كثيرةٌ هي الكتابات والتعليقاتُ والحَواشي التي أُلّفَتْ عن الرّسُول وزوْجاته: كمْ عددهنّ، وهلْ كلهنّ مسْلمات؟ وهل تزوّج عائشة حقّا وهي بنْت تسع سنين؟ وهلْ كانتْ له علاقة خارج الزّواج، أوْ ما كان يُطلق عليه اسم «أمّ الولد»، وما سببُ ذلك؟ إلى غيرها من الأسئلة. يمكنُ تقسيم هذه الكتابات والتعليقات، عُمُوما، إلى نوْعيْن اثنيْن: نوْع تمجيديّ لا يعمل سوى على تكْرار ما قاله القدماء، أوْ على الأصَحّ كتابات معيّنة للقدماء. وهو تكرار ينطلقُ من رؤْية تقديسيّة للتاريخ، بلْ وتجْهَلُ حقيقة التاريخ الإسلامي، ومختلف سياقاته السّياسية والقَبَليّة والدّينية والجهوية. هذه الحلقات ستكون عرْضا موضوعيا لما دوّنته السير النبوية وكتب الأخبار الأولى، القريبة جدا من عصر الرسول، قبْل أنْ تظهر كتب التفسير والتأويلات الإضافية. لنبدأ بالخلفاء الرّاشدين وصحابة الرسول: فقد كان أبو بكر الصديق، والد عائشة زوجة الرسول، متزوجا بأربع نساء، منهنّ قتيلة من بني عامر، وهي أمّ عبد الله، أكبر أولاده الذكور، وأمّ أسماء أكبر بناته. والثانية أمّ رومان بنت الحارث، وهي أمّ ولده عبد الرحمن وأمّ عائشة. والثالثة هي أسماء بنت عميس الخثعمية، أمّ ولده محمد. والرابعة حبيبة بنت خارجة بن زيد أم كلثوم ولدت بعد وفاته. مع العلم أنه كان قد رفض عرْض صديقه عمر بن الخطاب بالزّواج من حفصة التي رفضها عثمان بن عفان قبل أن يتزوّجها الرسول. ويحكي عمر بن الخطاب نفسه تفصيل هذه الواقعة قائلا:» فلقيتُ [أيْ بعد اقتراح ابنته حفصة على عثمان[ أبا بكر، فقلتُ: إن شئتُ زوّجتُكَ حفصة. فصمتَ، ولمْ يُرجع إليّ جوابا. قال عمر: فكنتُ على أبي بكر أوَجدَ [أيْ أكثر غضبا] منّي على عثمان. ثمّ لبثت ما شاء الله. فخطبها النبيّ صلى الله عليه وسلم، فنكحها. فلقيني أبو بكر فقال: لعلك وجدتَ في نفسك؟ قلتُ: نعم. قال: إنه لم يمنعني من أن أرجع إليك فيها شيئاً، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان ذكرها، فلم أكن لأفشي سره». (انظر كتاب «أنساب الأشراف، البلاذري، المجلد الأول). أما الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، فقد كان، رغم الانطباع الذي كان يعطيه بكراهيته للنساء، متزوّجا من تسع نساء هنّ: زينب بنت مظعون، أمّ كلثوم بنت عليّ، جميلة بنت عاصم بن ثابت، مليكة بنت جرول الخزاعية، لُهيّة (أمّ ولد) أمّ عبد الرحمن الأوسط، عاتكة بنت زيد أم عياض، أمّ ولد أخرى وهي أم عبد الرحمن الأصغر يلقب بالمجبر، فكيهة (أمّ ولد) أم زينب، أم حكيم بنت الحارث بن هشام بن المغيرة أم فاطمة (انظر:»الرياض النضرة في مناقب العشرة» للمحبّ الطبري، ص. 466). ضمن هذه اللائحة، كما هو واضح، توجد أمّ كلثوم بنت عليّ بن أبي طالب، بنت فاطمة بنت الرسول، أي أنّ عمرا بن الخطاب كانَ متزوّجا من حفيدة الرسول!!، الأمر الذي لا ينتبه إليه الناس عادة!!. بلْ وقد ولدتْ له زيد الأكبر ورقيّة. نقرأ في «سيرة ابن إسحاق»، المسمّاة بكتاب المبتدأ والمبعث والمغازي»، تحقيق محمد حميد الله، وتقديم محمد الفاسي، ص. 232 أنّ عمر بن الخطاب «خطب إلى عليّ بن أبي طالب ابنته أمّ كلثوم، وكانت لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاعتلّ عليّ عليه وقال: هي صغيرة فقال عمر: لا والله ما ذاك بك ولكن أردتَ منْعي فإنْ كان كما تقول فابعثها إليّ، فرجعَ عليّ فدعاها فأعطاها حلّة، فقال انطلقي بهذه إلى أمير المؤمنين فقولي: يقول لك أبي كيف ترى هذه الحلّة، فأتته بها فقالت له ذلك وأخذ عمر بدرعها فاجتبذتها منه وقالتْ: أرسل فأرسلها وقال: حصان كريم انطلقي فقولي له ما أحسنها وأجملها ليستْ والله كما قلت فزوجها إيّاه». أمّا عن المبرّر الذي قدّمه عمر بن الخطاب، حين لاموه عن زواجه من طفلة، فهو « الرغبة في القرابة من الرسول». في الصفحة الموالية من «سيرة ابن إسحاق نقرأ: «قيل يا أميرَ المؤمنين: ما كنت تريد إليها وهي صبيٌّ صغيرة؟ قال: إني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كلّ سبب منقطع يوم القيامة إلاّ سببي فأردتُ أنْ يكون بيْني وبينَ رسول الله صلى الله عليه وسلم سببَ صهر!!». لننتقل الآن إلى خليفة الرسول الثالث، عثمان بن عفان. فقد اتخذ له هو أيضا تسع نساء هنّ على التوالي: أمّ كلثوم بنت الرسول، ورقيّة بنت الرسول أيضا، أمّ عبد الله الأصغر، فاختة بنت غزوان، أمّ عمرو وعبد الله الأكبر، بنت جندب بن الأزد، أمّ خالد وعمر، فاطمة بنت الوليد بن عبد شمس، أم سعيد والوليد، أمّ البنين بنت عينية بن حصن، أمّ عبد الملك، رملة بنت شيبة بن ربيعة، أمّ عائشة وأمّ إبان وأمّ عمر، نائلة بنت الفرافصة بن الأحوص. مع ملاحظة أنّ نائلة وإنْ كانت قد أسلمت إلا أنّ أباها بقي نصرانيّا. وأمّ ولد اسمها «أمّ البنين». (الرياض النضرة في مناقب العشرة للمحبّ الطبري). فإذا كان عمر بن الخطاب قد تزوّج بحفيدة للرّسول، فإن عثمان تزوّج ابنتيْن له هما: أمّ كلثوم ورقيّة، ولهذا السبب سُمّيَ عثمان «ذو النوريْن» لأنه تزوّج اثنتيْن من بنات الرسول. غدا: إكثار عليّ بن أبي طالب من «أمّهات الولد»