هوية بريس – السبت 03 أكتوبر 2015 نحن إزاء الحديث عن شخصية وطنية وإسلامية كانت لها بصمتها في تاريخ الحركة الإسلامية بالمغرب، عرفت بجرأتها في طرح أفكارها ومقارباتها ومنهجها في النقد، شكلت أحد أركان الاعتدال السياسي، حيث رفضت العنف تجاه الدولة ومؤسساتها ومكونات المشهد السياسي المغربي في وقت مبكر، ثم عملت على مكابدة المشاق وركوب الصعاب من أجعل إقناع الأتباع على هضم تلك المراجعات التي كانت تبدو غريبة في زمان اتسم بالعنف الرمزي والمادي تجاه الدولة والمجتمع، من قوى اليسار على وجه الخصوص، ثم تبنته الحركة الإسلامية بالمغرب فيما بعد.. شخصية جمعت بين القوة والاعتدال، قادت فصائل إسلامية إلى المصالحة مع الدولة ومؤسساتها، وعلى رأسها النظام الملكي بالمغرب، وقامت بمصالحة قبلها مع التاريخ المغربي الذي تميز بالمحافظة على مؤسسة إمارة المومنين، وناضلت لثلاثة عقود من أجل إدماج الحركة الإسلامية في العمل السياسي المؤسساتي، دون أن تتصالح مع الفساد، بل أخذت مسافة منه ومن رموزه وإن خالطتهم اضطرارا.. ثم هي في النهاية قادت المشروع بشخوصه وقادته ومراجعه ومناضليه إلى تسلم مفاتيح حكومة ما بعد الربيع المغربي، واصطدمت ب"العفاريت والتماسيح" التي نشأت وتضخمت في ظل الاستبداد، فلم يكن بد من منازلة هؤلاء، ما اضطر الأستاذ بنكيران أن يكشر عن أنيابه ويخرج مخالبه بعد أن تلقى الضربات تحت الحزام في صمت. ومن دون مقدمات يطرح الأستاذ الباحث محمد همام خطاب تلك الشخصية الفذة على مشرحة التحليل، لكنه يختار الخطاب المنفعل الذي جاء في سياق ردود أفعال.. تحت عنوان: "العنف اللغوي في الخطاب السياسي المغربي: دراسة في نظرية الشتم السياسي"، قدم الأستاذ همام مداخلته في مؤتمر "العنف والسياسة" بدولة تونس الشقيقة، حيث حاول رصد مفردات العنف في الخطاب السياسي لدى النخبة السياسية (عبد الإله بنكيران وحميد شباط نموذجا).. اتهم فيه رئيس الحكومة الأمين العام لحزب العدالة والتنمية بتصريف خطاب عنيف في كل المنابر التي اعتلاها منذ مجيئه للحكومة الحالية، وأن هذا الخطاب يكتنز فعلا عنيفا بالقوة لدى أعضاء الحزب والمتعاطفين معه، هو اليوم في حالة كمون، وقد يسفر عن تجلياته في أي وقت، كما حصل ذلك في الانتخابات المحلية والجهوية الأخيرة. ينطلق الباحث من فرضية تقول: "اللغة ليست نظام رموز وإشارات وحسب..بل سلطة قادرة على التأثير في الواقع"..، ف"باللغة يحدث الزعيم تأثيره في مناضلي حزبه.."، و"اللغة تنزلق إلى سلوك عنيف يتم تنزيله في دهنيات قلقة تعيش حالة توتر وجودي ووعي شقي.."، والزعيم (وهو بنكيران هنا) يبلور لغة وينحت مفردات "قائمة على صناعة الاستتباع والطاعة والخضوع للزعيم بغرض التحكم في مخيال الجماهير وتطويعهم، وتجذير حكم الأغبياء.."، وهو "يسعى لإحداث أثر لدى أتباعه من أجل إنجاز أفعاله الكلامية.." التي لا تعدو أن تكون في حالة كمون. وفي اعتقادنا هذه اتهامات خطيرة وغير مسؤولة من باحث أكاديمي يعرف جيدا أن الأستاذ بنكيران هو من نزع فتيل العنف بين الدولة والإسلاميين بالمغرب من خلال مراجعات جريئة قام بها هو وإخوانه، ومن خلال بلورة خطاب سياسي معتدل يقبل بالآخر المختلف سياسيا وإيديولوجيا، وكان المفروض في الباحث أن يقوم بتفكيك خطاب رئيس الحكومة ويبحث في أسباب شعبيته دون غيره ممن نفر منهم الناس بسبب العنف اللفظي الكثيف في خطبهم. كان على الباحث -وهو عضو، بل مستشار جهوي باسم حزب العدالة والتنمية- أن يبين الفرق بين خطابين لدى بنكيران: قبل خروج شباط من الحكومة وبعده. أما خرافة (الفعل العنيف) الناتج بالقوة من هكذا خطاب لدى الأتباع فلا يوجد له أثر في الواقع ولا أدنى مؤشرات. كان على الباحث أن يجلي المنطق المتسلسل في خطاب رئيس الحكومة، ما جعله يشد إليه أنظار وأنفاس ملايين المشاهدين المغاربة، خصوصا في الجلسة العامة التي يعرفها البرلمان بغرفتيه. كان على الباحث، وهو عضو في الحزب، يعرف جيدا السيد بنكيران، أن يجلي صدق خطابه، وأنه يلجأ أحيانا لمفردات عنيفة من أجل قتل العنف في خطاب وسلوك الآخر. كان المفترض في الباحث، وهو متخصص في اللسانيات، أن يميز بين مفردات الخطاب القوي الذي يشده منطق وتسلسل، وبين خطاب عنيف بلطجي لا يستند إلى حجة أو برهان.. بين الخطاب "العمري" نسبة للفاروق عمر وبين الخطاب "الحجاجي" بتثقيل الجيم، نسبة للحجاج بن يوسف. وليس كل كلام يكون له أثر في الواقع كما تقول تلك النظرية العرجاء، فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: (ويبعث النبي معه الرجل والرجلان، ويبعث النبي وليس معه أحد) أي أنه لا أثر لكلامه في قومه، مع العلم أن الأنبياء أوتوا البيان والحجة والمعجزات. الأستاذ محمد همام، وهو في تونس، كان المفترض فيه أن يكون سفيرا أمينا ينقل لقوى الاستئصال هناك سر نجاح الاستثناء المغربي، كون الدولة أصغت لمنطق العقل، وتعاملت مع الإسلاميين على قدم المساواة مع باقي الأحزاب، وبذلك نزعت فتيل الصراع مع جبهة عريضة من الإسلاميين وعزلت عنهم المتطرفين وأضعفتهم. ليس من مهام المثقف أن يرضي المضيفين، فيوحي لهم ضمنا أنكم في تونس كنتم على صواب يوم قمعتم هذه الأصوات التي تؤسس عندنا لعنف لغوي بالمغرب ينطوي على فعل عنيف بالقوة، ولا أن يعطيهم الحجة على مصداقية انقلابهم على الإسلاميين لما جاء بهم الربيع العربي، ويضعف حجة الغنوشي وإخوانه هناك الذين ما لبثوا يستشهدون بنجاح إدماج الإسلاميين بالمغرب. المفروض في مثقف من عيار الأستاذ همام أن يتحدث عن عنف الدولة البوليسية في تونس، وأن يمتلك الشجاعة في نقد مؤسسها الذي تجرأ على الإفطار في نهار رمضان على شاشة التلفزة، فأي عنف أكبر من استهداف مقدسات المجتمع المجمع عليها.. الحداثة القسرية عندما تتبناها الدولة تمثل قمة العنف السياسي. وأخيرا ليس من الأمانة في شيء أن يبدأ الباحث في مداخلته بالحديث عن عنف الخطاب السياسي لدى رئيس الحكومة ثم يثنيه بعنف الخطاب لدى شباط، فيوحي للمستمع الأجنبي أن خطاب البلطجة لدى شباط كان بمثابة رد فعل على استفزازات رئيس الحكومة، في حين يعلم كل متتبع أن رئيس الحكومة لم يرد على شباط حتى وصف نصف أعضاء الحكومة ب"السكايرية".