يحاول حزب العدالة والتنمية التنصل من مسؤوليته في احتجاجات الأساتذة المتعاقدين، وتسييس النقاش حول الموضوع في محاولة للهروب إلى الأمام عوض تحمل الحكومة مسؤوليتها السياسية وحل مشكل هذه الفئة من الأساتذة التي وجدت نفسها في وضعية وظيفية و قانونية هشة . فكيف بدأت قصة الأساتذة المتعاقدين ؟ بداية القصة تعود إلى سنة 2016 ، عندما عمدت حكومة عبد الاله بنكيران إلى إصدار مرسوم رقم 2.15.770 صادر في 5 ذي القعدة 1437 الصادر في غشت 2016، بتحديد شروط وكيفيات التشغيل بموجب عقود بالإدارات العمومية، ووفق المادة الثانية منه أصبح بإمكان الإدارات العمومية ، كلما اقتضت ضرورة المصلحة ذلك، أن تشغل بموجب عقود نوعين من المتعاقدين: النوع الأول، وهم الخبراء، وذلك لإنجاز مشاريع أو دراسات أو تقديم استشارات أو خبرات أو القيام بمهام محددة، يتعذر القيام بها من قبل الإدارة بإمكاناتها الذاتية؛ النوع الثاني ، وهم الأعوان وذلك للقيام بوظائف ذات طابع مؤقت أو عرضي. وتضيف المادة الثالثة من هذا المرسوم أن التشغيل بموجب عقود، يتم في حدود المناصب المالية الشاغرة، المحدثة بموجب قانون المالية. كما أنه لا يمكن، في جميع الأحوال، أن يؤدي هذا التشغيل إلى ترسيم المتعاقد معه في أطر الإدارة. ويبدو واضحا أن الأساتذة الذين تم توظيفهم بموجب عقود يندرجون ضمن النوع الثاني من المتعاقدين، بما أن مهامهم ليست إنجاز المشاريع أو القيام بالدراسات والخبرات. فهل التعاقد مع الأساتذة سنة 2016، كان هدفه القيام بوظائف ذات طابع مؤقت أو عرضي؟ وهل الوظيفة التعليمية والتربوية هي وظيفة عرضية ومؤقتة؟ هذا بالإضافة إلى أن المادة الثالثة واضحة، إذ لا يمكن للمتعاقد أن يتم ترسيمه ضمن أطر الإدارة. لقد لجأت الحكومة إلى استعمال مقتضيات هذا المرسوم استعمالا سيئا و تعسفيا، عندما فسرته تفسيرا واسعا، لمعالجة ظرفية لمشكل الخصاص في الأطر التربوية في قطاع التعليم، سرعان ما سينفجر هذا الملف في وجهها بعد اندلاع الحركات الاحتجاجية للأساتذة المتعاقدين. حزب العدالة والتنمية يحاول أن يتهرب من مسؤوليته في هذا الباب بالإدعاء أن حكومة عباس الفاسي هي من أقرت التعاقد في الوظيفة العمومية من خلال تعديلها للقانون الأساسي للوظيفة العمومية، في محاولة لخلط الأوراق وإيهام المواطنين أن ملف تعاقد الأساتذة هو من مسؤولية حكومة عباس الفاسي ، وهذا فيه كثير من التجني وتزييف الحقائق. فما هو التعديل الذي جاءت به حكومة عباس الفاسي؟ بالرجوع إلى الفصل 6 مكرر من النظام الأساسي للوظيفة العمومية نجده ينص على منح الإدارة وعند الاقتضاء إمكانية تشغيل أعوان بموجب عقود وفق الشروط والكيفيات المحددة بموجب مرسوم. حيث أعطى هذا الفصل للإدارة هذا الإمكانية في حدود ضيقة، وكاستثناء من القاعدة العامة في التوظيف بمقتضى النظام الأساسي للوظيفة العمومية، لتلبية بعض احتياجات الإدارة من الأعوان، خصوصا بعد حذف السلاليم الدنيا من 1 إلى 4 في إطار اتفاق الحوار الاجتماعي 26 أبريل 2011. وللإنصاف فإن مرسوم 2016 جاء وفيا لروح الفصل 6 مكرر من النظام الأساسي للوظيفة العمومية. لكن المشكل الحقيقي يكمن في التعسف والخرق الكبير الذي مارسته الحكومة في إعمالها للمقتضيات القانونية المتعلق بالمرسوم السالف الذكر. لقد كان خرقا واضحا أن يتم التعاقد مع الأساتذة باللجوء إلى مرسوم 2016 عوض النظام الأساسي للوظيفة العمومية، فكيف يتم توظيف 100حوالي ألف أستاذ وإطار تربوي بالاستناد على إطار قانوني يكرس الاستثناء من قاعدة التوظيف العمومي؟ وبناء على مقرر مشترك رقم 7259 بتاريخ 7 أكتوبر 2016 بين وزير التربية الوطنية ووزير الاقتصاد والمالية، يتم بموجبه التعاقد مع الأساتذة لمدة محددة في سنتين يخضع بعد السنة الأولى المتعاقد لتقييم المردودية المهنية، ويتم تجديد العقد تلقائيا.في الوقت الذي ينص فيه القانون على التعاقد لمدة محددة في الزمن، كما ينص صراحة على عدم أحقية المتعاقد في الترسيم. أمام هذا المأزق القانوني الذي أنتج وضعية وظيفية وقانونية هشة، وعدم الاستقرارالوظيفي ، نظم الأساتذة المتعاقدين حركات احتجاجية مكثفة ، ووجدت الحكومة نفسها في مأزق حقيقي، و كان لا بد لها من إيجاد مخرج للأزمة. حكومة الدكتور سعد الدين العثماني لجأت إلى إخراج الأنظمة الأساسية لأطر الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين ولم تقم بذلك إلا في سنة 2019، وبالتالي فإن التعاقد بناء على المقرر المشترك رقم 7259 لوزير التربية الوطنية ووزير المالية ظل ساري المفعول على عكس ادعاء السيد خالد الصمدي كاتب الدولة السابق في التعليم بكون التعاقد أسقطته الحكومة في سنة 2017، وهذا فيه تغليط للرأي العام. بالرجوع إلى النظام الأساسي لأطر الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، فمن حيث الشكل، فهو وثيقة إدارية صادرة عن المجلس الإداري للأكاديميات، تنظم الحقوق والواجبات بين الأكاديمية ومواردها البشرية بما فيهم الأساتذة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبارها نصا قانونيا على اعتبار أن مسطرة المصادقة على النصوص القانونية من الناحية الدستورية معروفة، فلا هي قانون، ولا هي مرسوم. هذا في الوقت الذي نجد أن الوضعيات الإدارية لباقي الموظفين منظمة بالقوانين والمراسيم. من حيث الشكل كذلك فهذا النظام الأساسي موقع من طرف وزير التربية الوطنية بصفته رئيس المجلس الإداري للأكاديمة، ووزير الاقتصاد والمالية على غرار توقيعهما على المقرر المشترك رقم 7259 السالف الذكر. ومن حيث الأساس القانوني الذي استندت عليها الأنظمة الأساسية لأطر الأكاديميات ، نجدها تتمحور حول القوانين والمراسيم المنظمة للمؤسسات العمومية، باعتبار الأكاديمية مؤسسة عمومية، وبالتالي فهذه القوانين تنظم العلاقة بين المؤسسات العمومية ومستخدميها، وبالتالي فلم تتم الإشارة نهائيا للنظام الأساسي العام للوظيفة العمومية لسنة 1958، كسند وكمرجع قانوني لهذه الأنظمة، بل تم الاكتفاء فقط ببعض الشكليات التي تم حاولت هذه الأنظمة محاكاتها واستدعائها بهدف إقرار ملاءمة قيسرية لنظام الوظيفة العمومية في وثيقة إدارية هجينة. ومن الناحية الواقعية فإلى حدود اليوم لم يتم الإدماج النهائي للمتعاقدين بموجب المقرر المشترك في 7 أكتوبر 2016 ضمن أطر الأكاديميات كما نصت عليه المادة 108 من النظام الأساسي لأطر الأكاديميات على عكس ادعاء السيد خالد الصمدي لهذا فمن الناحية الواقعية لا زال التعاقد ساريا، بالرغم من محاولة الحكومة احتواء الوضع بإخراج الأنظمة الأساسية للأكاديميات، التي تشكل امتدادا لآلية التعاقد بالرغم من محاولات إلباسها لباسا جديدا وهجينا. وهكذا أصبحنا أمام نظامين يحكمان رجال ونساء التعليم، نظام للوظيفة العمومية و نظام للمؤسسات العمومية، وبينهما تمييز واضح في الحقوق خاصة على مستوى الاستفادة من نظام التقاعد حيث يسري على الأول نظام الصندوق المغربي للتقاعد فيما يسري على الثاني نظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، بالإضافة إلى الحرمان من حق المشاركة في الحركة الانتقالية على المستوى الوطني بالنسبة للمتعاقدين. الطامة الكبرى أن الآلاف من رجال ونساء التعليم يحالون سنويا على التقاعد، ولا يتم تعويضهم في إطار وضعياتهم النظامية، بل في إطار النظام الأساسي للأكاديمية، مما يعني أنه في سنة 2028 سيصبح وضعية أكثر من ثلثي أطر الوزارة خاضعةلأنظمة الاكاديمية. يتضح مما سبق أن الفصل الذي أعطى الاستثناء جعلت منه الحكومة قاعدة للتوظيف في مجال حيوي وهو التعليم، بل أكثر من ذلك أصبح التعاقد سياسة واضحة لهذه الحكومة، طبقتها في مجال التربية والتكوين، وتستعد لتعميمها على قطاع حيوي آخر وهو الصحة، وهذا ما سيزيد من حدة الاحتقان الاجتماعي بسبب التمييز واللامساواة في التمتع بالحقوق والقيام بالواجبات بين مختلف موظفي الإدارات العمومية ففي الوقت الذي كنا نأمل أن يتم توحيد وتجميع العديد من الأنظمة الأسياسية للموظفين والذي يفوق عددها 75 نظاما ، لوضع حد لحالة الفوضى واللامساواة والتمييز بين موظفي الدولة، زادت الحكومة في تأزيم الوضع بتفريخ 12 نظاما جديدا، في غياب أي تصور للجهوية المتقدمة، ولسياسة اللاتركيز الإداري.