تعتبر الصحة النفسية والعقلية مكون أساسي للصحة العامة للأفراد وشرط أساسي للعيش الكريم، فإذا انطلقنا من تعريف منظمة الصحة العالمية لمفهوم الصحة النفسية باعتبارها: "حالة من اكتمال السلامة بدنيا وعقليا ونفسيا واجتماعيا وليس انعدام المرض أو العجز"، نستنتج أن منظور المنظمة هو منظور شمولي أكد على جودة الحياة للإنسان في احتياجاته المتعددة البدنية والعقلية والنفسية والاجتماعية، وبذلك فمنظمة الصحة العالمية تحث الدول على توفير جودة الحياة لمواطنها باعتماد سياسات عمومية وبرامج ذات الصلة، والصحة النفسية كما يعرفها علماء النفس حالة من التوازن النفسي الناتج عن الثبات الانفعالي والتحلي بالمرونة النفسية، وتتجلى في ادراك القدرات الذاتية والقدرة على التكيف مع حالات الضغط النفسي التي تمليها الأحداث و المواقف مثل البطالة أو المرض او فشل العلاقة العاطفية أو ما نعيشه اليوم في ظل جائحة كورونا، والطوارئ الصحية. كما يشمل التعريف انتاج الفرد واسهامه في المجتمع، وبذلك يحيل مفهوم الصحة النفسية في الجانب الذاتي إلى الشعور بالطمأنينة والأمان والرضا عن الذات، كما يحيل في الجانب الاجتماعي الى القدرة على التفاعل الاجتماعي والتكيف مع الوضع وحل مشكلته، وهو ما جعل بعض العلماء يجمله في تعبير التوافق النفسي والاجتماعي. إن الاضطراب النفسي يحدث نتيجة مجموعة من العوامل المتداخلة في ما بينها: هناك عوامل بيولوجية ونفسية واجتماعية وليس نتيجة عامل واحد ويمكن التفصيل في العوامل كالتالي: اولا العامل الوراثي: لان الشخص يزداد حاملا لجينات حاملة للمرض ولا يعني هذا انه حتما سيقع في الاضطراب، بل ان هذا العامل الوراثي سيقوي فقط من استعداد الشخص للإصابة بالمرض إذا توافرت عوامل اخرى سناتي على تفصيلهاز فلقد اثبتت الدراسات السريرية التي تمت خاصة على الاكتئاب و الفصام وجود تدخل جيني، حيث تزداد احتمالية الاصابة بمثل هذه الاضطرابات في حالة وجود أحد الاقارب من الدرجة الاولى قد عانى من احد هذه الاضطرابات. ثانيا: عامل عضوي نتيجة حدوث مشاكل في المخ باعتباره مركز عمل جسم الانسان والمسؤول عن التفكير والذكاء والذاكرة والسلوك، وقد يصاب المخ بخلل نتيجة حادث معين قبل الولادة او بعدها، أو تعرض الشخص لأمراض في مرحلة الطفولة او المراهقة او نتيجة تناول المخدرات، اذ بينت الدراسات الحديثة ان الشخص المدمن على المخدرات معرض خمس مرات اكثر من غيره للإصابة بالفصام. ثالثا: العامل البيئي ويتعلق الامر بتفكك الاسرة التي ينتمي اليها الفرد والاحداث التي تعرض لها في مساره الدراسي وعلاقاته مع أصدقائه، إضافة إلى المعنى الذي يمنحه الفرد لكل هذه الاحداث خاصة في مرحلة الطفولة والمراهقة رابعا: العامل الاجتماعي مثل التعرض للعنف او البطالة او فشل في العلاقات العاطفية او الكوارث الطبيعية، او مثل ما نمر به اليوم جائحه كوفيد19 والحجر الصحي المصاحب لها كإجراء وقائي. خامسا: الهشاشة النفسية ان الهشاشة النفسية هي القابلية للانجراح النفسي الذي يتشكل للبعض دون غيرهم اذا تعرضوا لنفس العوامل التي سبق ذكرها من خلال المعنى السلبي الذي يمنحونه لتاريخ الاحداث و الصدمات والوقائع، وهو ما يجعل الفرد اضافة للعوامل السابقة لديه قابلية للإصابة بالاضطراب النفسي من غيره اذا واجه ضغطا نفسيا عاليا عند كبره حيث سيشكل هذا الاخير عاملا محفزا لظهور الاضطراب. تجاوز علم النفس الحديث مفهوم المرض النفسي الى مفهوم الاضطراب النفسي وتحديدا اضطرابات الشخصية مثل الاكتئاب والقلق العام والوسواس القهري والرهاب الاجتماعي واضطراب الهلع والفصام، وغيره من انواع اضطراب الشخصية . والاضطراب: هو انحراف في الادراك والسلوك يصاحب بتغيير في المشاعر مثل الضيق او الحزن او الغضب الشديد، حيث يحد كل هذا من استمرار الحياة في شكلها المعتاد. و من اهم الاعراض التي قد يلاحظها الشخص ويلاحظها حتما محيطه العائلي: أولا: اعراض جسدية مثل اضطراب النوم، اضطراب الاكل، الم الراس، خفقان القلب، تنمل الاطراف، انخفاض الصوت وغيره. ثانيا اعراض معرفية او فكرية مثل ظهور افكار شاده وسوداوية او نظرة التشاؤم للمستقبل او افكار انتحارية او رؤية او سماع اشياء لا يراها الاخرون وغيره من الافكار ثالثا: اعراض عاطفية كالشعور بالحزن العميق او الخوف او القلق. رابعا: اعراض سلوكية مثل الانطواء أو إهمال نظافة الجسد أو عدم الإحساس بالمتعة أو عدم القدرة على الخروج من المنزل او الاندماج في المدرسة او العمل او عدم القدرة على اداء الاعمال اليومية المعتادة والادمان على المخدرات. كما ينبغي التمييز بين نوعين من الاضطراب النفسي: أولا: الاضطراب العقلي والذي يصطلح عليه في الادبيات النفسية بالذهان، وهو اضطراب يرتبط بالجهاز العصبي حيث يحدث خلل في كيمياء المخ وبذلك يفقد صاحبه الادراك الكلي او الجزئي لذاته وللواقع، ومن بين الاضطرابات التي تنتمي الى هذا القسم نجد على سبيل المثال الفصام والاكتئاب الحاد والاكتئاب ذو القطبين، وهذه الأمراض لا علاقة لها بالإيمان في حد ذاته او بدرجة ايمان الشخص، او مستوى ادائه للشعائر، وبالتالي فالعلاج الدوائي امر ضروري ومستعجل. ثانيا: الاضطراب النفسي والذي يصطلح عليه في الادبيات النفسية بالعصاب حيث لا يفقد الشخص ادراكه لذاته ولواقعه، بل يعي تمام الوعي الاعراض المرضية التي تطرا عليه ويكون علاجه عبر الجلسات النفسية وهنا يمكن القول ان الايمان بالله وممارسته للشعائر قد تقي الشخص من الوقوع في الاضطراب او تخفف من درجته لكون الجانب الديني يقوي المعنى الايجابي للحيا ة ككل وللوقائع اذا تم تدعيمه من طرف الأسرة والمحيط الاجتماعي، فالإيمان يمنحنا معنى عميقا وايجابيا للحياة، و يقوي الرغبة في الإنتاج، كما ان الايمان يدفع في اتجاه عدم التمركز حول الذات والتواضع وعدم الشك بالأخر وحسن الظن به والتجاوز على اخطائه، اضف الى ذلك ان الايمان يدفع الشخص لتجاوز التركيز على اخطاء الذات من خلال الاستغفار والتخفيف من القلق خاصة قلق الموت، لان الموت حسب المعتقد الديني هو انتقال للنظر في وجه الله عز وجل ولقاء نبيه صلى الله عليه وسلم ، والايمان يمنح أيضا الفرد استراتيجية التأقلم من خلال الصبر واحتساب الأجر للأحداث السيئة مثل ما نعيشه اليوم في الحجر الصحي فيقول مثلا: " الصبر على الأذى، والايمان بالقدر خيره وشره".