1- حبذا لو تحدثنا في بداية اللقاء عن مسارك العملي وكيف جاءتك فكرة تأسيس شعبة الدراسات الإسلامية في المغرب؟ وفي أية سنة تم التأسيس؟ بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيد المرسلين. الحديث عن شعبة الدراسات الاسلامية يرجع أساسا إلى الموضوع المتعلق بالمنظومة الإسلامية للعلوم وقد جاء القرآن الكريم لسائر البشر وجاء يلح على العقل والعلم ويؤكد بصفة خاصة على البيان والسمع والبصر للقيام بالبحوث في أي موضوع من المواضيع التي خلقها الله تعالى وأشار اليها القران الكريم. شعرالمسلمون أنهم في حاجة إلى تجديد والى الرجوع إلى القران والسنة. ولذلك إجابة على هذا التوجه الإسلامي العام فكرنا في إحداث شعبة في الجامعات المغربية أطلقنا عليها شعبة الدراسات الإسلامية والقصد منها هو إخراج الإسلام في الوقت الراهن من عزلته ودخوله في المسار العلمي العالمي، ولم يكن من الممكن أن نقوم بهذا العمل لولا إحداث هذه المؤسسة التي أنشأت في بداية الثمانينات وبقيت قائمة الذات إلى حد الآن، وكان القصد منها أساسا اتباع ما أصبح يعرف بالتكامل المعرفي أي أن هناك اتصالا مستمرا بين سائر العلوم. وهذا بالضبط ما كان موجودا في أول جامعة إسلامية في العالم، جامعة القرويين حيث كانت تدرس بجانب العلوم الشرعية والادبية علوم الرياضيات والفلك والطب والهندسة وما إلى ذلك. هذا من الناحية العلمية أما من الناحية الميدانية، في بداية العباسيين وخاصة في وقت المامون انطلق العالم الإسلامي يأخذ من الحضارات الكبرى من الهند والصين والفرس وغيرها وأصبح يعرف في وقت المامون على الخصوص في العالم الاسلامي بمراصد في الفلك وما الى ذلك من التوجهات العلمية. في هذا الاطار حينما تأسست شعبة الدراسات الاسلامية كان القصد ان نتوجه الى الاسلام في حقيقة منهجه العلمي وان نتجه في نفس الوقت فيما يجري في العالم الان في مجال البحوث العلمية بناء على التكامل المعرفي. فجمعنا بين الدراسات الاسلامية وبين العلوم الاخرى وبصفة الخاصة مع العلوم التجربية ومع مجال الطب والهندسة وكذلك في مجال الاقتصاد. فاتصلنا بزملائنا في هذه العلوم وأنشأنا معهم جمعية "ملتقى العلوم والمجتمع" وهي تعبر عن هذه النظرة التجديدية للدراسات الاسلامية، حتى ان وزارة التربية الوطنية الان أخذت فكرة ملتقى العلوم والمجتمع التي بنيت على التكامل المعرفي وجعلتها من أهم برامج الاصلاح الجامعي المرتقب. بالنسبة لنا في الدراسات الاسلامية سرنا على هذا النهج ولكننا توصلنا الى ان هناك كما كان معروفا ومازال الى حد الان وهو الاعجاز العلمي في القران والسنة وتعاونا كثيرا مع منظمات دولية في هذا المجال ومع مختلف الجامعات المغربية في الشمال والجنوب. 2- ما هي الاكراهات التي واجهت الشعبة في بداياتها؟ وهل لازالت قائمة إلى اليوم؟ واجهتنا فعلا اكراهات كثيرة في السبعينات حتى بداية الثمانينات، كان التيار اليساري سواء في اوساط الاساتذة او الطلبة، يبعدنا عن التيار الاسلامي ولذلك وجدنا معارضة قوية داخل كلية الاداب والعلوم الانسانية بجامعة محمد الخامس، معارضة مع الاسف من شعب أخرى وخصوصا من شعب مختصة في العلوم الانسانية والاجتماعية في الكلية. ولكن حينما تبين لزملائنا في العلوم الانسانية والاجتماعية وحتى في العلوم التجريبية وفي مجالات أخرى تبين لنا أن الدراسات الاسلامية في حاجة أكيدة الى ان تساير توجهات العصر بناء على التقدم العلمي والتكنولوجي الحالي ولذلك رجعنا الى شيء ثابت بالنسبة الينا كمسلمين وبالنسبة لباقي البشرية، وهو القران الكريم. فوجدناه يجيبنا على تساؤلات فيما يتعلق بالتكامل المعرفي والاعجاز العلمي وحينما بدأنا نبحث فيما تتقدم فيه البحوث العلمية في اللامنتهي في الكبر أي ما يتعلق بالسماوات والأراضي والبحار اي موضوع الفلك، كذلك اللامنتهي في الصغر فيما يتعلق بالذرة ونواة الذرة. وجدنا في القران الكريم الذي هو ليس علم رياضيات او فلك او هندسة انما هو توجهات الهية لمن خلق كل ما يعرف بالنسبة للكون أو الانسان. بعبارة أخرى، جمعنا بين التوجه العلمي الكوني والتوجه العلمي الروحي الذي نجده في القران الكريم، وتوصلنا في النهاية بعدا اكثر من أربعين سنة في الدراسات الاسلامية الى أن القران يمكن أن يبقى كما كان هو المنطلق والمرجع الأسمى لمن خلق كل شيء أي لله تعالى ويمكن ان تنشأ هيئة ككرسي في الكلية يكون منطلقا للبحوث العلمية في مختلف المجالات ومعلوم أننا نجد في التوجيهات القرانية عن الانسان وعن مصير الانسان وعن سبب وجود هذا الانسان الشيء الذي تبحث فيه العلوم الحديثة. وفي درس افتتاحي يتعلق بمفهوم ملتقى العلوم والمجتمع أشرت الى مسار البحوث العلمية سواء باللامنتهي في الكبر أو في الصغر وقارنت بين ما أشار اليه بعض الاشارات في القران الكريم ووجدنا ان هناك ضرورة لمواصلة تفسير القران الكريم في مجال التقدم العلمي والتكنولوجي الحالي. 3- متى تأسست شعبة الدراسات الاسلامية، وهل كانت هناك دوافع محفزة لإنشائها؟ ابتدأت في سنة 1980-1981، وحاولنا أن نجعل هذا المسار الجديد بمفهوم الاسلام الشامل، كان القصد أن نجعله في جامعة القرويين، ولكن تبين انه كانت هناك صعوبات في ذلك لأسباب متعددة ليس المجال للحديث عنها. فتوجهت الأنظار الى انشاء شعبة جديدة للدراسات الاسلامية في جامعة حديثة بعد الاستقلال الاول للجامعة وهي جامعة محمد الخامس. 4- هل ترى أن خريجي الشعبة الى حدود الساعة قدموا المنتظر منهم علميا وفكريا وهوياتيا؟ العجيب هو أننا وجدنا إقبالا كبيرا وتفهما عميقا من لدن إخواننا في كليات العلوم وكليات الطب وفي شعبة الاقتصاد في كلية الحقوق أكثر مما وجدناه في زملائنا في الدراسات الاسلامية وهذه الصعوبات التي قاسينا منها شدائد لان الحوار لا يمكن ان يكون الا بين من هم متأصلين في العلوم الشرعية باعتبار الاسلام دين وكذلك في باقي العلوم باعتبار الاسلام موجه لسائر البشر. الذي استطيعأن أقوله هو أن كثيرامن الاطر العليا في مجال الدراسات المتعلقة بالماستر أو الدكتوراه كثير منهم مهندسون والأطباء وأصحاب المختبرات، منهم مغاربة وأجانب يحضرون الماستر او الدكتوراه في العلوم الاسلامية وقد بدأت تناقش الان رسائل الدكتوراه، مثلا حول موضوع الطب من طرف طبيبة متخصصة في الجلد حصلت على دكتوراه في الدراسات الاسلامية وجمعت بين ما جاء في القران الكريم عن بعض الايات بالمفهوم الجديد وبين موضوع الطب. مثال بسيط جدا، ذكرت اننا نجد في القران الكريم، انه بالنسبة للكفار كلما وصلت النار الى جلودهم فحينما تصل الى الدرجة الثالثة لم يعد الشخص يشعر بألم ولذلك نجد القران الكريم يجدد جلد الكافر في جهنم نظرا الى انه لم يعد الالم حينما تصل درجة الحريق الدرجة الثالثة هذا ما جاءت به الطبيبة. كذلك لاحظنا أن العديد من الاطر الطبية والمهندسين اهتموا بموضوعات تخص الشريعة الاسلامية كموضوع الزكاة مثلا. فهناك مهندس في المعلوميات ومهندس في الطبوغرافيا اهتما بموضوع يتعلق بالمالية الاسلامية وكذلك بموضوع الزكاة، كل هذا يوضح ان الكثير من الاطر المغربية تشعر بحاجة اكيدة الى معرفة الاسلام في شموليته وحقيقته. 5- هل ترى أن مقررات شعبة الدراسات الإسلامية تواكب التغيرات التي عرفها العالم اليوم، فكريا ومفاهيميا.. أم أنها تحتاج الى تحديث؟ الحقيقة أنه بعد انشاء شعبة الدراسات الاسلامية ظهر ان هناك حاجة الى ان يعاد تفسير القران الكريم وتجديده. اي هناك حاجة للتجديد في القران والسنة. وهذا التجديد هو الذي نجد كثير من العلماء المسلمين الكبار في الماضي يطلبونه كما كثير من العلماء الراهن يطالبون بعدم التقيد بالأساليب المنهجية القديمة، والتجديد في موضوع فهم الاسلام وتطبيق الاسلام. صحيح ان المتخرج من شعب الدراسات الاسلامية يصعب عليه ان ينطلق في مجالات التكنولوجيا او مجالات الاقتصاد ولكن هذا ميدان من ميادين التخصص في مجالات الدين. لا ينبغي ان ننسى ان الله تعالى في القران الكريم يدعو الى العلم والعقل وهو معروف عند عامة الناس. صحيح ان العالم الاسلامي تخلف منذ قرون واصبح من الضروري العودة الى المبادئ الاساسية وهي فهم الاسلام على حقيقته بانه دين جاء لنشر العلم والعقل، حتى ان القران الكريم يشبه الذين لا يعقلون بالدواب. هذا كافي للعودة الى ما جاء على لسان بعض العلماء المعاصرين. وان العالم الاسلامي في حاجة الى العودة لاستعمال العقل. وهذا ما يدفع بالعالم الاسلامي للرجوع الى الاصل لمواصلة مسار التقدم العلمي، صحيح ان الغرب تقدم كثيرا في مجالات العلوم في الوقت الذي تخلف فيه العالم الاسلامي. الدراسات الاسلامية القصد منها في البداية تحريك المسلمين في مختلف الدول الاسلامية الى ضرورة العودة الى الاصول باتباع ما يجري في الوقت الراهن في مجالات البحث العلمي التنبيه والدفع الى التفكير في سبب تخلفنا وضرورة احياء هذا توجه الاسلام الشمولي. والواقع ان شعبة الدراسات الاسلامية ان هذا الاهتزازا وقع في جميع الجامعات المغربية. وكذلك فيها اجابة لما تدعو اليه منظمة الاينسكو العالمية في مجتمعات المعرفة، فهي تدعو الى تقاسم المعرفة بين البشر والى تكوين مجتمعات بشرية فنحن في المغرب في الحقيقة نسير الان في اتجاهين، في اتجاه الشعور بأننا نسير الى فهم جديد للقران الكريم حتى نستطيع ان نساير العالم خاصة في مجال البحث العلمي. 6- كلمة أخيرة تنصح بها أساتذة وطلبة شعبة الدراسات الاسلامية؟ في كتاب سميته "توظيف القرآن الكريم واستثماره في تربية النشأ" وفعلا بدأت بعض الجهات في مجال التربية في اتباع ما جاء في هذا الكتاب لأن فيه اختصار للقضايا الكبرى الموجودة في القران الكريم. أشرت الى عناوين هذه القضايا الكبرى، أحصيت حوالي 14 موضوع متعلق بالتربية أو الاخلاق أو القيام..، وهناك ملاحق في الكتاب، أهمها التوجه للاساتذة على أساس الموضوعات السابقة مرتبة، حيث هناك ما هو موجه للثانوي وما هو موجه للاعدادي وما هو موجه للابتدائي. وبحوث الثانوية تتعلق بالاعجازات العلمية في القران الكريم. وهذا ما يتعلق بالجانب التربوي. وأنا سعيد برئاسة شرفية لجمعية اساتذة التربية الاسلامية، من التوجيهات التي ذكرتها احدى مؤتمرات هذه الجمعية، أنه ينبغي التوجه في تدريس القران الكريم لا الى حفظه فقط انما الى فهم ما نجده من توجيهات في القران الكريم ومحاولة تطبيقها على الصعيد الشخصي والاجتماعي. أما ما يخص طلبة الشعبة، أشعر الان ان هناك حاجة أكيدة الى ثورة في الدراسات الاسلامية، وهذا التوجه اوضحته في الطبعة الاخيرة لكتابي "الدراسات الاسلامية: الواقع الافاق والمستقبل"، ورجائي ان تنشأ مؤسسة أو مركز علمي بالكليات كراسي للبحوث القرانية في توجهها الى قضايا البحث العلمي الحديث، وفعلا الان بالنسبة لكلية الاداب بالرباط اجتمعت منذ ايام قليلة مع زملائي في الشعبة واتفقنا على احداث كرسي او مركز لهذه الدراسات يكون هو المنطلق لمواصلة الربط بين العلوم الاسلامية وبين باقي العلوم واللغات الحية سواء الشرقية والعبرية والغربية. والأمل ان نستطيع ان نصل الى هذا الهدف لكي متيقن ان فكرة الدراسة الشمولية للاسلام كما نجدها في القران الكريم انها انتشرت في مختلف الجامعات المغربية وان شاء الله ان تكون فرصة لفهم الاسلام كما يدعو اليه جلالة الملك والحكومة المغربية بالتفاهم. ويكفي ان نشير الى الاية الكريمة "يا أيها الناس ان خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم". فنحن نحاول في الدراسات الاسلامية نحاول ان نجدد هذا المفهوم. وأنا اعتقد ان الانسان المؤمن عليه اذا كان يعلم شيئا ان يعرف به، ويكفي ان نذكر بما جاء على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم "اذا مات ابن ادم انقطع عمله الا من ثلاث: علم ينتفع به وولد يدعو له وصدقة جارية". والعمل في شعبة الدراسات الاسلامية يدخل في صدقة جارية وعمل ينتفع به. ومازال الشباب يهتمون بهذا التوجه الجديد الذي برز في المغرب ولا نجده بهذا التوجه لا نجده في دول العالم الاسلامي، لانه انطلق من المغرب ونجده مجزأ في باقي الدول. والدراسات الاسلامية ما يميزها عندنا هو التوجه الشمولي الكامل المتعلق بسبب نزول القران الكريم وتوجهه للبشرية جمعاء. *الدكتور محمد بالبشير الحسني: مؤسس شعبة الدراسات الاسلامية بالمغرب