إن أهم ما كشفت عنه أزمة "تسقيف سن التوظيف"، هو مسمى "النظام الأساسي لأطر الأكاديميات"، الذي يواجَه به "أساتذة التعاقد" لما يرفعون شعار الإدماج، إذا كانت تعقّب عليهم الوزارة بالقول: "أنتم فعلا موظفون لدى الأكاديميات، ولديكم نظام أساسي"، والحال أن هذا النظام الأساسي هو مجرد اسم على غير مسمى، وهو أقرب إلى النظام الداخلي للأكاديميات منه إلى القانون، وهو فعلا ليس بقانوني ولا بمرسوم ولا بأي شيء، وإنما هو مجرد "شيء ما تم توقيعه بين الأكاديميات (وزير التربية الوطنية بصفته رئيس المجلس الإداري للأكاديمية ومديرية الميزانية (وزير المالية بصفته الوزير المسؤول عن المديرية)" أو هو بتعبير الناطق الرسمي للحكومة عبارة "…عن …موقّع بين الأكاديميات ومديرية الميزانية". نعم، لقد قال الناطق الرسمي الحقيقة المرة، حيث لا وجود لقانون ينظم أطر "أساتذة التعاقد" وإنما يوجد فقط شيء موقع بين المسؤول عن الميزانية بوزارة المالية وبين رئيس المجلس الإداري للأكاديمية، وكأن الأمر يتعلق بتوقيع صفقة لشراء الطباشير والسبورات! وإمعانا في التأكيد على الطابع الشكلي لهذا النظام، فإنه رغم تشابه مضامينه وتطابقها، فإن وزارة المالية وقّعته مع كل أكاديمية على حدة، في شخص رئيس مجلس إدراتها وليس مع وزيرة التربية الوطنية. ولم ينص على ضرورة نشره بالجريدة الرسمية. وإذا كانت هذه هي الحقيقة، فمن أين جاء القول بأن تسقيف السن غير قانوني؟ إن المرجع هنا هو الدستور الذي يساوي بين الناس في التوظيف بناء على الاستحقاق. وهو قانون الوظيفة العمومية الذي يسقّف السن في 45 سنة، مع إمكانية الترخيص لمن يتجاوزون هذا السن. أما القول، بأن التعاقد لا علاقة له بقانون الوظيفة العمومية، وإنما يسري عليه قانون آخر، فإنه ينبغي إخبار الناس بهذا القانون. إلا إذا كان الأمر يتعلق بالقانوني الداخلي ل "شركة التعليم"! يكاد المثل المغربي "جا يداويه عمْاه"، ينطبق على ما نحن بصدد الحديث عنه؛ فبينما حاولت الحكومة تدارك وضع المتعاقدين بأن صرحت قبل أيام بأن نهاية الشهر ستأتي بأخبار جديدة في صالحهم، تَبين أن الخبر المنتظر هو أن الحكومة أكدت لهم بالملموس أن "النظام الأساسي" مجرد وهم يمكن تعديله ببلاغ وزاري أو حتى بإعلان توظيف، وأعادتهم إلى المربع الأول، الذي هو مربع المعدات والتسيير. وبينما حاولت الحكومة التأكيد على قانونية تسقيف السن، بأن نفت الصفة القانونية للنظام الأساسي لأطر الأكاديمية، فإنها أعطت الدليل الملموس للمتعاقدين، بأن هذا النظام الأساسي هو مجرد وهم، يمكن تعديله ببلاغ أو إعلان وظيفة كما حدث بخصوص تسقيف السن . ملحوظة لها علاقة بما سبق: من الأفضل لرئيس الحكومة (الوزير الأول في الحقيقة)، وباقي الوزراء، أن يبحثوا عن صيغة أخرى للرد على أصوات المنتقدين، غير الصيغة " البائتة"، المتضمنة للتعبير الركيك: "علينا اتخاذ إجراءات مؤلمة من أجل مصلحة الناس، حتى وإذا بدت لهم أنها غير جيدة، وينبغي علينا اتخاذ إجراءات حتى ولو لم تجلب لنا الشعبية، لأننا جئنا للتدبير وليس لتلقي التصفيقات…". إن هذه الصيغة فضلا على أنها "قدييييمة جدا"، فإنها تنم عن عقلية "أبوية"، بموجبها يتشبّه المسؤول الحكومي بأب الأسرة. والحال أن الفرق كبير بين وظيفة الأب ووظيفة المسؤول الحكومي. كما أن هذا التعبير ينم عن عقلية "فرعونية"، "إني أريكم إلا ما أرى"، بحيث تهجر الحكمة نحو عقول أهل الحكم، وتفرّ من عقول منتقيديهم الذي هم في وضعية المحجور عليهم، والذين لا يستطيعون أن يروا ما يراه أعضاء الحكومة. إذا لديكم حجج قانونونية أو سياسية أو اقتصادية، فلتدفعوا بها، وإلا فإنه لا داعي لممارسة الأستاذية على المعترضين.