هوية بريس – د.البشير عصام المراكشي من أهم أسباب احتداد الصراعات العقدية الداخلية، في هذه الأيام التي لم يُعرف لها نظير في خطورة التحديات الخارجية: – مشاركة العامة في مناقشة الدقائق العقدية، بسبب مرض التعالم، وهوس الثرثرة في مواقع التواصل الاجتماعي! والحال أن أكثر هؤلاء لا قدرة لهم على تمييز الحق من الباطل بالدليل العلمي المعتبر، وإنما هو الميل مع كل ربح، واتباع كل ناعق، والتخندق بالهوى، والتعصب بالرأي الفطير، والحكم بالتصنيف المبتسر. – وتبني المواقف الحدّية من هذه الخلافات انطلاقا من أفكار تسطيحية جاهزة، تلقَى على العامة في مجالس الوعظ والدعوة العامة، وقد تقع من بعض المنسوبين للعلم، للتشنيع بطريق الإلزام أو التعميم (الإلزام بما لا يلتزمه القائل، وتعميم أخطاء بعض الأفراد على الطائفة كلها). ومن أمثلة هذه الأفكار: . الصوفية يقولون برفع التكاليف الشرعية؛ . الأشعرية يقولون إن الله في كل مكان؛ . ابن تيمية مجسم مشبه؛ . الصوفية يقررون الخنوع للمحتل والظالم، وترك جهاد المعتدي؛ . السلفية صناعة استعمارية مخابراتية؛ . الأشعرية يقدمون العقل على النقل مطلقا؛ . السلفية غلاة متشددون في الأحكام الفقهية؛ إلى آخر هذه الاتهامات التي لا تثبت عند التمحيص. – هل هذا يعني أن جميع هذه الطوائف العقدية على حق؟ كلا! بل مناهجهم متفاوتة في إصابة الحق، مع كونهم – في الغالب – متساوين في إرادته. – هل هذا يعني أن نكون محايدين مطلقا في مثل هذه الصراعات؟ ✔أما العامي (وأغلب أهل مواقع التواصل "عوام" في صورة "علماء مجتهدين"): فحقه ألا يدخل في هذه الصراعات أصلا، بل يعتقد الأصول العامة التي جاءت صريحة في الوحي، دون تدقيق لا تطيقه مؤهلاته العلمية والعقلية. وهذه الأصول الكبرى تكاد تكون محل اتفاق بين الطوائف العقدية كلها. ✔وأما العالم وطالب العلم الجاد: فعليه أن يحرر هذه المسائل بميزان العلم والعدل، فالحق في أكثرها واحد لا يتعدد. ولا إشكال في أن يسمي البدعة بدعة، والسنة سنة، ما دام منطلقا من هذا الميزان الصحيح. لكن عليه أن يرقب الله في قوله، فلا يكون متفكها بهذه الألقاب، فرحا بإطلاقها وعرضها على العوام. بل عليه أن يكون مشفقا على المتلبس بها ناظرا إليه بنظر القدر بعد الحكم عليه بنظر الشرع. ويرى أنه إنما يصدر هذه الأحكام تسننا وحماية لجناب الدين، مع لزوم: ☀️ التفريق بين القول والقائل، فليس كل واقع في البدعة مبتدعا، ولا كل متلبس بالكفر كافرا؛ ☀️ وحفظ المقامات والأقدار، والتريث في تخطئة من اجتمعت كلمة المسلمين على تعظيمه والاحتفاء بكبير غَنائه في العلم والدعوة – فضلا عن تبديعه أو تكفيره! ☀️وإعمال الموازنة بين السيئات والحسنات، بالتسامح مع قليل الأولى لأجل كثير الثانية، فإن الماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث؛ ☀️واستحضار خطر العدو المشترك المحارب، المعادي للدين من حيث هو – بقطع النظر عن هذه الخلافات، وادخار أعظم الجهد لمدافعته، ورد كيده عن الأمة؛ ☀️وتدبير الخلاف مع القريب بما يتيح دفع شر البعيد.. ونحو ذلك من القواعد التي تلطف الخلاف، وتحصره في دائرته الضيقة، وتمنعه من التمدد خارجها حتى ينسف معالم التدين، ويهدم وحدة الأمة، ويشغل المسلمين عن المخاطر الماحقة التي تحيط بهم. والله الهادي إلى سواء السبيل.