هوية بريس – الجمعة 05 فبراير 2016 قد يخطئ الخطيب أي نَعَمْ، وشأنه في ذلك، شأن الناس أجمعين، وعز وجل من لا يخطئ، ولكن لماذا يحاسب حسابا عسيرا في زلة تصدر منه، ولا تقبل توبته وأوبته، ويحاكم أمام الأشهاد، ولا يعذره أحد، وكأنه استثناء من حديث: "كل بني آدم خطاء"؟! فبدل أن يكون أقوى فاعل في المجتمع، يصبح أضعف فاعل في مجتمع لئيم، وأما الوزارة الوصية المكلفة بمراقبة وتتبع الشأن الديني بالمغرب، فإنها تتمتع بصلاحيات، أعتقد أنها أوسع من صلاحيات رئاسة الحكومة؟! وأحيانا تكرس من جانبها هذا الوضع الاستئسادي والتسلطي! فما معنى أن يقول الخطيب كلاما فوق المنبر يوم الجمعة، ويوم السبت أو الأحد تلاحقه أجهزة التحقيق، وتسلطه عليه أجهزة الإعلام الأضواء حتى يصبح نجما كأنه فاز بجائزة ‘نوبل'، أو أنه اكتشف كوكبا جديدا في عالم الفضاء ؟! وبعض الخطباء المساكين تحترق قلوبهم كمدا، ويعظُّون على أصابعهم من الغيظ ولسان حالهم يقول: يا ويلتي لِم نطقت بهذا الكلام، يا ليتني اتخذت مع الوزير سبيلا؟! الفقيه ضعيف أمام أجهزة الدولة ولا أحد يدافع عنه، تسلب منه حريته ولا حق له في الرد، يتم عزله دون دخول معه في الحوار والنقاش، كأنه من أخطر المجرمين، وملفه العدلي مليء بالجرائم وقد حسم أمره بدءًا وانتهاءً و"إدانته ثابتة أصلا ولا تحتاج إلى إثبات". الكل ينتظر زلة الفقيه بحرص وإصرار وسبق ترصد، ولا أحد يلتفت لكلمة الحق التي ينطق بها الفقيه، بالله عليكم أليس هذا من العبث؟؟ أين مبدأ الإنصاف؟؟ الخطيب أمامه أعين تحاكمه وهو يخطب فوق المنبر، فكل الأعين تنصرف إليه، ومنهم من يحضر قلبه ليس بغرض إصلاح نفسه، أو الاتعاظ بخطبته، وإنما بحثا عن مداخل الشبهة لتوريط الفقيه، فيتم استثمار جميع الأشكال والوسائل المشروعة وغير المشروعة المتاحة؛ من اقتطاع الكلام وليه وتأويله وتحريفه وتشويهه، حتى تنتهي القصة إلى محاكمة غاشمة للخطيب، ثم تلْتَقِفُهَا وسائل الإعلام بعد ذلك وتتناقلها مبثورة مجتثة من سياقها ومساقها، فلا تراعى أمانة النقل، ولا التثبت ولا يقرأ الكلام في سياقه، ويحمل على غير محمله، ولا تفتح قنوات الحوار مع قائله، ولا يُساءل ناقله، فتقع المصائب والمظالم والطامات، والفقيه ضعيف أمام هذا الظلم الذي يُمارس عليه، والسلطة اللاشرعية التي تتدخل في شأنه. وأما موقف الحقوقيين فكعادتهم القديمة، فإنهم يساندون جميع فجار وفساق الأرض في قضاياهم، مظلومين كانوا أو ظالمين بمجرد أن تقيسهم شوكة أو يحسوا بِوَخْزَةِ إبرة تمسهم في جسدهم، إلا أهل الخير والصلاح من الأئمة والفقهاء وأهل الخير الذين لهم الدور الكبير والفاعل في المجتمع، يكون موقفهم معهم هو المراقبة من بعيد، والتلذذ بالألم الشديد الذي يلحق الفقيه، والمعاناة النفسية والمأساوية التي يتقلب فيها دون وجه حق، محاولا رفع الظلم عن نفسه بنفسه، دون أن يسأل الناس إلحافا. فمتى ستصل صرخة الخطباء ومعاناتهم إلى مسامع الناس؟! هؤلاء الخطباء الذين لا يَطْلُبون منا شيئا إلا البحث عن الحق، ونصرة أهله، ورفع الظلم عن كل مظلوم؟؟؟