة النبوية بالوحى
قال القرطبى : وفيها أيضا دلالة على أن السنة كالوحي المنزل في العمل . وقال ابن كثير : { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى } أي : ما يقول قولا عن هوى وغرض . { إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى } أي : إنما يقول ما أُمر به ، يبلغه إلى الناس كاملا موفَّرًا من غير زيادة ولا نقصان ، كما رواه الإمام أحمد … عن أبي أمامة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ” ليدخلنّ الجنة بشفاعة رجل ليس بنبي مثلُ الحيين – أو : مثل أحد الحيين – : رَبِيعة ومُضَر ” . فقال رجل: يا رسول الله أو ما ربيعة من مضر ؟ قال : ” إنما أقول ما أقول ” .
ونعود إلى السياق التاريخي لسورة النجم وظروف نزولها. نعتقد أن الضمير “هو" في الآية يعود على القرآن المعجز فقط لأنه جاء ردا على المشركين المستهزئين بالكلام الرباني. وكما جاء في الحديث المعروف حول قصة الوليد بن المغيرة حين سمع كلام الله وقال قولته الشهيرة التي نحفظها كلنا:" إن به لحلاوة وان عليه لطلاوة وان أعلاه لمثمر وان أسفله لمغدق وانه ليعلو ولا يعلى عليه“. كان كلام الوليد هنا عن القرآن فقط وليس على كل ما ينطق به النبي صلى الله عليه وسلم. فكان من العرب مصدق ومكذب ومستهزئ ومبهور وساخر من هذا الكلام الغريب الذي جاء به محمد بن عبد الله. نستنتج إذا أن الضمير “هو" يعود على القرآن المعجز لأنه جاء ردا على المشركين، وليس على كل ماينطق به النبي(أقول النبي وليس الرسول) الكريم.
تكمن حساسية موضوع النبوة والرسالة فيمايتفرع عنه من اشكاليات في الشرع من حيث النظر إلى السنة الشريفة كمصدر من مصادر التشريع مع الاختلافات بين المذاهب. ومن كونها سنة مقابلة للفرض.ثم السنة الفعلية والقولية والتقريرية على تقسيم الشافعي. وهل هي موجبة كتشريع أم لا!
سنحاول في هذا البحث استخلاص حل وتفسير وسطي للسنة النبوية و سنبين من خلاله أصل الإشكال الذي واجه المفسرين فيما يخص عصمة الرسول ثم النبي صلى الله عليه وسلم وحكم سنته المطهرة. سنبدأبشرح لغوي وقرآني لمفهومي الرسول والنبي و بتحليل بعض الآيات التي ورد فيها ذكر الرسول والنبي.
الرسول
الرسول على وزن فعول، أي مرسل من الرسالة. جاء في المعجم الوسيط: “الرَّسُولُ : المُرْسَل للمذَّكر والمؤَنَّث والواحد والجمع .وفي التنزيل العزيز : الشعراء آية 16 إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ. ويجمع أَيضاً على رُسُل ، وأَرْسُل .
و الرَّسُولُ الرِّسالَةُ .
و الرَّسُولُ ( في الشرع ) من الملائكة ) : من يبلَّغ عن الله"أ .
والرسول مرسل للتبليغ دون زيادة أو نقصان أو تغيير، وهو معصوم عن الخطأ والسهو فيما ما يبلغه عن ربه. والمؤمنون مأمورون بالاقتداء به واتباعه وطاعته. قال تعالى:" وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ"الحشر7
ويقول أيضا: “ وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون" آل عمران132
وأيضا:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا" النساء59
والرسل إنما جاؤوا لهداية الناس وإخراجهم من الظلمات الى النور. وشريعتهم للإنسانية جمعاء في زمانهم إلى حين نسخها في كلها أو بعضها بشريعة جديدة. لهذا نزه الله علا وجل الرسل عن الخطأ والنسيان.
والرسل قد تكون من الإنس أو الجن أو الملائكة. ففي قوله تعالى:" لقد جاءكم رسول من أنفسكم...الآية"التوبة128 تشير الى الرسول الإنسي. وفي قوله:" إنه لقول رسول كريم." التكوير. و""قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ." هود21. و أيضا"ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام" العنكبوت31. في هذه الآيات إنما يشير إلى الرسل الملائكية. وأخيرا:" يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يوم كم هذا"الأنعام 130 تدل على وجود رسل من الجن أيضا مع وجود اختلاف بين العلماء حول ذلك.ولفظة الرسول أعم وأشمل من لفظة النبي لأنها تشمل الإنس والجن والملائكة. هذه بعض خصائص الرسل فماذا عن النبي؟
النبي
من نبأ ينبئ. جاء في المعجم الوسيط:" نَبَأَ الشيءُ نَبَأَ نَبْئًا ، ونُبوءًا : ارتفع وظهر .
و نَبَأَ من أَرض إِلى أَرض أخرى : خرج منها إِليها .
و نَبَأَ على القوم : طلع عليهم وهجم .
ويقال نَبَأ نَبْئا ، ونَبْأة : صاتَ صَوتًا خفيفًا .
ونبأ الرجلُ نَبئًا : أخبر" ب .
نبي جمع نبيون وأنبياء. وكل رسول نبي لأن الرسالة تشمل الكتاب والنبوة معا. وليس كل نبي رسول لأن النبوة لا تشمل إلا الكتاب. وفعلا فالمشهور في تراثنا أن الرسول يوحى إليه ويؤمر بالتبليغ، أما النبي فيوحى إليه ويؤمر باتباع ماجاءه لنفسه فقط. يذكر الشيخ بن باز رحمه الله على موقعه الرسمي شارحا الفرق بين النبي والرسول فيقول:" المشهور عند العلماء أن النبي هو الذي يوحى إليه بشرع لكن لا يؤمر بتبليغه، بل هو وحي لنفسه ، يعني أمر بنفسه بالعمل، فهذا يقال له نبي فإذا أمر بالتبليغ للناس ، هذا يقال له رسول ، نبي رسول………. فالنبي يسمى رسولاً لأنه أوحي إليه بشرع وإن كان نفسه، وإذا أمر بالتبليغ صار رسولاً لنفسه ولغيره." فلا حرج إذا على من ألفوا الكتاب السابق الذكر لأن أي بحث بسيق في كتب المتقدمين سيحيلك أو سيشير إلى هذا الفرق الساذج والتبسيطي بين النبوة والرسالة. وهناك قول ثان هو أنّ الرسولَ هو من بُعِثَ بشريعة خاصّةٍ به و بأمّته ، أمّا النبيُّ فيأتي لتبليغ شريعة رسولٍ قَبلَه .
أعتقد أن التعريف السابق يستند على ربط القرآن للبلاغ والتبليغ والرسالة، وأن التبليغ في الكتاب مقرون بالرسول وليس بالنبي. يقول تعالى:" ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين “المائدة 67. ويقول أيضا:" قلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ" النور .54
أما لفظة النبي فمقرونة بشؤون النبي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم الشخصية الإنسانية اليومية المعاشة.النبي يصيب ويخطئ في أمور الدنيا (الغير مرتبطة بالتشريع) أما الرسول فمعصوم عن ذلك. ويذكر السلف أن النبي معصوم عن الكبائر (ربما يضيفون الصغائر). وفي الكتاب قد يأتي عتاب أو تأنيب للنبي،بخلاف الرسول صلى الله عليه وسلم. ولتوضيح هذا الخلاف، تأملوا معي معنى هذه الآيات الكريمة:
يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم" التحريم. سبب نزول السورة معلوم من حديث عائشة رضي الله عنها أنها تواصت مع حفصة فكذبتا على نبي الله فحرم أكل العسل على نفسه فجاءه العتاب الإلهي على ذلك مذكرا إياه أن التحريم إنما يكون بأمر سماوي وليس بناء على حادثة شخصية للنبي.
“ ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم “ الأنفال67. بعد غزوة بدر، آستشار النبي صلى الله عليه وسلم في أسرى الحرب. أشار أبو بكر بتخلية سبيلهم لأنهم قوم وعشيرة النبي، أما عمر فأشار بقتلهم. أخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأي أبي بكر فجاء الوحي موافقا عمر ومخالفا النبي وأبابكر.
ولكم أن تتأملوا أيضا تفسير وسبب نزول هذه الآيات:
قال تعالى:"لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم"التوبة 117
وقال أيضا: “ عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى" السورة
بناء على ما سبق، لم يرد أي عتاب أوتنبيه للرسول، وإنما جاء العتاب والتأنيب للنبي الذي يصيب ويخطئ. إذن فمرتبة النبوة أعلى في القدر والشرف من مرتبتنا نحن البشر، لكنها من ناحية العصمة والتبليغ تبقى أدنى من مرتبة الرسالة. ولنا أن نتسائل لماذا لم يقل الله: أطيعوا الله وأطيعوا النبي؟لقد ذكر الرسول عوض النبي لأن الطاعة مقرونة بما هو إلهي سماوي مرسول و معصوم عن الخطأ، أي الرسالة الربانية أو الشرع وليس الأمور الشخصية للنبي صلى الله عليه وسلم. وأيضا قال: فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر"وذكر الرسول بذل النبي فلكم البحث عن السبب والمغزى والحكمة من وراء ذلك.
نقطة أخرى هامة وهي لماذا نهى صلى الله عليه وسلم عن تدوين الحديث؟ جاء في الحديث عن أبي سعيد الخدري قول الرسول صلى الله عليه وسلم:" لا تكتبوا عني شيئا سوى القرآن، فمن كتب عني غير القرآن فليمحه “رواه أحمد ومسلم والترمذي والنسائي. أحقا أن سبب النهي عن الكتابة هو الخوف من اختلاط القرآن السماوي المعجز بكلام النبي البشري في صحف الصحابة؟ ألا نؤمن ببلاغة الآيات الحكيمة ورفعتها عن المستوى البشري لفظا ومعنى؟ ألم يتحد القرآن العرب والجن والإنس بالإتيان ولو بسورة من مثله؟ وكيف للصحابة العرب الأقحاح الفصحاء أن يخلطوا بين كلام الله وكلام البشر؟ثم لماذا أمر الخليفة عمر بن الخطاب بالتقليل من الرواية عن رسول الله؟وهل يفعل الفاروق شيئا عظيما كهذا عبثا وقد وافقه الوحي في كثير من مواقفه المخالفة لمواقف النبي صلى الله عليه وسلم؟وقد سئل أبو هريرة عما إذا كان أكثر الحديث زمن عمر فقال: لو كنت أحدث في زمان عمر كما أحدثكم لضربني بمخفقته.
للختام أشير إلى أنه إضافة إلى التقسيم التقليدي للسنة إلى سنة قولية وفعلية وتقريرية، هناك من قسمها إلى سنة نبوية وسنة رسولية قسمت بدورها إلى متصلة وغيرمتصلة (كالدكتور محمد شحرور). هناك أيضا من عدل عن تقسيم الشافعي للشق الثالث من السنة المسمى بالسنة التقريرية وسماها السنة المسكوت عنها(كالدكتور فريد الأنصاري رحمه الله). أشار الأخير إلى أن ما نسميه تقريرا وندعي أنه صلى الله عليه وسلم أقره إنما هو مسكوت عنه. فلماذانسمي ماسكت عنه تقريرا؟ ولماذا نخرج بالمسكوت عنه إلى المنقطوق به وبالإيجاب؟ وهناك من قسم السنة إلى سنة عادة وسنة عبادة. أما المفكر المصري نصر حامد أبوزيد فقد تحامل في كتابه “الشافعي" على هذا الأخير لأنه كان من المنظرين المؤسسين لمصدرية السنة المطهرة. كما أن هناك من ينفي السنة مطلقا كالقرآنيين الذين يرون أن المصدر الوحيد الإلهي للتشريع هو القرآن لا غير. إلى ماشابه ذلك من الإجتهادات والتقسيمات المتعددة للسنة التي لا يسع المجال لذكرها هنا.
وأقترح بدوري تقسيما جديدا للسنة قد يسلط بعض الضوء على فهم واستيعاب المصدر الثاني للتشريع. وهذا التفريع كما أراه كالتالي:
أ- السنة الفردية: هي ما قام به صلى الله عليه وسلم كفرد داخل جماعة بشرية صغيرة. وسواء أكانت هذه السنة قولية أو فعلية أو تقريرية. تبقى هذه السنة فردية بشرية محضة تميزه عن غيره من بني قومه وعشيرته. من أمثلة ذلك حبه صلى الله عليه وسلم أكل لحم الكتف ولبس الونين الأخضر والأبيض و حبه للعسل وكراهيتة أكل الضب إلى غير ذلك.
ب- السنة العرفية: هي مافعله صلى الله عليه وسلم تماشيا مع أعراف وتقاليد قومه. وهي سنة يجتمع فيهاوعليها الكبير والصغير والمؤمن والكافر لأنها تدخل في عرف الجماعة الزماني والمكاني. ومن ذلك الملبس والمأكل والعرف اللغوي وآداب المجتمع.
ج- السنة النبوية: هي أفعاله صلى الله عليه وسلم كنبي وكإمام وقائد لجماعة المسلمين منطلق من اجتهاده الشخصي ومعتمدا على ذكاءه وحنكته في الحياة. ومن ذلك تخطيطه في الحروب والغزوات، وتفريق الأدوار بين الصحابة وعلاقاته الشخصية بأزواجه. وهو صلى الله عليه وسلم معرض للخطأ في ذلك ولم يأمر المسلمين بأخذها واتباعها وإن فعل فمن نفسه وليس من الله، وكما جاء في الحديث الذي أخرجه مسلم استطراد النبي صلى الله عليه وسلم عن نصيحته حول كيفية تلقيح النخل، حيث صحح الموقف بقوله: أنتم أعلم بأمور دنياكم؛ فكأنه يقول “إن نصيحتي السابقة لم تكن موجبة لكم وإنما كانت رأيا شخصيا مني وليس من الله". ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : ( إنما أنا بشر . إذا أمرتكم بشىء من دينكم فخذوا به ، وإذا أمرتكم بشىء من رأيى فإنما أنا بشر )و كذلك سؤال الصحابة المتكرر: أهو الرأي أم الوحي يارسول الله. وقد سبق ذكر بعض الأمثلة في كلامنا عن مرتبة النبي سابقا.
د- السنة التشريعية: وتعتبر أهم وأرقى السنن. وهي مافعله صلى الله عليه وسلم عن وحي من الله لغرض التبليغ والتشريع لأمته. وهو معصوم في ذلك محفوظ من الله فيما يقول ويفعل. وفي هذه السنة تتمثل مرتبة الرسالة والرسول الذي أمر الله المسلمين بطاعته واتباعه. وهو الذي لا ينطق عن الهوى الذي علمه شديد القوى. وهي ثاني مصادر التشريع. وتسير هذه السنة في ضوء القرآن ومنهجه مبينة موضحة شارحة له. لا تحيد عنه ولا تعارضه. وفيها يكون تفصيل العبادات من صلاة وزكاة وحج إلى غير ذلك. وهذه السنة قد يكون منها ماهو نبوي أصاب فأقرته الرسالة، ومنها ما هو عرفي وافقه الشرع وتباناه. أما ما سكت عنه الشارع فمن أمور دنيانا نديرها بما يتماشى مع ظروف حياتنا المعيشة.
قد يخالفني الكثيرون على هذا التقسيم السهل الممتنع لكني أرى أنه أعم وأشمل من التقسيم التقليدي لأنه لا ينفيه بل يعيد تصنيفه وتوضيحه. فالسنة سواء أدرجناها في صنف القولي أو الفعلي أو المسكوت عنه، ستسقط بعد ذلك في إحدى الخانات التي حددناها لامحالة، إما فردية، عرفية، نبوية أو تشريعية.مما سيساعد على إعادة فهم سلوك وحياة نبينا صلى الله عليه وسلم.
والله سبحانه وتعالى أعلى وأجل وأحوط وأعلم
Hicham Tiflati
طالب دكتور بكلية الثيولوجيا وعلوم الأديان. جامعة كيبيك بمونتريال*
[email protected]
المراجع:
القرآن الكريم. رواية حفص عن عاصم
ابن القيم الجوزية. بدائع التفسير
الشافعي. الرسالة
تفسير ابن كثير
صحيح البخاري
تفسير القرطبي – القرطبي – ج 17 – الصفحة 8
صحيح مسلم
http://www.binbaz.org.sa/mat/10328
الإمام الشافعي وتأسيس الإيديولوجية الوسطية. نصر حامد أبوزيد. المركز الثقافي العربي. 2007
محمد شحرور. الكتاب والقرآن. الأهالي للطباعة والنشر والتوزيع. سورية، دمشق.1994
http://www.almaany.com/ “أ"، “ب" المعجم الوسيط. أنظر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.