بخصوص مطالب فتح معبري باب سبتةالمحتلة وبني انصار التي يطالب بها سكان مدينة الفنيدق ومدينة الناظور والنواحي.. أقول وبالله التوفيق: ✓ بداية يجب الأخذ بعين الاعتبار أن هذه المسألة مسألة سيادية في المقام الأول، ولا تتعلق بمدينة أو جهة أو اشخاص معينين وإنما بالبلاد برمتها، وهي من اختصاص من لهم حق تسيير البلاد، وهذا المعبر له تبعات سياسية واقتصادية واجتماعية كبيرة لا يجب الإغفال عنها وتجاوزها. ✓ ثم إن هذا المعبر ومعبر مليلية المحتلة لا يختلف اثنان في كونهما جلبا مصلحة ضيقة لبعض فئات المجتمع في إقليمي تطوانوالناظور، لكنهما تسببا للبلاد في خسارات اقتصادية فادحة وفادحة جدا على مرور العقود الخالية حتى قدر بعض الباحثين ما يتم تهريبه عبرهما بأكثر من 7٪ من حجم الاقتصاد الوطني (حوالي 9000 مليار سنتيم)، ناهيكم عن النزيف الحاد الذي يحدثه لاحتياطي البلاد من العملة الصعبة (وهو بالمناسبة، أي هذا الاحتياطي يعد أكبر معيار لتقويم العملة الوطنية ولجلب الاستثمار الخارجي). ✓ ومما لا شك فيه أن إغراق المغرب بملايير الدولارات سنويا من المنتجات الغذائية والإلكترونية والنسيج وغيره يعد عاملا حاسما في قتل ووأد الصناعات المحلية والحكم عليها بالإعدام مهما قاومت وصبرت وخصوصا ان المنتوج المهرب يدخل معفى من الضرائب المفروضة على المنتوج المحلي فيحدث اختلال واضح في المنافسة. ✓ ثم إن إضعاف المغرب اقتصاديا من خلال هذين المنفذين معناه تقوية المستعمر الإسباني اقتصاديا كذلك، وهذا لا يخدم سياسة البلاد الرامية بقوة لاستعادة واسترداد المدينتين السليبتين، بل يشجع على بقاء احتلالهما. ✓ ومما يعلمه ويدركه أهل الشأن أن من بين السبل القوية والمؤثرة لاستعادة المدينتين هو خنقهما ماليا واقتصاديا وسياسيا، وهذا نفسه ما تفعله إسبانيا إزاء ثغر جبل طارق، ونفسه ما فعلته الصين إزاء ماكاو وهونغ كونغ. ✓ أما في الجهة المقابلة فمدينة سبتة وكذا مليلية يعمل بها آلاف المغاربة في شتى المهن (بناء، صباغة، نجارة، تجارة، إصلاح كهرباء، تنظيف..)، وجميعهم يعملون بأجور محترمة لا تنزل عن 30 أو 40 أورو يوميا، وهؤلاء مجتمعين يجلبون للبلاد أموالا كثيرة وإن كانت ضئيلة نسبيا مقارنة بما يتم تهريبه عبر المنفذين. ✓ وزيادة على ذلك فسكان المدينتين السليبتين كانوا في الغالب يخرجون للفنيدق والناظور من أجل التسوق (الخضر والفواكه واللحوم والأسماك وبعض المنتوجات الغذائية وحتى المحروقات، وكثير منهم كانوا يصلحون سياراتهم هناك للفارق الكبير في الكلفة)، وهذا في حد ذاته عامل إيجابي للبلاد من حيث جلب العملة الصعبة وخلق الرواج الاقتصادي المطلوب. ✓ ومن جهة اخرى فمسلمو سبتة ومليلية (ثقلهم السكاني يقارب 50٪ من مجموع الساكنة هناك) تربطهم وشائج وعلاقات قوية بمحيط المدينتين من الجهة المقابلة حيث ان هناك روابط ومصاهرات كثيرة وكثيرة جدا تقضي بواجب إبقاء الصلات مفتوحة بدل غلقها بالمرة. ✓ إذن وعلى ضوء هذه المعطيات الدقيقة فالذي أراه مناسبا وموافقا للمصالح العليا للبلاد هو فتح المعبرين للمرور فقط دون إمكانية تهريب أي منتج ولو كانت قيمته 50 درهما أو أقل، فمن كان يذهب للعمل أو لزيارة أهاليه هناك فليدخل للمدينتين لا حرج، وسكان سبتة ممن يريدون التسوق أو السياحة أو صلة الرحم أهلا وسهلا ومرحبا بهم ولهم أن يشتروا منا ما يشاؤون، ولا حرج في إدخال مشترياتهم لسبتة أو مليلية، لكن التهريب في اتجاه المغرب يجب أن يمنع منعا باتا مطلقا لا تهاون فيه البتة. التهريب هو أساس البلوى التي عانى منها المغرب لعقود طويلة.