هوية بريس – السبت 12 أكتوبر 2013م الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد: إن يوم عرفة يوم تنزل رحمة الله، وما أدراك ما رحمة الله!! عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "جعل الله الرحمة في مائة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءًا وأنزل في الأرض جزءًا واحدًا، فمن ذلك الجزء تتراحم الخلق حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه" رواه البخاري. فيوم عرفة من الأيام الفاضلة، تجاب فيه الدعوات، وتقال العثرات، ويباهي الله فيه الملائكة بأهل عرفات، وهو يوم عظَّم الله أمره، ورفع على الأيام قدره. وهو يوم إكمال الدين وإتمام النعمة، ويوم مغفرة الذنوب والعتق من النيران. ويوم كهذا حري بك أن تتعرف على فضائله، وما ميزه الله به على غيره من الأيام، وتعرف كيف كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم فيه؟ نسأل الله أن يعتق رقابنا من النار في هذا اليوم العظيم. 1- إنه يوم إكمال الدين وإتمام النعمة ففي الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلاً من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً، قال أي آية؟ قال: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) (المائدة:3). قال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قائم بعرفة يوم الجمعة. 2- قال صلى الله عليه وسلم: (يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب) رواه أهل السّنن. وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه قال: (نزلت -أي آية (اليوم أكملت)- في يوم الجمعة ويوم عرفة، وكلاهما بحمد الله لنا عيد). 3- إنه يوم أقسم الله به: والعظيم لا يقسم إلا بعظيم، فهو اليوم المشهود في قوله تعالى: (وشاهد ومشهود) (البروج: 3)، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اليوم الموعود: يوم القيامة، واليوم المشهود: يوم عرفة، والشاهد: يوم الجمعة..) (رواه الترمذي وحسنه الألباني). وهو الوتر الذي أقسم الله به في قوله: (والشفع والوتر) (الفجر: 3)، قال ابن عباس: الشفع يوم الأضحى، والوتر يوم عرفة، وهو قول عكرمة والضحاك. 4- أن صيامه يكفر سنتين: فقد ورد عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة فقال: "يكفر السنة الماضية والسنة القابلة"(رواه مسلم). وهذا إنما يستحب لغير الحاج، أما الحاج فلا يسن له صيام يوم عرفة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك صومه، وروي عنه أنه نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة. 5- أنه اليوم الذي أخذ الله فيه الميثاق على ذرية آدم: فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم بِنَعْمان -يعني عرفة- وأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذّر، ثم كلمهم قِبَلا، قال: (ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين، أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون) (الأعراف: 172، 173، رواه أحمد وصححه الألباني). فما أعظمه من يوم! وما أعظمه من ميثاق! 6- أنه يوم مغفرة الذنوب والعتق من النار والمباهاة بأهل الموقف: ففي صحيح مسلم عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟). وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تعالى يباهي ملائكته عشية عرفة بأهل عرفة، فيقول: انظروا إلى عبادي، أتوني شعثا غبراً) (رواه أحمد وصححه الألباني). 7- أشد يوم على الشيطان: أخرج مالك رضي الله في الموطأ من مراسيل طلحة بن عبيد الله من كريز أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما رئي الشيطان يوما هو فيه أصغر، ولا أحقر، ولا أدحر، ولا أغيظ منه في يوم عرفة، وما ذلك إلا لما رأى من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام، إلا ما رأى يوم بدر. قيل: وما رأى يوم بدر يا رسول الله؟ فقال: أما أنه رأى جبريل يزع الملائكة هكذا". وينبغي على الحاج أن يحافظ على الأسباب التي يرجى بها العتق والمغفرة ومنها: * حفظ جوارحه عن المحرمات في ذلك اليوم: فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان الفضل بن عباس رديف النبي صلى الله عليه وسلم من عرفة، فجعل الفتى يلاحظ النساء وينظر إليهن، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجهه من خلفه، وجعل الفتى يلاحظ إليهن، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ابن أخي، إن هذا يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له) (رواه أحمد). لاتنسوا الإكثار من التهليل والتسبيح والتكبير في هذا اليوم: فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غداة عرفة، فمنّا المكبر ومنا المهلل..) (رواه مسلم). ختاما هنيئاً لمن وقف بعرفة فهنيئاً لك أخي الحاج، يا من رزقك الله الوقوف بعرفة بجوار قوم يجارون الله بقلوب محترقة ودموع مستبقة، فكم فيهم من خائف أزعجه الخوف وأقلقه، ومحب ألهبه الشوق وأحرقه، وراج أحسن الظن بوعد الله وصدقه، وتائب أخلص الله من التوبة وصدقه، وهارب لجأ إلى باب الله وطرقه، فكم هنالك من مستوجب للنار أنقذه الله وأعتقه، ومن أعسر الأوزار فكه وأطلقه وحينئذ يطلع عليهم أرحم الرحماء، ويباهي بجمعهم أهل السماء، ويدنو ثم يقول: ما أراد هؤلاء؟ لقد قطعنا عند وصولهم الحرمان، وأعطاهم نهاية سؤالهم الرحمن. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.