بسم الله الرحمن الرحيم. والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.. أحبابي الكرام: معرفة الهدف هي سر الوصول.. ومن سلك سبيل الله متسلحا بالعلم.. متكئا على صدق التوجه.. منقيا قلبه من الأغيار.. مقدما بين يديه رجاء وعملا صالحا يزدلف به إلى مولاه.. كان حريا به أن يصل إلى الله سبحانه وبحمده. وما رزق العبد في هذه الدنيا رزقا أعظم من معرفة الله. ولا أعطي أعطية أزكى مِن وصلٍ بربه.. ينفي عنه هواجس الارتياب..ويرفع من عزمه.. ويجعله يمشي على هدى من ربه سويا.. نظره إلى أعلى.. وعينه على الأغلى.. لا تسترقه شهوات.. ولا تسرقه شبهات.. قد حدد الهدف.. وصبر على ما يكابد في سبيله.. وإنما هي أيام تمر سراعا.. وسنون تنقضي تباعا.. فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها. ثمّ إن اليقين بأن هذه الحياة الدنيا هي محلُّ نُقلة.. ودار ارتحال.. وقنطرة عبور بلا جدال.. هذا اليقين يُشكِّل للعبد عقلا جديدا.. ويمنحه فكرا سديدا.. فيحرص على وقته أشد الحرص.. لأن الوقت هو رأس ماله الحق.. وبمقتضاه يجزى يوم القيامة.. فيراقب أنفاسه.. ويضِنُّ بوقته عن أن يُراق على عتبات الضياع.. ومتاهات الانفراط… وغيابات الصُّدود.. إن لمعرفة الله ثمارا عظيمة من أعظمها: حفظ الأمانات.. وهذا هو الباب الأعظم الذي مِن خلاله يُعرف تديُّن العبدِ وورعه.. يقول ربنا سبحانه وبحمده: (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون). لا تخونوا الله: بإتيان ما ينافي توحيده.. بمعصيته والتجرؤ عليه.. بالافتئات عليه.. بانتقاص ماشَرع.. بمُحادَّتِه.. بإعلان الحرب على شريعته.. بمُخالفة أوامره.. بعدَم التحاكم إليه.. ووو.. ولا تخونوا الرسول: بالتقدم بين يديه…بترك سنته التي هي حياة قلوبكم…وقوام سعادتكم.. بردِّ ماصح عنه صلوات ربي وسلامه عليه.. بمخالفته ومُشاقَّته.. (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) فإنَّ نجاتكم ورب الكعبة في اتباعه وطاعته صلى الله عليه وسلم.. وووو.. وتخونوا أماناتكم: بالظلم.. والزور.. والرشوة.. واستغلال المنصب… ونشر الفتنة.. وإشاعة الفاحشة.. فإن ناشر الفاحشة.. والساعي في إشاعتها متوعد بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة.. يقول ربي.. وأصدق القول قول ربي: (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة.. والله يعلم وأنتم لا تعلمون)، كل من يسعى في إشاعة الفاحشة فلينتظر بطش الله وانتقامه.. سواء في نفسه أو أولاده.. أو ماله.. أو من حيث لا يحتسب.. فإن الخلق خلق الله.. وإن الأمر أمر الله (ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين) لا تخونوا أماناتكم بخيانة وطنكم.. وخيانة ولي أمركم.. وخيانة مسؤولياتكم.. وترك مصالح العباد.. والسعي في مصالحكم.. فإنه والله من أخذ ماليس له فسيأتي به يوم القيامة.. مفضوحا على رؤوس الأشهاد…(ومن يغلل يات بما غل يوم القيامة). لا تخونوا أماناتكم: بنشر التفاهات.. والتمكين للهراء.. وقلب الحقائق.. وتسويد الحق.. وتبييض الباطل.. لا تشغلوا الناس بسفاسف الأمور.. فإن ذلك يُخرج أجيالا معتوهة.. لا مكان لها في عالم القيم.. أجيالا تائهة.. حائرة بائرة.. فقد قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى يحب معاليَ الأمور وأشرافها.. ويكره سفسافها). اتقوا الله تعالى.. فإن العمر قصير.. وإن الناقد بصير.. وإن العقبة كؤود.. وإنه لا مستقر للعبد إلا في إحدى دارين.. إما جنة عالية.. وإما سعير وهاوية.. والله حسبنا وعليه التُّكلان.. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. محبكم وحافظ عهدكم وودكم عمر بن أحمد القزابري.