كان عمر رضي الله عنه يهتمُّ بنساء المسلمين، وبناتهم، وعجائزهم، ويعطي لهنَّ حقوقهنَّ، ويرفع عنهنَّ ما يقع من الظُّلم عليهنَّ، ويرعى شؤون الأسر الَّتي غاب عنها رجالها في الجهاد، ويحرص على إِيصال حقوق الأرامل إِليهنَّ حتَّى قال قولته المشهورة: والله لئن سلَّمني الله لأدعنَّ أرامل أهل العراق لا يحتجنَ إِلى أحدٍ بعدي أبداً، وهذه بعض المشاهد الَّتي كتبت على صفحات الزَّمن بأحرفٍ من نورٍ: ثكلتك أمُّك.. عثراتِ عمر تُتَّبَع ؟ خرج عمر رضي الله عنه في سواد الليل فراه طلحة بن عبيد الله رضي الله عنهما فذهب عمر فدخل بيتاً، ثمَّ دخل بيتاً اخر، فلمَّا أصبح طلحة ذهب إِلى ذلك البيت، فإِذا بعجوزٍ عمياء مقعدة، فقال لها: ما بال هذا الرَّجل يأتيك ؟ قالت: إِنَّه يتعهدني منذ كذا وكذا، يأتيني بما يصلحني ويخرج عنِّي الأذى ! فقال طلحة: ثكلتك أمُّك ! عثراتِ عمر تَتَبَّع ؟(ابن كثير،1998، ج8، ص303) إِنَّ الاهتمام بضعفاء المجتمع من عوامل النَّصر، ومن القربات العظيمة؛ الَّتي يُتَقَرَّب بها إِلى المولى عز وجل فينبغي لقادة الحركات الإِسلاميَّة، وحكَّام الشعوب الإِسلاميَّة، وأئمَّة المساجد، وأبناء المسلمين أن يعتنوا بهذا الجانب الإِنساني في مجتمعاتهم، ويعطوه حقَّه. هذه امرأةٌ سمع الله شكواها من فوق سبع سموات: خرج عمر رضي الله عنه من المسجد ومعه الجارود العبدي؛ فإِذا امرأةٌ برزت على ظهر الطَّريق، فسلَّم عليها عمر بن الخطَّاب، فردَّت عليه السلام، وقالت: يا عمر ! عهدتك وأنت تسمَّى عُمَيراً في سوق عكاظ تذعر الصِّبيان بعصاك، فلم تذهب الأيَّام حتَّى سُمِّيت عُمرَ، ولم تذهب الأيام حتَّى سُمِّيت أمير المؤمنين، فاتَّق الله في الرَّعية، واعلم: أنَّه من خاف الوعيد؛ قرب عليه البعيد، ومن خاف الموت؛ خشي الفوت. فقال الجارود: أكثرتِ أيَّتها المرأة على أمير المؤمنين ! فقال عمر: دعها، أما تعرف هذه ؟ هذه هي خولة بنت ثعلبة الَّتي سمع الله قولها من فوق سبع سمواتٍ، فعمر أحقُّ أن يسمع لها.(السيد، 1996، ص373) وجاء في روايةٍ: فوالله ! لو أنَّها وقفت إِلى اللَّيل ما فارقتها إِلا إِلى الصَّلاة، ثمَّ أرجع إِليها. وجاء في روايةٍ: هذه خولة الَّتي أنزل الله فيها: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة: 1] . مرحباً بنسبٍ قريب: عن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: خرجت مع عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه إِلى السُّوق، فلحقتْ عمرَ امرأةٌ شابةٌ، فقالت: يا أمير المؤمنين ! هلك زوجي، وترك صبيةً صغاراً؛ والله ما يُنضجون كُراعاً ! ولا لهم زرعٌ، ولا ضرعٌ، وخشيت أن تأكلهم الضَّبُع، وأنا بنت خُفاف بن إِيماء الغفاري، وقد شهد أبي الحديبية مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم. فوقف معها عمر، ولم يمض، وقال: مرحباً بنسبٍ قريب، ثمَّ انصرف إِلى بعيرٍ ظهيرٍ، كان مربوطاً في الدَّار، فحمل عليه غرارتين ملأهما طعاماً، وجعل بينهما نفقةً، وثياباً، ثمَّ ناولها بخطامه، ثمَّ قال: اقتاديه فلن يفنى حتَّى يأتيكم الله بخير. فقال رجلٌ: يا أمير المؤمنين ! أكثرت لها. فقال عمر: ثكلتك أمك ! والله إِنِّي لأرى أبا هذه، وأخاها قد حاصرا حصناً زماناً فافتتحاه، ثمَّ أصبحنا نستفيء سُهماننا فيه. وهذا دليلٌ على وفاء الفاروق لكلِّ مَنْ قدَّم للإِسلام شيئاً، ولو كان صغيراً.. ويا له من وفاءٍ نحن في أشدِّ الحاجة إِليه في هذا الزَّمان الَّذي يكاد ينعدم فيه الوفاء عند كثيرٍ من النَّاس. خِطبته لأمِّ كلثوم بنت الصِّدِّيق: تقدَّم عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عائشة أمِّ المؤمنين رضي الله عنها يخطب منها أختها الصُّغرى أمَّ كلثوم، وحدَّثت عائشة أختها، فردَّت عليها: لا حاجة لي في ذلك، فقالت لها: أترغبين عن أمير المؤمنين ؟ قالت: نعم ! إِنَّه خشن العيش، شديدٌ على النِّساء. فأرسلت عائشة إِلى عمرو بن العاص، فأخبرته، فقال: يا أمَّ المؤمنين ! لا تراعي، أنا أكفيك هذا الأمر. ثمَّ مضى إِلى عمر، فقال: يا أمير المؤمنين ! بلغني خبرٌ أعيذك بالله منه ! قال: ما هو ؟ قال: خطبت أمَّ كثلوم بنت أبي بكرٍ ؟ قال: نعم، أفرغبت بي عنها، أم رغبت بها عني ؟ قال: لا هذا، ولا ذاك، لكنَّها حَدَثَةٌ نشأت في كنف أمِّ المؤمنين عائشة في لينٍ، ورفقٍ، وفيك غلظةٌ، ونحن نهابُك، وما نقدر أن نردَّك عن خلقٍ من أخلاقك، فكيف بها إِن خالفتك في شيءٍ، فسطوت بها ؟ كنت قد خلفت أبا بكرٍ في ولده بغير ما يحقُّ لك. قال عمر: فكيف بعائشة، وقد كلَّمتها ؟ قال: أنا أكفيك عائشة يا أمير المؤمنين ! . وفي روايةٍ: أنَّ عمرو بن العاص قال: يا أمير المؤمنين ! لو ضممت إِليك امرأةً ؟ قال عمر: عسى أن يكون ذلك في أيَّامك هذه. قال عمرو: ومن ذكر أمير المؤمنين ؟ قال عمر: أمَّ كلثوم بنت أبي بكرٍ. قال عمرو: مالك وللجارية تنعي إليك أباها بكرةً وعشيّاً، قال عمر: أعائشة أمرتك بهذا ؟ قال عمرو: نعم، فتركها، وتزوجها طلحة بن عبيد الله.(المصري، 1999، ج1، ص177) من الأماني الحلوة الَّتي تداعب خيال الفتيات الزَّواج من عظيم قومها، وهنا يتقدَّم أمير المؤمنين خاطباً غير امر، ولا مكرهٍ، وفي تمام الحرِّيَّة والتَّصميم ترفض الفتاة أمير المؤمنين رفضاً مسبَّباً، ويبلَّغ أمير المؤمنين بالرَّفض، فيعدل، ويقلع غير حانقٍ، ولا ضائقٍ، ولا مهدِّدٍ، ولا متوعِّدٍ؛ لأنَّه يعلم: أنَّ الإسلام لا يرغم الفتاة على الزَّواج بمن لا تريد، ولقد كان عمرو بارعاً في لباقة مدخله بتبليغ الرَّفض، كما كان عمر لمَّاحاً في معرفة مصدره رغم دقَّة عمرو في التَّعبير،(الشرقاوي، 1988، ص،211) بل إِنَّ عمر رضي الله عنه يقف بجانب الفتيات في حقِّهنَّ في الموافقة على من يتقدَّم إِليهنَّ، حيث يقول: لا تكرهوا فتياتكم على الرَّجل القبيح، فإِنهنَّ يحببن ما تحبُّون. رجل يكلِّم امرأةً في الطريق: بينما عمر بن الخطاب رضي الله عنه يمرّ في الطَّريق، فإِذا هو برجلٍ يكلِّم امرأةً، فعلاه بالدِّرَّة، فقال: يا أمير المؤمنين ! إِنَّما هي امرأتي ! فقال له: فلم تقف مع زوجتك في الطَّريق تعرِّضان المسلمين غيبتكما ؟ فقال: يا أمير المؤمنين ! الان قد دخلنا المدينة، ونحن نتشاور أين ننزل، فدفع إِليه الدِّرَّة وقال: اقتصَّ منِّي يا عبد الله ! فقال: هي لك يا أمير المؤمنين، فقال: خذ واقتصَّ ! فقال بعد ثلاث: هي لله، قال: لله لك فيها. مراجع البحث: علي محمد الصلابي، عمر ابن الخطاب، شخصيته وعصره، دار ابن كثير، 1424ه-2003صص163-166 ابن كثير، البداية والنهاية، مركز البحوث والدراسات بدار هجر مصر، الطبعة الأولى 1419 ه.-1998 عبد الرَّحمن الشَّرقاوي، الفاروق عمر، دار الكتاب العربي، الطَّبعة الأولى 1408 ه 1988 م. مجدي فتحي السَّيِّد، صحيح التَّوثيق في سيرة وحياة الفاروق عمر بن الخطَّاب، دار الصَّحابة للتُّراث بطنطا، الطَّبعة الأولى 1417 ه 1996 محمود المصري، أصحاب الرَّسول صلى الله عليه وسلم، مكتبة أبي حذيفة السَّلفي، الطَّبعة الأولى 1420 1999 م.