قال الله تعالى في كتبه العزيز: "سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ". فيتوّعد الله عزّ وجلّ أحَدَ الكافرين المُكذّبين من رجال قريش حين عُرِضَ عليه كلامَ الله عزّ وجلّ وأَمْر النَبي محمد صلّى الله عليه وسلّم فقال أنّه سِحرٌ مأثور، وليس بكلام رَبّ العَالمين، وأنّه من كَلام البَشر وتأليفَهم، بتصليته سَقَر، أي بإدخاله وغَمرِه في جَهنّم، ثمّ جاء القرآن الكريم ليُبيّن معناها بصيغة الاستفهام مُبالغةً في التَّعظيم والتَّهويل، وزيادةً في التّرهيب، قال تعالى: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ).
فكان الجواب بقوله جَلّ شأنه: (لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ)، أي لا تُبقي لحماً ولا عظماً ولا دماً إلا أحرقته، فهي لا تُبقي من فيها حيّاً ولا تَذره مَيتاً، تَحرقهم كلّما جُدِّدُوا وعادوا إلى الحياة.
سَقَر نارٌ حامية، شديدةٌ آكلةٌ للبدن، مُذيبةٌ للعظم واللّحم، مؤلمةٌ أشدّ الإيلام، وبيّن الله عزّ وجلّ بأنّها (لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ)، أي: مُحرقَة للجِلد مُسَوّدَة له، فتجعله أشَدّ سَواداً من اللّيل.
والبَشَر، جمع البَشَرَة وهي: جِلدة الإنسان الظّاهرة، وقيل في معنى البَشَر قولاً آخر وهو: الإنسُ من أهل النّار، فهي تُلوّح لهم، أي تَبرُز لهم وتَظهر فيرونها عَياناً من بعيد.
وفي هذا زيادة في التّخويف والتّرهيب، فكأنّها تدعو أهل الكفر والضّلال المُكذّبين بالبعث والنّشور أن هَلّمُوا إليّ فإنّي قد تَحضّرتُ لكم لتذوقوا من عذاب ما كفرتم به، وأنكرتم وجوده، وضَلَلتم عن التّصديق به.
ويُبيّن الله عزّ وجلّ بعد بيان صفاتها وكيفيّة عذابها وإذلالها عَدد المَلائكة المُوكّلين بالعذاب، وهم تسعة عَشر مَلاكاً أشدّاء أقوياء، غُلَظاء، لا يَعْصونَ لله أمراً أمَرهُم به، يتوكّلون بكُل داخل فيها بمَسّه بما يستحقّه من الخِزي والتّحقير والهَوانْ جزاءً بما كان يفعله في الحياة الدُّنيا.