إن الله سبحانه وتعالى لم يخلقنا عبثاً، ولم يتركنا سدى، وإنما خلق كلاً منا لإحدى الدارين، ويستقر في أحد المستقرين، إما في جنة عرضها السماوات والأرض، وإما في نار أعدت للكافرين . النار هي الدار التي أعدها الله سبحانه وتعالى للكافرين، وهي عذاب الله وسجنه الذي يسجن فيه المجرمين، وهي الخزي الأكبر والخسران العظيم، يقول الله سبحانه وتعالى : " أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ " [التوبة: 63] .
والنار فيها ما يعجز اللسان عن وصفه من الآلام، يقول تعالى حاكياً عن حال عباد الرحمن : " وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا " [الفرقان: 65]، ويقول سبحانه وتعالى : " هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (55) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ (56) هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ " [ص: 55 - 57] .
وقال تعالى : " وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ " [غافر: 49]، " لِخَزَنَةِ " جمع خازن وهو القوام بتعذيب أهل النار . " فتح القدير " (4/495)
وقال تعالى : " وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ " [الزخرف: 77]، قال الإمام القرطبي رحمه الله : " قوله تعالى " وَنَادَوْا يَا مَالِكُ " وهو خازن جهنم خلقه لغضبه إذا زجر النار زجرة أكل بعضها بعضاً " . أ . ه . " تفسير القرطبي " (16/116) سعة جهنم:
ومن الأدلة على عظم خلق جهنم وكبرها : كثرة الملائكة الموكلون بها، يقول الله سبحانه وتعالى : " وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ " [الفجر: 23] .
كيف يجاء بجهنم ؟ بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، روى مسلم في " صحيحه " عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا " .
دركات جهنم:
دركات جهنم كثيرة، وقد عدد الله سبحانه وتعالى كثيراً من أسمائها حتى ينبهنا إلى تعداد صفاتها، قال تعالى : " إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا " [النساء: 145] .
قال الإمام الشوكاني رحمه الله : " والدرك : الطبقة، والنار دركات سبع، فالمنافق في الدرك الأسفل منها، وهي : الهاوية؛ لغلظ كفره، وكثرة غوائله، وأعلى الدركات : جهنم، ثم الحطمة، ثم السعير، ثم سقر، ثم الجحيم، ثم الهاوية، وقد تسمى جميعها باسم الطبقة العليا أعاذنا الله من عذابها " . أ . ه . " فتح القدير " (1/529) أبواب جهنم:
النار لها سبعة أبواب، قال تعالى : " وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ " [الزمر: 71] .
قال الإمام القرطبي رحمه الله : " حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا " جواب " إِذَا "، وهي سبعة أبواب " . أ . ه . " تفسير القرطبي " (15/284)
وقود جهنم:
وقود النار : الناس والحجارة، يقول عز وجل : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ " [التحريم: 6] .
قال الإمام الشوكاني رحمه الله : " قوله " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ " بفعل ما أمركم به وترك ما نهاكم عنه، " وَأَهْلِيكُمْ " بأمرهم بطاعة الله ونهيهم عن معاصيه، " نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ " أي : ناراً عظيمة تتوقد بالناس وبالحجارة كما يتوقد غيرها بالحطب " . أ . ه . " فتح القدير " (5/253) شدة حر جهنم وعظم دخانها وشررها:
من صفات النار : شدة حرها وعظم دخانها وشررها، يقول تعالى : " وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ " [الواقعة: 41 - 44]
قال الإمام القرطبي رحمه الله : " قوله تعالى " وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ " ذكر منازل أهل النار، وسماهم أصحاب الشمال؛ لأنهم يأخذون كتبهم بشمائلهم، ثم عظم ذكرهم في البلاء والعذاب فقال " مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ " والسموم : الريح الحارة التي تدخل في مسام البدن، والمراد هنا : حر النار ولفحها، " وَحَمِيمٍ " أي : ماء حار قد انتهى حره إذا أحرقت النار أكبادهم وأجسادهم فزعوا إلى الحميم كالذي يفزع من النار إلى الماء ليطفيء به الحر فيجده حميماً حاراً في نهاية الحرارة والغليان، وقد مضى في " القتال " " وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ " .
" وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ " أي : يفزعون من السموم إلى الظل كما يفزع أهل الدنيا فيجدونه ظلاً من يحموم، أي : من دخان جهنم أسود شديد السواد، عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما، وكذلك اليحموم في اللغة : الشديد السواد، وهو يفعول من الحم، وهو : الشحم المسود باحتراق النار، وقيل : هو مأخوذ من الحمم وهو الفحم، وقال الضحاك : النار سوداء، وأهلها سود، وكل ما فيها أسود، وعن ابن عباس أيضاً : النار سوداء، وقال بن زيد : اليحموم جبل في جهنم يستغيث إلى ظله أهل النار، " لَا بَارِدٍ " بل حار؛ لأنه من دخان شفير جهنم، " وَلَا كَرِيمٍ " عذب، عن الضحاك وقال سعيد بن المسيب : ولا حسن منظره وكل ما لا خير فيه فليس بكريم، وقيل : " وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ " أي : من النار يعذبون بها كقوله تعالى : " لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ " " . أ . ه . " تفسير القرطبي " (17/213)
دعاة جهنم:
هناك دعاة يدعون إلى النار كما قال سبحانه وتعالى : " وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ " [القصص: 41]،
وقال الله سبحانه وتعالى أيضاً : " أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ " [البقرة: 221]، وقال عز وجل : " أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ " [لقمان:21]، وقال سبحانه وتعالى عن الشيطان : " إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ "[فاطر:6]، وقال في فرعون : " يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ " [هود:98]، وقال مؤمن آل فرعون : " يَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ " [غافر:41] .
فكل من دعا إلى الشرك أو صد عن سبيل الله أو زين معاصي الله سبحانه وتعالى للمؤمنين فهو من الدعاة إلى جهنم.
ومنها : عدم القيام بالتكاليف الشرعية، قال تعالى : " مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ " [المدثر: 42 - 47] .
ومما يئول بالناس إلى هذا العذاب الأليم : طاعة الزعماء والكبراء في معصية الله سبحانه وتعالى، يقول عز وجل : " وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ " [فصلت:25] .
ومن أسباب الخلود في جهنم : النفاق، يقول الله عز وجل : " وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ " [التوبة:68]، وقال تعالى : " إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ " [النساء:145] .
والكبر من الأسباب التي تئول بصاحبها إلى النار؛ يقول الله عز وجل : " وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ " [الأعراف:36] .
ومما يدخل النار : الكفر، والحسد، والكذب، والخيانة، والظلم، والفواحش، والغدر، وقطيعة الرحم، وعقوق الوالدين، والجبن عن الجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى، والبخل، والرياء، واليأس من رحمة الله، والأمن من مكر الله عز وجل، والجزع عند المصائب، والاستهزاء بآيات الله وأحكامه، وكتمان العلم، والقتل، والربا، والزنا، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات .. إلى آخر الكبائر والذنوب المعروفة .
نسأل الله تعالى أن يجرنا من النار ومن عذابها .
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله صحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين .