(خريطة الحركات الجهادية وأهم جيوبها السرية) إعداد: مراد أمقران هوية بريس – الجمعة 18 دجنبر 2015 تباينت ردود الأفعال على مراجعات الجماعة الإسلامية ما بين مرحب ومتحفظ ومشكك؛ وكان تفاعل الإخوان المسلمين مع المبادرة يومها ايجابيا، فالجماعة سبق لها وخاضت تجربة مشابهة داخل السجون في نهاية الستينات وانتهت بإصدار المرشد العام للجماعة حسن الهضيبي عام 1967 لكتاب: «دعاة لا قضاة» وفيه تبرأ الإخوان من العنف كأحد سبل التغيير. من جانبها رحبت قيادات من الحركات الإسلامية ممن سبق اتهامهم في قضايا العنف بالمبادرة، واعتبروها تطورا إيجابيا في مسيرة الجماعة من شأنها أن تساهم في تصحيح الأخطاء وتقويم سيرها حتى يتسنى لها الخروج من كبوتها وتحافظ على شبابها من وحشة السجون والمعتقلات. وعلى النقيض من هذا الموقف أعلن قادة تيار الجهاد تحفظهم على فكرة المراجعة بل وشكك بعضهم في مدى توافق المبادرة مع الشريعة الإسلامية، وطالبوا بعرض الكتب على الأزهر لأخذ رأيه، وكانت أشد التحفظات التي أوصلها البعض لدرجة الرفض تلك التي تمسك بها الزعيم التاريخي للجهاد عبود الزمر ويده اليمنى وابن عمه طارق الزمر الذين رفضا الانضمام إلى الموقعين على المراجعات معتبرين إياها مخالفة للأصول الشرعية ومنافية لمبدأ الجهاد؛ وهو الموقف الذي تسبب بنقل عبود الزمر إلى سجن أبو زعبل. ومن بين الرموز الإسلامية التي هاجمت المراجعات عبد الله السماوي توفي سنة 2009، واحد من أهم شيوخ ومنظري تنظيمي الجهاد والجماعة الإسلامية القدامى؛ والذي هاجم هو الآخر قادة الجماعة الذين خرجوا من السجون على خلفية مراجعاتهم لأنهم غيروا اتجاههم إلى النقيض حسب رأيه؛ مضيفا: «فبعدما كانت الحكومة والشرطة تمثل العدو اللدود للإسلام والمسلمين في نظرهم صارت الحكومة أميرا للمؤمنين»، واصفا المراجعات ب«الانتكاسة والهزيمة الداخلية» قبل أن يختم كلامه قائلا: «الأبحاث التي كتبها قادة الجماعة الإسلامية مجرد أحكام لا يوجد لها شرح، وهي باطلة لا يعتد بها وأصحابها قد خرجوا من السجون لأجل أن يعملوا كمخبرين متطوعين للسلطة». في الجانب المقابل أيضا اتسمت ردود الأفعال داخل الصف «السلفي العلمي والحركي» بنوع من المماهاة والتفاؤل، دون غض الطرف عن مآخذ وتحفظات أبدتها بعض الرموز على فقرات معينة في المسودة، وإن كان القبول العام هي السمة البارزة التي عنونوا بها موقفهم، ويتجلى هذا أساسا في تعليق: «الدعوة السلفية بالإسكندرية» على لسان ناطقها الرسمي: عبد المنعم الشحات الذي دعا المراجعين إلى طرح المراجعات بلغة فقهية راسخة وبعبارات لا توحي بأن صاحبها واقع تحت تأثير تجربة بعينها، مع ضرورة إخضاع المراجعات للحكم الرزين الهادئ لا الخطاب المنفعل، وثمن ياسر برهامي المراجعات مبديا موافقته المبدئية عليها حيث قال: «لقد كانت المبادرة ضرورية لوقف نزيف الدم والفتن والمفاسد المترتبة على المواجهة في غير موطنها وفي غير زمانها، فبلادنا كانت تحتاج إلى مثل هذا الموقف وكان لازما وواجبا علينا أن نؤيدها في جملتها وأن نشجع إخواننا سواء من كان منهم في الجماعة الإسلامية أو غيرها من الجماعات على قبول خطوطها العامة وتفعيلها بين الشباب والقيام بمثلها». – خريطة الحركات الجهادية ويمكن تقسيم هذه الخريطة على حقبتين زمنيتين اثنتين: 1- حقبة الحركات الجهادية الأولى. 2- حقبة ما بعد تنظيم الجهاد حتى تأسيس تنظيم القاعدة. سبقت الإشارة إلى تبني تنظيم الجهاد منذ بدايته أسلوب الانقلاب العسكري لتحقيق التغيير المنشود وتبني نهج الاعتماد في اختراق صفوف الجيش على أشخاص تم تربيتهم مسبقا في التنظيم ثم دفعهم وحثهم على الالتحاق بالكليات العسكرية والحربية. هذه الاستراتيجية في كيفية التصرف مع الطاقات والمواهب الإسلامية مكنت المنظر الجهادي الأبرز والرجل القوي وصاحب كتاب الفريضة الغائبة: «محمد عبد السلام فرج» من احتواء قيادات وازنة واستقطاب خامات وإدماج تيارات ثلاث في قالب تنظيمي واحد، وسرعان ما أدت الطريقة التي سلكها عبد السلام فرج إلى خروج الجيوب الجهادية من حيز الكم العددي المحدود إلى حيز الأعداد الكبيرة وذلك على حساب «الكيف» كما أن الرجل كان متعجلا بشدة للقيام بخطوته الكبيرة والتحرك لقلب النظام القائم، ووافقه في هذا التعجل القيادي التاريخي الأخر لجماعات الجهاد نبيل المغربي الذي كان يبسط يديه على مجموعات مدربة تدريبا شبه عسكري ناهيك عن كونه ضابطا في المخابرات الحربية. وقد أدت حرفية مقدم المخابرات العسكرية عبود الزمر لتعزيز نزعة التعجل لدى محمد عبد السلام فرج وهذا ما حدث بالفعل، حيث بادر عبود الزمر إلى وضع خطة للقيام بانقلاب عسكري شامل يشارك فيه مدنيون وعسكريون. هذا فيما يتعلق بمخططات الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد المندمجين فيما بعد بغية تحقيق الأهداف العريضة التي سطرها عبد السلام فرج، لكن لابد من تسليط الضوء أولا على الحركات الجهادية التي سبقت تنظيم الجهاد والجماعة الإسلامية حتى نفهم طبيعة المفاهيم التي أدت لظهور التيار المشكل الذي قلب مصر رأسا على عقب، وقد أشرنا لبعض هذه الحركات في بداية السلسلة، وهذا استعراض سريع لأهم المجموعات الجهادية التي ظهرت في الفترة ما بين 1965 إلى غاية 1980: 1- «الجناح الإسكندراني» بقيادة طلال الأنصاري وصالح سرية. 2- «مجموعة المعادي» بقيادة إسماعيل الطنطاوي والعقيد عصام القمري وكان أيمن الظواهري يومها من بين أعضائها. 3- «مجموعة الوجه البحري» بقيادة المنظر الجهادي وصاحب كتاب الفريضة الغائبة عبد السلام فرج الذي أعدم لاحقا في ما بات يعرف بقضية المنصة مع رفيقه أحمد شوقي الإسلامبولي، وكان من بين أعضاء المجموعة يومئذ القيادي في الجماعة الإسلامية حاليا طارق الزمر وابن عمه الضابط في المخابرات العسكرية عبود الزمر. 4- «تنظيم القاهرة» بقيادة علوي مصطفى وإسماعيل الطنطاوي ونبيل البرعي وكان من بين أعضاء هذا التنظيم يومها كل من أيمن الظواهرى ويحي هاشم ورفاعى سرور وكان من أعضائه أيضا مؤسس الدعوة السلفية الاسكندرانية محمد إسماعيل المقدم ومصطفى يسرى وحسن الهلاوي. 5- «تنظيم يحيى هاشم» الذي كان يشغل منصب وكيل نيابة، وقد انشق الأخير عن التنظيم المركزي حينما بدأت المشاكل والخلافات بين يحى هاشم ورفاعي سرور من جهة، وبين إسماعيل طنطاوى وعلوى مصطفى وبقية التنظيم من جهة أخرى؛ كان رأي يحيى هاشم ومن معه من المؤيدين أن خطة التنظيم المركزي مستحيلة التحقيق وأن الوقت مناسب لكشف حقيقة عبد الناصر ونظامه للناس بعد الهزيمة التي مني بها ضد الصهاينة؛ ووجب بالتالي تأليب العامة عليه والقيام بمشروع تغييري ذي طابع جماهيري، وفي المناقشات ظهرت خلافات حادة أخرى بين الطرفين، أبرزها أن إسماعيل طنطاوي ذي الخلفية السلفية كانوا يشدد على ضرورة وحتمية الالتزام بالسمت الإسلامي الظاهري: «لحية للرجال ونقاب للنساء» بينما يرى يحيى هاشم وفريقه عدم حتمية ذلك في ظروف عدم قيام الحكم الإسلامي في البلاد، كي تتيسر وتتذلل سبل حركة التنظيم السرية. 6- «مجموعة الجيزة» بقيادة حسن الهلاوي ومصطفى يسري. 7- «مجموعة صالح سرية» التي تأسست في منزل السيدة زينب الغزالي، وقد ضمت بالإضافة إلى المؤسس صالح سرية كل من أحمد صالح الأناضولي وطلال الأنصاري وعلي المغربي ومحمد شاكر الشريف.