هوية بريس – الخميس 03 شتنبر 2015 لم يبق سوى ساعات وتنطلق عملية الانتخابات الجماعية والجهوية التي ستفرز أسماء لقيادة المجالس الجماعية والجهوية على صعيد المملكة. وكالعادة يخرج تياران في الساحة المغربية في مثل هذه اللحظة، لكل منهما وجهة نظر مختلفة عن الأخرى وهما: الأول: تيار مقاطع يدعو إلى مقاطعة الانتخابات وعدم المشاركة فيها، معللا ذلك بالفساد المستشري والأوضاع المزرية التي يعيشها كثير من المغاربة من فقر وبطالة وتهميش. الثاني: تيار مشارك يدعو إلى المشاركة في الانتخابات بقوة بهدف قطع الطريق أمام الفاسدين الذين يستغلون مثل هذه الفرص للوصول إلى المناصب من أجل الاغتناء ونهب المال العام. ومن الناحية الشرعية فهناك فريقان فقهيان أيضا لكل منهما مستنده الفقهي الذي يستند إليه في بناء رؤيته الشرعية، فالفريق الأول يرى من الناحية الفقهية تحريم المشاركة في الانتخابات لما في ذلك من الاعتراف بالديمقراطية التي تخالف الشرع أصلا، وهو ما دافع عنه الشيخ البشير عصام في هذه الجريدة المباركة، معتبرا أن أكبر المفاسد هو الاعتراف بالديمقراطية المناقضة للدين. ويرجع التيار الداعي سبب دعوته إلى المشاركة هو التقليل من المفاسد وتخفيفها على قدر المستطاع، وهو ما بينه الشيخ حماد القباج في مقال له ناقش فيه الشيخ عصام البشير في مذهبه. لا أريد أن أدخل نفسي في هذا الجدل الفقهي لمحاولة الترجيح بين الرأيين المذكورين، لأن في نهاية المطاف سأغلب رأيا على آخر، وأختار إما المشاركة أو المقاطعة، لكن أقول: إن القول بتحريم المشاركة في الانتخابات أو مقاطعتها ثمرته غير واضحة لأن الوضع سيبقى على ما هو عليه، ولن يقدم في الأمر شيء بل ربما سيزيد الأمر سوء ببروز الفاسدين دينا وخلقا واستيلاءهم على المجالس البلدية. وفي المقابل فإن الدعوة إلى المشاركة قد لا تجد آذانا صاغية تستجيب لها، نظرا لما يُشاهد من سلوكيات لدى بعض المنتخبين، فهم لا يظهرون إلا في الانتخابات من أجل الوصول إلى المناصب، وتقديم مصالحهم الخاصة على المصالح العامة. لاشك أن الخطاب الملكي واضح في هذا الصدد حيث عاب هذه السلوكيات، ودعا إلى تجاوزها، فقد جاء فيه: "إذا كان عدد من المواطنين لا يهتمون كثيرا بالانتخابات ولا يشاركون فيها، فلأن بعض المنتخبين لا يقومون بواجبهم، على الوجه المطلوب، بل إن من بينهم من لا يعرف حتى منتخبيه. وهنا يجب التشديد على أن المنتخب، كالطبيب والمحامي والمعلم والموظف وغيرهم، يجب أن يشتغل كل يوم، بل عليه أن يعمل أكثر منهم، لأنه مسؤول على مصالح الناس، ولا يعمل لحسابه الخاص…". إن أي اختيار اختاره المواطن المغربي له ما يبرره من الناحية الواقعية، لذلك فعوض أن نبقى نجادل بعضنا بعضا في الدعوة إلى المشاركة أو مقاطعتها عند كل انتخابات، لما لا يتم التفكير في تكوين شباب دينا وخلقا حتى يكون ذا مصداقية وكفاءة، ويكون قادرا على قيادة مسيرة الإصلاح بجرأة وشجاعة دون تعثر أو عجز.