قد يكون من الغريب طرح سؤال الأخلاق في بلاد إسلامية مثل المغرب، الذي إلى عهد قريب، كان "ملتزما" اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وثقافيا بالإسلام شريعة (المذهب المالكي) وعقيدة وسلوكا، فالمفترض في بلاد مثل المغرب أن تكون منظومة الأخلاق جزءًا محوريا في كل مناحي تدبير الشأن العام. لكننا وأمام كل هذه المتغيرات الخطيرة التي حدثت خلال هذه 8 عقود الأخيرة، والتي يعكسها ارتفاع المعدلات والأرقام من قبيل: عدد حالات الانتحار عدد المواليد خارج إطار نظام الأسرة، عدد الأمهات من زنا، عدد حالات الإجهاض، عدد حالات الاغتصاب معدلات الطلاق، عدد قضايا القتل في حق الأصول، العنف ضد الآباء، العنف الأسري المفضي للقتل أو الجرح، عدد القضايا المتعلقة بالسرقات والسطو المسلح، وغيرها من المعدلات والأرقام التي تعطي صورة واضحة عن السياسة الأخلاقية العمومية، كل هذه المتغيرات تجعل السؤال عن وجود سياسة أخلاقية في المملكة المغربية سؤالا وجيها وذا أهمية بمكان. وقد يتبادر إلى الذهن أن المساجد ودروس الوعظ تقوم بالواجب، إلا أن السؤال ليس في هذا الاتجاه، وإنما يرمي طرحُه إلى فتح نقاش حول هذا الواقع الكارثي الذي صرنا نعيشه في بلاد المغرب الإسلامي، كما أن ارتفاع معدلات القضايا المذكورة آنفا يجعلنا نجزم أن الدولة المغربية لا تمتلك استراتيجية أخلاقية عمومية. وبديهي أن مجموعة من الذين استحكمت في تكوينهم المفاهيم المادية، التي تعتبر الدين والأخلاق والمثل العليا أشياء فردية لا علاقة لها بتدبير الشأن العام، لن يروقهم هذا الكلام عن الأخلاق في السياسات العمومية، فهؤلاء اكتنفتهم الشهوة والشبهة من كل مكان، وصاروا يفكرون تماما مثلهم مثل الفرنسي العلماني والملحد، الذي يؤمن بالتفريق المطلق بين الدين والحياة، ويجعل المنظم الأساس بين أفراد الشعب هو القانون مجردا عن أي مرجعية دينية أو أخلاقية، وبهذا فقط في نظره يكون هذا القانون حداثيا عقلانيا يستجيب لقيم عصور ما بعد الثورة على الكنيسة. لكننا في المغرب رغم أننا لم نثر على المسجد، إلا أننا نعيش في علمنة شبه كاملة، نستدل عليها بالأرقام والمعدلات في القضايا المذكورة أعلاه، ونقرأ خلفياتها الفكرية في مقالات وعناوين تنتجها النخبة حول المغرب، وذلك في مثل ما نشرته الإيكونوميست ونقلته عنها مترجما قناة الحرة الأمريكية والتي توجه للدول الإسلامية قصد التمكين للتغريب واللادينية في دوله؛ ودعما للأفكار العلمانية وأصحابها فكريا وإعلاميا، ويمكن أن نقرأ هذا التوجه -كما قلنا- في مادتها الإعلامية التي تناولت فيه قضية السياحة في المغرب، والتي عنونتها بالتالي: (صحيفة: حظر المغرب للمساكنة والعلاقات الرضائية يخنق السياحة)؛ وجاء في مستهله الفقرة التالية: (أدى تفشي فيروس كورونا إلى انخفاض عدد السياح الأجانب في المغرب بنسبة 80 بالمئة، لكن ما زاد الأمر سوء بالنسبة للفنادق هو الحظر المغربي على المساكنة، أي السماح لغير المتزوجين بالمعيشة في بيت واحد، وتجريم الجنس خارج الزواج، بحسب مجلة "الإيكونوميست"). الحرة / ترجمات – دبي؛ 12نوفمبر 2021. فهذا التفكير المادي الذي يحكم الإعلام في المغرب هو نفسه الذي يحكم السياسات العامة، وكذا الأغلبية العظمى من المنظمات والجمعيات الحقوقية والاجتماعية التي تؤطر المجتمع المغربي، وتدفع بالسياسة العامة نحو المزيد من العلمنة بل اللادينية في تدبير الشأن العام، وذلك من خلال مطالبها وملفاتها وممارستها للضغط على الحكومة والبرلمان والشعب المغربي مستقوية بالسفارات الأجنبية والبعثات الثقافية والمنظمات الدولية المكلفة بتنزيل التصور العلماني اللاديني للفكر الغربي من خلال عولمته ليشمل كل مناحي الحياة في كل جنبات الكرة الأرضية. ولعل من أهم الإكراهات التي تحول دون وضع استراتيجية أخلاقية حكومية مندمجة تكون هي الأساس الذي يحكم القوانين التي يشرعها البرلمان، وتُلاءَم وفق مقتضياتها القوانينُ التي ورثناها عن الاحتلال العلماني الفرنسي وكذلك المشاريع الاقتصادية التي تركها لنا، واحتفظ بها الساسة المغاربة بل طوروها رغم مخالفتها للمعلوم من الدين بالضرورة، ورغم أن لها الدور الأكبر في تدمير الأسرة محضن الأخلاق، مثل شركات إنتاج الخمور والتي كانت يديرها سابقا وزيرنا في التعليم شكيب بنموسى، قبل أن يتولى وزارة الداخلية. فرغم أن ما ينتج من الخمور كله يسكب في بطون المغاربة في مخالفة صريحة للمذهب المالكي والدين الإسلامي والقانون الجنائي الذي يمنع بيع الخمور للمغاربة المسلمين، ورغم أن الدراسات والإحصائيات تفيد بذلك، إلا أن الدولة لا تفكر من قريب ولا من بعيد في حل هذه المعضلة، ليأتي العلمانيون المغاربة بعد أن يصير المغاربة أمام الأمر الواقع فيضغطون من منطلق الحرية والليبرالية لشطب القوانين التي تعاقب على بيع الخمور للمغاربة المسلمين وتلك التي تعاقب مستهلكيها خروجا من النفاق الاجتماعي والتناقض بين القوانين والممارسة. الحالة نفسها يعيشها ملف الزنا فرغم أنه محرم شرعا ومذهبا، وممنوع قانونا ومعاقب عليه جنائيا، إلا أن تصريف الشهوة بين المغاربة خارج إطار الزواج من خلال العلاقات المحرمة والمجرمة والتي يسميها العلمانيون العلاقات الرضائية صار منتشرا مستحكما في المجتمع المغربي بسبب التساهل الكبير من طرف منفذي السياسات الأمنية والقضائية بالمغرب، فالتساهل في ملفَّي الخمر والزنا، هو السبب الرئيس وراء انتشار الجريمة خصوصا الاغتصاب والقتل والإجهاض السري والحمل من سفاح، الأمر الذي يرفع معدلات أبناء المغاربة المولودين فوق فراش العهر والفساد، الذين يسميهم العلمانيون الأطفال الطبيعيين، أي نسبة إلى الطبيعة وفق معتقدهم الذي ينفي عقيدة الخلق وتحكمه لوازم نظرية التطور ، الأمر الذي يزيد كذلك من استفحال ملف الأمهات من زنا واللائي يسميهن العلمانيون بالأمهات العازبات، الأمر نفسه يقال في ملف الدعارة والمتاجرة بلحم المرأة المغربية في المواخير والفلل المفروشة والعلب الليلية كما يتاجَر بها في المحافل الدولية لاستدرار المنح والمعونات. وبهذا نخلص إلى أن السبب الرئيس الذي يحول دون وضع استراتيجية أخلاقية عمومية تمثل قاعدة لسن القوانين في المغرب هو استحكام التوجه العلماني وسيطرته على إدارة الشأن العام وتدبيره. إذًا والحالة كما وصفنا، ستبقى المساجد تابعة للبرلمان، والبرلمان والحكومة تابعين لما تفرضه المواثيق الدولية، التي مررها العلمانيون في دستور 2011، فسطروا فيه مبدأ سمو المواثيق الدولية على القوانين الوطنية وعلى كل المرجعيات المؤطرة لتدبير الشأن العام. ولقد اخترنا من الحكومة وزير الأوقاف في العنوان لأنه المعني الأول والمسؤول على حماية الملة والدين، فهو المسؤول عن رفع التقارير واقتراح المشاريع والخطط التي تكفل حماية الملة والدين إلى مؤسسة إمارة المؤمنين. وبدل أن نراه يقوم بواجباته نجده لا يتوانى في عزل وتوبيخ كل من يتجرأ على إنكار المنكر من الوعاظ والخطباء. إن على وزير الأوقاف أن يطلق نقاشا عموميا ويفعل ما تحته من مؤسسات وميزانيات لحماية الأسرة المغربية ودينها وأبنائها، هذه الأسرة التي تفتك بها قطاعات اللذة التي جعلت شركاتُها من الموبقات المنصوص على اجتنابها في المذهب المالكي مصادر لصناعة الثروات، ومد صناديق الدولة والجماعات المحلية بالرسومات والضرائب. فهل هذا الوضع الكارثي لا يستحق حالة طوارئ تفوق ما تعاملت به الدولة مع وباء كرونا/كوفيد 19؟؟ وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.