ولد الرشيد يؤكد أن الأمم المتحدة "الإطار الشرعي الوحيد" لمعالجة النزاع حول الصحراء المغربية    الضمان الاجتماعي يكشف موعد استفادة أصحاب 1320 نقطة من التقاعد    المعارضة تدعو لتشكيل لجنة لتقصي الحقائق بشأن دعم استيراد المواشي والأبقار بمليارات الدراهم    سعر النفط يواصل الهبوط بسبب تصاعد النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين ومخاوف الركود    إسقاط الجزائر لطائرة مسيرة مالية يكشف المستور: هل تحمي المخابرات الجزائرية إياد أغ غالي؟    بعد طردها من مايكروسوفت…ابتهال المغربية تتوصل بعرض عمل من ملياردير كويتي    اليوم العالمي للصحة .. إطلاق الحملة الوطنية للتحسيس بأهمية زيارات تتبع الحمل    الفرحة تعود لمنزل سلطان الطرب جورج وسوف (صور)    الدكتورة غزلان توضح ل "رسالة 24": الفرق بين الحساسية الموسمية والحساسية المزمنة    عصبة الأبطال.. الجيش الملكي يخوض أخر حصة تدريبة مساء اليوم تأهبا لمواجهة بيراميدز غدا الثلاثاء    أوزود تستعد لإطلاق النسخة الأولى من "الترايل الدولي" الأحد المقبل    الرسوم الجمركية الأمريكية والإجراءات الصينية تلقي بظلالها على بورصة الدار البيضاء    الاستفادة من معاش الشيخوخة ابتداء من فاتح ماي 2025 (الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي)    تعزيز الشراكة العسكرية بين المغرب والناتو: زيارة وفد بحري رفيع المستوى إلى المملكة    علوم اجتماعية تحت الطلب    نائب وكيل الملك يوضح أسباب منع معطي منجب من مغادرة المغرب    مبابي: "أفضل الفوز بلقب دوري أبطال أوروبا على أن الكرة الذهبية"    بدء مناورات جوية بين الفلبين والولايات المتحدة لتعزيز التعاون العسكري    تراجع طفيف في سعر الغازوال والإبقاء على ثمن البنزين في 13,05 درهما    أمن إنزكان يوقف شاباً ألحق خسائر بممتلكات الغير    النيابة العامة تتحدث عن مسطرة قضائية جديدة في مواجهة المعطي منجب أدت إلى منعه من السفر    الدرك يعتقل مبحوثا عنه يتاجر في "الهيروين" بالفنيدق    النسخة الثالثة من المسيرة العلمية البيئية تسلط الضوء على التنمية المستدامة بالأوساط الصحراوية    انهيار في مداولات البورصات الأوروبية بعد تراجع كبير في البورصات الآسيوية والخليجية الأحد    كأس إفريقيا للأمم لأقل من 17 سنة: المنتخب الوطني يتأهل لدور الربع بتغلبه على نظيره التنزاني    أغنية "تماسيح" جديد الشاب بلال تحتل المرتبة العاشرة في "الطوندونس" المغربي    مزراوي يحظى بإشادة جماهير مانشستر يونايتد    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    مهمّة حاسمة للركراكي.. جولة أوروبية لتفقد مواهب المهجر استعداداً لتعزيز صفوف المنتخب    انتقادات تلاحق وزارة الفلاحة بسبب تنظيمها لبرنامج تكويني بسوس بمشاركة مؤسسة إسرائيلية    المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية يقلب بعض المسلمات رأسا على عقب    "الاثنين الأسود".. حرب الرسوم الجمركية تُفقد بورصة وول ستريت 5 تريليونات دولار    الرئيس البرازيلي السابق "بولسونارو" يتظاهر في الشارع    طقس الإثنين .. أجواء قليلة السحب مع تشكل كتل ضبابية    القاهرة ترفع ستار مهرجان الفضاءات المسرحية المتعددة    مقابل 120 ألف يورو.. عناصر أمنية إسبانية سهلت عبور أطنان من الحشيش    ابتهال أبو السعد.. مهندسة مغربية تهز العالم بشجاعتها وتنتصر لفلسطين    المغرب.. قوة معدنية صاعدة تفتح شهية المستثمرين الأجانب    ماراثون مكناس الدولي "الأبواب العتيقة" ينعقد في ماي المقبل    الولايات المتحدة الأمريكية تحظر منتوج ملاحة في كوريا    النظام الجزائري.. تحولات السياسة الروسية من حليف إلى خصم في مواجهة الساحل الإفريقي    روعة مركب الامير مولاي عبد الله بالرباط …    تفاعلا مع الورش الملكي لإصلاح المنظومة الصحية.. مهنيو الصحة 'الأحرار' يناقشون مواكبتهم لإصلاح القطاع    رولينغ ستونز إفريقيا في قلب صحراء امحاميد الغزلان    لاف دياز: حكومات الجنوب تستبعد القضايا الثقافية من قائمة الأولويات    وزان تحتضن الدورة الأولي لمهرجان ربيع وزان السينمائي الدولي    الجسد في الثقافة الغربية 11- الجسد: لغة تتحدثنا    بوزنيقة: المكتب الوطني المغربي للسياحة: افتتاح أشغال مؤتمر Welcom' Travel Group'    سجل عشاق الراكليت يحطم رقمًا قياسيًا في مدينة مارتيني السويسرية    دش الأنف يخفف أعراض التهاب الأنف التحسسي ويعزز التنفس    "قافلة أعصاب" تحل بالقصر الكبير    توضيحات تنفي ادعاءات فرنسا وبلجيكا الموجهة للمغرب..    ترامب يدعو لخفض أسعار الفائدة: الفرصة المثالية لإثبات الجدارة    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حتى لا نقع في شبهة المدح تحت الطلب…
نشر في هوية بريس يوم 03 - 09 - 2020

قد يلجأ أحدنا إلى مدح غيره، وهو أمر مشروع في أصله، لكن أحيانا نضطر إلى تقييم مضمون المدح (التعديل) مراعين في ذلك حجم المدح ومستواه، وسياقه وملابساته، وسلوك الشخص الممدوح ومواقفه في الحال، حتى ولو كان معروفا من قبل بالعلم والخلق الرفيع. وتبعا لذلك يختلف الناس في تفاعلهم مع كل ما يكتب وينشر من مدح للغير بين مصدق ومكذب، أو بين راض منوه ورافض مشاكس، أو بين معلق معجب وساكت على مضض…
والذي يقرأ ما ينشر اليوم في الجرائد الإلكترونية من مقالات، وما يؤلف من كتب في مدح الأشخاص ولو كانوا علماء يتساءل أولا عن السر في كثرة المداحين، وعن دوافعهم الحقيقية، خصوصا لما يتعلق الأمر بشخص بعينه، وبالأخص في هذا التوقيت بالذات؛ توقيت التطبيع العلني بين دولة الاحتلال والإمارات؟؟؟.
إن مدح الذات أو الغير قد يكون مطلوبا أحيانا لما يحققه من مصالح راجحة، لكن حينما يكون مآله ظهور مفاسد كثيرة، ففي هذه الحالة تثار حول المادح شبهة الاستجابة لطلب المدح إما تلبية لرغبة نفسية، أو بتوجيه من قبل الغير. والأدهى والأمر إذا كان هذا المادح معروفا في سالف أيامه بالاستماتة والصلابة في قول الحق، ومبتعدا عن التملق. ومن جانب آخر ترى الشخص الممدوح منتشيا بما كتب عنه، بل وساعيا إلى نشره وتعميمه في صفحته الشخصية عبر الفايسبوك أو في غيره من وسائل التواصل الاجتماعي، بعدما كنا نلحظ في فترات سابقة أثر الإخلاص باديا في سلوكه وتصرفاته. ويا ليته لم يفعل، واكتفى بما نشره عنه المداحون من تلاميذته، لأن صنيعه هذا قد يكون قاصمة لظهره عند الله وعند من كانوا يحبونه بصدق وبدون مقابل، لأن في ذلك تزكية للنفس، وهو مظهر من مظاهر عيوب القلب، وقد نهينا عن فعل ذلك دون ضرورة شرعية، مصداقا لقوله تعالى: "فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى" (النجم: 32 ). ولقوله عز وجل: "ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم، بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا"(النساء:49 ). ولله در الإمام الغزالي القائل: "وعلى الممدوح أن يكون شديد الاحتراز عن آفة الكبر والعجب، وآفة الفتور، ولا ينجو منه إلا بأن يعرف نفسه ويتأمل ما في خطر الخاتمة، ودقائق الرياء، وآفات الأعمال، فإنه يعرف من نفسه ما لا يعرفه المادح، ولو انكشفت له جميع أسراره وما يجري على خواطره لكف المادح…وعليه أن يظهر كراهية المدح بإذلال المادح…" (إحياء علوم الدين: 3 /161 ).
إن الشخص المادح كيفما كان ماضيه ومستواه العلمي إذا لم يدرك الضوابط الشرعية للمدح، ولم يوازن بين المصالح والمفاسد التي قد تترتب عن مدحه، أو لم يفقه واقع أمته، واكتفى بالرغبة في تحسين علاقته بالشخص الممدوح لينال عنده مزيدا من الحظوة، أو لم يضع ما كتبه ونشره في سياقه… إنه كيفما كانت الدوافع والمبررات سيكون ممن أخطأ الطريق وأساء التقدير من حيث لا يشعر. وهو بتصرفه هذا قد يكون سببا لنقده وتجريحه، ولحصول القيل والقال المفضي إلى فتنة الغيبة والنميمة، والاتهام في النهاية بالدخول في زمرة المداحين تحت الطلب، خصوصا ونحن نعيش زمن التطبيع العلني بين الإمارات ودولة الاحتلال.
وحتى لا ندخل في محاكمة النوايا، ونسارع إلى إساءة الظن بالمداحين في زمن التطبيع، نؤكد على ما يلي:
أولا: إننا لا نختلف في الثناء على كثير من الأشخاص في الظروف العادية، خصوصا إذا كان لهم سبق في التدريس، والدعوة، ونشر العلم النافع… لكن في نظري إذا كانت الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال…فإن مدح الأشخاص أيضا يتغير بحسب السياق، والمواقف المرتبطة بقضايا الأمة المصيرية، مثل القضية الفلسطينية.
وثانيا: فضلا عن إحسان الظن بالمداحين، فلا بد من توجيههم لاستحضار الضوابط الشرعية والملابسات الواقعية المرتبطة بالمدح قبل الإقدام عليه كتابة، أو قولا، أو إشارة؛ رغبة في النأي بهم عن الاستدراج إلى تلميع أصحاب المواقف المتخاذلة في وقت الحاجة، وفي زمن التنديد بالتطبيع. ومن أهم الضوابط التي وجب التذكير بها ها هنا، ما يلي:
عدم اللجوء إلى مدح الغير في غياب الحاجة أو الضرورة، إذ بمجرد قراءة ما يكتبه المداحون ترد أسئلة كثيرة ، من قبيل: لماذا هذا الإطراء والثناء؟ ولماذا في هذا الظرف بالذات، وليس قبل أو بعد؟ خصوصا إذا كانت تربط المادح بالممدوح علاقة قديمة في الوظيفة، أو التدريس، أو التعلم…لكنه ظل ساكتا دهرا ونطق متأخرا. وهنا أقول: إن المدح بغير ضرورة وفي غير وقت الحاجة يكون مدعاة على الأقل للشك، أو علامة على الخطأ في التقدير.
عدم التكلف والمبالغة في انتقاء عبارات المدح، بدءا بعنوان المقال أو الكتاب، وانتهاء بتحري العدل في الكلام الذي هو وسط بين الاختصار المخل الذي لا يحقق المصلحة المبتغاة من المدح، وبين الإسهاب والاستطراد الممل الذي تتضايق بسببه النفس السوية وتمجه. وليكن الموجه الأساس في المدح هو: أننا لا نلجأ إليه إلا أثناء الضرورة، و"الضرورة تقدر بقدرها".
الانضباط للحدود الشرعية، وعدم تجريح الآخرين، وذلك من خلال الحرص على تحري الصدق وانتقاء العبارات بكل إخلاص وتجرد، بعيدا عن التدليس والكذب طمعا فيما عند الشخص الممدوح من حظوة مادية أو معنوية. كما على المادح أن ينأى بنفسه عن السقوط في آفة الانتقاص من قدر الآخرين تصريحا أو تلميحا، وعدم الرد بالوكالة على الغير ظنا منه أنه يقدم خدمة للشخص الممدوح، وهو في حقيقة الأمر يسمم العلاقات الإنسانية ويقوض الروابط المشتركة.
عدم تفويت مصالح كبرى، فأحيانا تجد المادح همه الأساس هو إرضاء ممدوحه ولو على حساب مصالح كبرى؛ مثل ما وقع في الآونة الأخيرة من مدح بعض التلاميذ لأساتذتهم وشيوخهم الذين حشروا أنفسهم في سجال التطبيع الإمارتي الإسرائلي دون ترو أو موازنة بين المصلحة الشخصية والمصلحة الكبرى المتمثلة في مؤازرة كل المناهضين للتطبيع والمدافعين عن الحق المشروع للشعب الفلسطيني الأبي. والموازنة ها هنا أثناء المدح تتطلب حسن اختيار الظروف، ومراعاة السياق المحلي والدولي، وعدم الانجرار بحماسة لتدبيج مقال، أو تأليف كتاب في مدح من أصبح يشار إليه بالبنان في خدمة أجندة أطراف تفسد أكثر مما تصلح، وتمزق أكثر مما تجمع.
إن مدح أصحاب العلم والفضل والسبق الحسن في حالات السواء، هو من شيم الأوفياء النبلاء، وعنوان للاعتراف الجميل بالمجهودات الجبارة التي سيرويها الآباء للأبناء، لكن في حالة القيام بذلك ولو من قبل أصحاب النوايا الحسنة في الظروف الاستثنائية، فلابد من استحضار الضوابط الشرعية والتوجيهات السديدة لأصحاب العقول الراشدة والهمم العالية، سعيا إلى عدم تعزيز مبادارات المفسدين وشرعنة اتفاقات المطبعين، أو في الحد الأدنى النأي بالنفوس الطيبة من الوقوع في شبهة المدح تحت الطلب. وعلى من وقع لا قدر الله في شيء من ذلك، فعليه أن لا يغضب إذا رد المدح عليه، بل عليه أن يفرح بذلك، إذ هو نوع من إهداء العيوب، والدلالة على الطريق السوي؛ طريق أهل المبادئ الراسخة، الثابتين على الحق، الذين لا يضيرهم من خالفهم من أهل زمانهم بغير مسوغ شرعي أو واقعي معتبر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.