مرت على اندلاع الربيع العربي عشر سنوات كاملة تغير فيها الكثير والكثير، وظهر لنا جليا أن الخاسر الأكبر هي هذه الأمة الإسلامية الضعيفة، عشر سنوات كانت كفيلة حتى بتغيير ملامح الخريطة الجغرافية في العالم الإسلامي وارجاعه إلى ذكريات الحقبة الاستعمارية مطلع القرن العشرين ابان التهافت الغربي على خيرات بلاد المسلمين، وصدق من قال: التاريخ يعيد نفسه. وإن من أشد عيوب المسلمين اليوم عدم الاستفادة من مجريات التاريخ، فالنظر إلى الماضي بعين البصيرة كفيل بفحص الحاضر واستشراف المستقبل، والمؤمن لا يلدغ من الجحر مرتين (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ). تحمس الناس في بداية هذا الربيع غير أن توالي الأيام وتسارع الأحداث أظهر أن الحدث كان بتدبير أياد خفية خططت لمرحلة جديدة عنوانها إحداث فتنة داخل الأمة الإسلامية وتفريق شعوبها وإشعال نار الحرب التي لم تنطفئ بعد، انقسمت دول ومحيت مدن وهتكت أعراض وهجر الناس من بيوتهم وجوعوا وأفلست حكومات ونكل بأهل السنة لا لشيء إلا لأنهم أهل السنة نقاوة الناس وخير الناس للناس. لقد كشف لنا هذا الربيع المشؤوم أن ما كان يعرف ب(الحكومات الإسلامية) هي حكومات فاشلة حصلت فشلها من ضعف أسسها وضعف الوازع الديني في شعوبها، فلما اشتد الخطب ارتدت هذه الحكومات عن مبادئها وبحث الناس عن لقمة العيش في كل مكان ولو في يد عدو الأمس، ولطالما سمعنا العقلاء يقولون ( إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)، إصلاح النفس أول خطوات التغيير. بالأمس القريب في مبتدأ الطلب كان النقاش بين أقراني حول المخرج من التيه أين يكون؟؟ وكنت انا وطائفة منهم نرى المخرج -بفضل الله- في الأصل الأول: الرجوع إلى أسس الشريعة المحمدية في العقائد والأحكام، وكثيرا ما كنا نردد مقولة الإمام مالك رحمه الله (لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها)، لقد بعث رسولنا صلى الله عليه وسلم في أمة متفرقة (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) فبالوحي صاروا سادة الدنيا ولا سبيل لنا غير سبيلهم، ومع مرور السنوات واسهام الطفرة الإعلامية في نشر الخطاب الشرعي تنبه أعداء الأمة إلى هذه الصحوة فاجتهدوا في إحداث فتن مشغلة للمسلمين أولها فتنة الطعن في العلماء والتقليل من شأنهم ضربا للمرجعية الشرعية للمسلمين، وآخرها الربيع العربي المشؤوم، ليفسح المجال أمام المتحمسين بغير العلم الشرعي ليفسدوا في الأرض ولا يصلحون، فازددت قناعة بالأصل الأول. من آثار الربيع العربي المشؤوم على مستوى عقول المسلمين فتح نار الإلحاد الجديد، وتشجيع التيار الإباحي في صفوف الشباب، والتغرير بالمرأة المسلمة تحت غطاء النسوية، كل هذا عبر وسائل كثيرة أبرزها الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي التي اكتسحت كل مناحي حياة الناس، حتى زهد أغلب الشباب في طلب العلم ليتحكم الجهل والهوى. كما عرفت الأسرة المسلمة تفككا خطيرا بارتفاع حالات الطلاق وما نتج عنها من أبناء مضطربين حسيا، فضلا عن أبناء الزنا الذين استوطنوا الشوارع والأماكن العامة فاحترفوا الإدمان والعهر وغيرهما من المساوئ، فبماذا سينفعون هذه الأمة؟ هي نتائج مريرة لهذا الشوك وليس الربيع، لا يعني أننا وصلنا إلى نهاية طريق الهاوية، بل هي إن شاء الله بداية طريق النهضة، لأن أمتنا هذه دينها الإسلام وهو دين الحق من عند الحق سبحانه، ولقد جاء في الذكر الحكيم (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ)، فقط يجب على كل واحد منا البدء بنفسه محققا العبودية لربه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)… ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم…