يُقصد بمفهوم مصطلح الإصلاح، السعي إلى إقرار المعروف وإزالة المنكر من الأوضاع والتصرفات البشرية المنصوص عليها في الشريعة الاسلامية . وهو ما يتضح في الحديث الصحيح: " (( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان ))". واي منكر أشد من التخلف والجمود و الجهل والفساد ؟؟؟ إذ يتضح من سياق الحديث أن التغيير هنا هو تغيير نحو الأحسن، ومقاومة للمنكر والفساد كي يحل محله المعروف والصلاح، والتغيير هنا مرادف للإصلاح. ويقول الله عز وجل { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ (11) الرعد (11) . قال : الامام القرطبي رحمه الله قوله تعالى : { إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم } أخبر الله تعالى في هذه الآية أنه لا يغير ما بقوم حتى يقع منهم تغيير، إما منهم أو من الناظر لهم، أو ممن هو منهم بسبب. و ( الإصلاح في المنظور القرآني ليس ترقيعا أو مهادنة مع الفساد، بل هو مقاومة له حتى وأنت تخالطه وتتعايش معه اجتماعيا وسياسيا؛ فالمخالطة والعيش المشترك داخل المجتمع هما ضرورة إنسانية وعمرانية، لا غنى عنها ما دامت هناك إمكانية لهذا العيش, وحرية في التعبير والدعوة إلى الإصلاح والتنظيم من أجل ذلك) ., ومن هذا المنظور يجب على العاملين في المجال الفكري والدعوي والتربوي أن يكون هو القاعدة والمنطلق بل الركيزة التي يجب أن يقوم عليها مشروع النهضة الاسلامية المعاصرة التي هي استمرار للمشروع الاصلاحي الذي قامت عليه الدعوة الاسلامية وسارت عليه كل حركات الاصلاح الكبرى عبر تاريخ الاسلام . وعلى هذا الاصل قامت حركة الاصلاح والتجديد على يد قادة الاصلاح والتنوير الكبار المتمثلة في الشيخ جمال الدين الافغاني, والشيخ محمد عبده رحمهم الله جميعا, ثم ( على الحدود المشتركة بين القرنين التاسع عشر والعشرين دوّى صوت إصلاحي فترجّع صداه في غير بقعة ومكان من العالمين العربي والإسلامي . إنه صوت المفكر والمصلح الإسلامي البارز الشيخ رشيد رضا ( 1865- 1935م ) الذي كان عليه أن يؤسس لخطاب إسلامي سمته الاعتدال والانفتاح على الأخر دون افرط في الاخذ ولا تفريط في الموروث الثابت. ولئن كان الشيخ رشيد قد دعا إلى ( الاستنارة ) المدنية الغربية , وهي التي تزحف بكل عدتها وعديدها نحو المكان العربي الإسلامي , غير انه اعتبر من جانب آخر أن الإسلام ينبغي أن يكون الأساس المكين والمدماك الحصين للنهضة الحديثة المرجوة ) أي الاستنارة مع التمسك بالأصول والثوابت دون إفراط في قبول كل ما هو غربي , ودون تحجر رافض لما هو جديد ومفيد, ولا يمس الثوابت القطعية الدلالة والثبوت . ( كان الخطاب الاصلاحي عند الشيخ رشيد رضا يحمل مضمون تربوي ديني اكثر منه سياسياَ, وذلك انطلاقا من قناعته بأن ما يحتاجه المسلمون في عصره هو معرفة حقيقة دينهم قبل أي شيء آخر , والعمل بمقتضي ما ينص عليه ). وما احوج الامة اليوم إلى معرفة حقيقة دينها والعودة إليه ومعرفة واقعها ومحاولة الخروج منه, ومعرفة احتياجات مستقبلها والعمل على ايجادها واستحضارها . ( كان إلحاح الشيخ رشيد علي\ى أن يعود المسلمون الي قرآنهم كيما يؤسسوا عليه نهضتهم وتقدمهم , علماً ان استلهام مدنية الغرب وحضارته – وبالشكل الذي لا يتناقض مع الشخصية الحضارية للمسلمين شيء لا يتعارض مع ما نص عليه القرآن الكريم , وما نصت عليه آياته ) و يشدد رشيد رضا على الامة في دعوتها إلى الاصلاح بالعودة إلى الينبوع الاول الذي قامت عليه الحضارة الاسلامية, وهو العقيدة الصافية ومعرفة الدين ؛من خلال الركيزة الاولى وهي القرآن الكريم, فيعيد الكرة بمخاطبة الأمة بالعودة إلى قرآنها الذي بدأت به غزتها لتحقق به نهضتها. ( وإذا كان قد حض المسلمين سواء في رحلاته أو في كتابته على النهل من معين المدنية الغربية المتطورة في ثقافتها ومعارفها , وانماط عيشها وتفكيرها , فلأنه وجد ما يربط بين مدنية الغرب ومدنية الاسلام ), فالمدنية من حيث كونها مدنية تقوم على احترام كرامة الإنسان وتحافظ على حقوقه وتكفل له الحرية, فهي ظاهرة انسانية طبيعية لا خلاف حولها كفكرة عامة, ولكن الخلاف في التعريف والتفاصيل والمضامين التي يجب مراعاتها, باحترام خصوصية كل مجتمع؛ من هوية وعقيدة وأخلاق ومفاهيم وتصورات. ويقرر – الشيخ رشيد رضا – من منطلق أن الإسلام هو دين العقل فليس محظوراً علي المسلمين الأخذ من المدنية الغربية لا لشيء إلا لأنها من انتاج العقل ), وهذا التقرير لا يأتي من فراغ بل جاء من منطلق أن العقل الصحيح لا يتعارض مع النقل الصريح, فكل ما جاء به العقل السليم لا يمكن أن يتعارض مع الشرع الحنيف, لأن العقل هو هبة الله للإنسان الذي هو من نزل القرآن ولذلك لا يختلفان ابدا . كما رفض الشيخ رضا وتصدى للأفكار التي كانت سائدة التي اُلصقت زوراً وبهتاناً بتصوير الإسلام كدين يدعو إلي – الزهد , والتقشف , وكره الدنيا – , وأكد على أن الإسلام هو دين السعي والعمل, والأبداع الذي يٌفضي إلي التمدن , والتحضر, والعمران, واكد علي أن الجهاد في الإسلام في مفهومه العام الشامل يقصد به العمل والسعي والمجاهدة …. و رفض مبداء الزهد السلبي والتقاعس والكسل والرغبة في التخلي عن الدنيا ومشاغلها . ودعا في كل كتاباته إلى الإصلاح الديني والسياسي والاجتماعي والثقافي, جاعلا من مشروع الاصلاح الاداة الفاعلة في إيقاظ الأمة من سباتها, وتنبيهها من غفلتها, وبث الوعي بين ابنائها بضرورة اليقظة ووجوب الانخراط في تهيئة الامة في اخذ مكانتها بين الامم وإعادة ريادتها من منطلق اسلامي ثابت راسخ وانفتاح منضبط ومققن يساهم في الدفع بالأمة إلى النهوض دون أن تتخلى 'ن ثوابتها ولا تنعزل عن محيطها في خطوات ثابته راسخة رسوخ عقيدتها التي شكلت هويتها .