بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته أجمعين أما بعد: في ظل هذه الظروف العصيبة التي تعيشها البشرية على الصعيد العالمي، يجدر بالمسلم أن يتعرف على ما نقله علماء المسلمين فيما يخص مثل هذه الأوبئة الفتاكة التي استعصي علاجها، رغم ما بلغه العقل البشري، والبحث العلمي اليوم في اكتشاف الأدوية من خلال تطور النظريات العلمية والبحوث الميدانية في ميدان الطب. في هذا الإطار تأتي هذه الورقة لتعرف ببعض ما كان لعلمائنا من دور فعال في مناقشة مثل هذه الأوبئة الطارئة فتناولتها من خلال المطالب التالية: – التعريف بالطاعون والفرق بينه وبين الوباء. – سبب حدوث الطواعين. – الموقف العملي عند الصحابة من حدوث الطاعون. – حكم الخروج من بلد فيها طاعون أو وباء. – بعض الحكم المذكورة من النهي الوارد عن الخروج من بلد بها طاعون. المطلب الأول: التعريف بالطاعون، والفرق بينه وبين الوباء من خلال التأمل في التعاريف التي وضعها علماء اللغة وعلماء الفقه وعلماء الطب، أمكن لنا أن نعرف الطاعون بأنه: عبارة عن مادة سمية تنتج عن طعن الجن للإنس فتحدث أوراما في جسده، كالحبات والقروح، مع هيجان الدم وانصبابه في العضو أو في البدن كله. والفرق بينه وبين الوباء يتجلى فيما يلي: – أن الوباء مرتبط بتلوث الهواء، بينما الطاعون يرتبط أساسا بالأبدان، أو بعضو من الأعضاء يحدثه الجن. – أن الوباء إذا انتشر يكون عاما في البلدان نظرا لارتباطه بالهواء، بينما الطاعون يكون فقط في جهات معينة و التي وقع فيها. – أن الوباء يكون مع فساد الهواء، بينما الطاعون قد يكون في أعدل الفصول واصح البلاد هواء وأطيبها ماء. – أن الوباء وضع لنقاش الأطباء والعلماء منذ زمان لأنه كان في متناول قواعدهم، بينما الطاعون لم يتعرضوا لمناقشته لكونه يدرك بالشرع لا بالعقل. – أن الطاعون لا يرتبط بالضرورة بالهواء، لأنه لو كان كذلك لكان يعم البشر والحيوان، وإنما يرتبط فقط بالأجسام، ولذلك فهو قد لا يتعدى من شخص لآخر، ولو مع الاختلاط والتقارب، غير أن الطواعين غالبا ما تكون في زمان الأوبئة ومن ثم أطلق عليها العلماء وباء. فالوباء إذن يكون عاما لارتباطه بالجو والهواء ولهذا قال العلماء: أنه يقصم الروح، ويقطعها، كما تقطع روح الذبيحة، وتكثر معه الأمراض والأسقام، بينما الطواعين عبارة عن طعن جني يحدث من داخل الإنسان، فيحدث أوراما في خارج الجسد، وهو أمر غيبي يدرك بالشرع لا بالعقل، وإلى هنا يمكن أن نتساءل عن الأسباب الدافعة إلى مثل حدوث هذا الوباء أو هذا الطاعون؟ المطلب الثاني: سبب حدوث الطاعون أو الوباء إذا تأملنا في الأحاديث الواردة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – والوقائع التاريخية المرتبطة بالأوبئة والطواعين، أمكن لنا أن نصنف الأسباب المؤدية إلى وقوعها إلى سببين رئيسيين: 1– السبب الغيبي: وهو طعن الجن للإنس، وهو ما سماه النبي – صلى الله عليه وسلم – (وخز الجن) بفتح الواو وسكون الخاء، كما روى الإمام أحمد أن النبي – صلى الله عليه وسلم- قال: فناء أمتي بالطعن والطاعون قيل: يا رسول الله هذا الطعن قد عرفناه، فما الطاعون؟ قال: وخز أعدائكم من الجن، وفي كل شهادة. في هذا الحديث يبين النبي- صلى الله عليه وسلم- كيف أن الطاعون عبارة عن وخز الجن: أي طعن الجن للإنس، وسمي (وخزا) لكونه يقع من داخل الجسد فيؤثر في خارجه بالقروح والحبات، وانصباب الدم وانتفاخ البدن. وفي قوله – صلى الله عليه وسلم – في الحديث ( وخز أعدائكم) دليل على أن هؤلاء الجن الطاعنين للإنس كفار، إلا أنه ورد في بعض روايات الحديث ( وخز إخوانكم) بدل ( أعدائكم ) كما عند ابن الأثير تبعا للهروي، لكن الحافظ ابن حجر أنكر الرواية بهذا اللفظ قائلا: لم أرها في مسند من مسانيد الأحاديث الصحيحة مع التتبع الطويل، هذا إضافة إلى ما جاء في الحديث، من أن الطاعون لا يدخل المدينة، مما يعني أن هؤلاء الجن الطاعنين في الأنس ليسوا مؤمنين، إذ لو كانوا كذلك لكان الطاعون قد دخل المدينة. 2- السبب الأخلاقي: سميته السبب الأخلاقي لكونه يحدث عندما ينعدم الوازع الأخلاقي عند البشرية، فتنتشر الفواحش، ويشيع الزنا والربا والظلم، كما روى الشيخان في صحيحيهما، ومالك في الموطإ، والترمذي في سننه، وأحمد في مسنده، وابن حبان في صحيحه، واللفظ للبخاري، عن سعد بن أبي وقاص أنه سمع أسامة بن زيد يحدث سعدا أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- ذكر الوجع فقال: رجز أو عذاب عذب به بعض الأمم، ثم بقي منه بقية، فيذهب المرة ويأتي الأخرى، فمن سمع به بأرض فلا يقدمن عليه، ومن كان بأرض وقع بها فلا يخرج فرارا منه . وبلفظ آخر عند مالك (قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: رجز أرسل على طائفة من بني إسراءيل، أو على من كان قبلكم، فإذا سمعتم به بأرض فلا تدخلوا عليه، وإذا وقع بأرض فلا تخرجوا فرارا منه. يتبين من هذا الحديث أن الطاعون عذاب عذبت به أقوام من بني إسراءيل وغيرهم بسبب ما انتشر بينهم من فاحشة الزنا، كما رواه الطبري بما مخلصه (من قصة بلعام ) أن رجلا اسمه بلعام، كان مجاب الدعوة بأرضه، فجاء موسى في بني إسراءيل مقبلين إلى أرضه، فطلب منه قومه أن يدعو على بني إسراءيل هؤلاء، فقال لهم: حتى أؤامر ربي، فمنع، فأتوه بهدية فقبلها، وسألوه ثانيا، فقال: حتى أؤامر ربي، فلما لم يرجع بشيء قالوا له: لو كره لنهاك، فدعا عليهم، فصار يجري على لسانه لقومه ما يدعو به على بني إسراءيل، فلاموه على ذلك، فقال لهم: سأدلكم على ما فيه هلاكهم، فأمرهم أن يرسلوا النساء إلى معسكر بني إسراءيل، ويأمروهن أن لا يمتنعن من أحد، فكان ممن خرج من النساء بنت ملكهم اسمها (كشتا) بفتح الكاف وسكون الشين، فأرادها رجل من بني إسراءيل اسمه (زمري) بكسر الزاي وسكون الميم، فأخبرها بمكانه، فمكنته من نفسها، فوقع بسبب زناهما طاعون في بني إسراءيل، فمات منهم بسببه سبعون ألفا في يوم. أما في غير بني إسراءيل، فقد روى الطبري أيضا من طريق سعيد بن جبير أن موسى أمر بني إسراءيل أن يذبح كل رجل منهم كبشا، ثم ليخضب كفه في دمه، ثم ليضرب به على بابه، ففعلوا، فسألهم القبط عن ذلك فقالوا: إن الله سيبعث عليكم عذابا، وإنما ننجو منه بهذه العلامة، فأصبحوا وقد مات من قوم فرعون سبعون ألفا، فقال فرعون بعد ذلك لموسى: "ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنومنن لك ولنرسلن معك بني إسراءيل". ويؤيد هذا المعنى ما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من الأحاديث تبين أن سبب الأوبئة والطواعين انتشار فاحشة الزنا والظلم، من ذلك ما رواه ابن ماجة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم. ولهذا الحديث شاهد في الموطإ بلفظ: ما فشا الزنا في قوم إلا كثر فيهم الموت. وعند الإمام أحمد بلفظ: لا تزال أمتي بخير ما لم يفش فيهم ولد الزنا، فإذا فشا فيهم ولد الزنا أوشك أن يعمهم الله بعقاب. قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: ففي هذه الأحاديث أن الطاعون قد يقع عقوبة بسبب المعصية. فالطاعون – إذن – عذاب ينزل مرة بعد أخرى وقد يكون بسبب انتشار فاحشة الزنا والظلم في الأرض حتى في أمة محمد – صلى الله عليه وسلم – والدليل على ذلك وقوعه بالشام في خلافة سيدنا عمر، مما عرف بطاعون عمواس، فكيف – إذن- تعامل الصحابة مع هذا الطاعون الواقع في الشام؟ المطلب الثالث: الموقف العملي عند الصحابة في التعامل مع طاعون عمواس عرف في تاريخ الإسلام ما اشتهر بطاعون عمواس الواقع في خلافة سيدنا عمر بن الخطاب بمدن الشام، كما جاءت في ذلك الرواية عند البخاري بما ملخصه: أن سيدنا عمر بن الخطاب خرج مقبلا إلى الشام، حتى بلغ (سرغ) فلقيه أبو عبيدة ومن معه، فأخبروه أن بالشام طاعونا، فدعا عمر من معه من المهاجرين والأنصار يستشيرهم: هل يواصل المسير إلى الشام أم يرجع؟ فاختلفوا، فدعا من معه من مشيخة قريش، فأشاروا عليه بالرجوع متفقين، فعزم على أن يرجع، فقال له أبو عبيدة: أفرارا من قدر الله . فأجابه عمر مستغربا: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة ثم قال: نعم. نفر من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت لو كان لك إبل هبطت واديا له عدوتان، إحداهما خصبة، والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله ؟ وهكذا فبينما الصحابة يتحاورون في هذا الموقف الاستشاري، وإذا بعبد الرحمن بن عوف- وقد كان غائبا- يتدخل ليعلن ما عنده من علم الله تعالى في النازلة فيقول: إن عندي في هذا علما سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه. فحمد الله عمر ثم انصرف. نلاحظ من خلال هذا الحدث التاريخي كيف أن الصحابة اختلفوا حول نازلة الدخول إلى الشام و بها طاعون، نظرا لغياب النص، لكن ماذا كان موقفهم لما سمعوا الحديث الصريح في النهي عن الدخول إلى بلد بها طاعون؟ لاشك أن حسن الظن بالصحابة – رضي الله عنهم- ومقتضى عادتهم في التعامل مع الأوامر النبوية يوجب أن يمتثلوا هذا الأمر، فيرجعوا إلى حيث كانوا، لكن قد يشكل هنا ما ورد عن سيدنا عمر أنه ندم على الرجوع، كما روى القاسم بن محمد عن عبد الله بن عمر انه قال: جئت عمر حين قدم، فوجدته قائلا في خبائه، فانتظرته في ظل الخباء، فسمعته يقول حين تضور: اللهم اغفر لي رجوعي من سرغ. فندم عمر- إذن- على الرجوع الثابت بسند قوي كما قرر ذلك الحافظ ابن حجر، خلافا لمن ضعفه كأبي العباس القرطبي في مفهومه قائلا: لا يمكن أن يندم عمر على ما أمره الله به ورسوله. فلماذا ندم عمر – إذن – على هذا الرجوع؟ هل لأن النهي الوارد في الحديث لم يكن للتحريم ؟ أم لأن عمر ندم على كونه لم يختر الدخول متوكلا على الله بدل أن يرجع؟ أم لأن خروجه إلى الشام كان في الأصل لحاجة المسلمين فلا يشمله النهي؟ حكى الإمام البغوي في شرح السنة عن قوم انهم حملوا النهي على التنزيه، وأن القدوم على بلد بها طاعون جائز لمن غلب عليه التوكل، والانصراف رخصة. ويؤيد هذا ما ورد عند ابن خزيمة بسند صحيح عن هشام بن عروة عن أبيه أن الزبير بن العوام خرج غازيا نحو مصر، فكتب إليه أمراء مصر أن الطاعون قد وقع فقال: إنما خرجنا للطعن والطاعون، فدخلها فلقي طعنا في جبهته، ثم سلم. بينما رأى ابن حجر تفسيرا آخر لسبب هذا الندم فقال: ويحتمل – وهو أقوى- أن يكون سبب ندمه أنه خرج لأمر مهم من أمور المسلمين، فلما وصل إلى قرب البلد المقصود رجع مع أنه كان يمكنه أن يقيم بالقرب من البلد المقصود إلى أن يرتفع الطاعون فيدخل إليها، ويقضي حاجة المسلمين، ويؤيد ذلك أن الطاعون ارتفع عنها عن قرب فلعله كان بلغه ذلك فندم على رجوعه إلى المدينة لا على مطلق رجوعه، فرأى أنه لو انتظر لكان أولى لما في رجوعه على العسكر الذي صحبه من المشقة، والخبر لم يرد بالأمر بالرجوع وإنما ورد بالنهي عن القدوم والله أعلم. والحاصل أن الصحابة إذا كانوا قد رجعوا عن الدخول إلى الشام لما بها من الطاعون وأن عمر -وهو خليفة المسلمين يومئذ- قد ندم على هذا الرجوع، مع أنه قد بعث قبل ذلك إلى أبي عبيدة يدعوه إلى الخروج من الشام . فما الذي يدل عليه هذا الموقف الصحابي إزاء هذه النازلة؟ المطلب الرابع: حكم الخروج من بلد بها طاعون لاشك أن ظاهر النهي الوارد في الحديث عن الخروج من بلد بها طاعون صريح في التحريم، وهو الراجح عند الفقهاء الشافعية وغيرهم، قال الحافظ ابن حجر: ويؤيده ثبوت الوعيد على ذلك، فأخرج أحمد وابن خزيمة من حديث عائشة مرفوعا ( قلت يا رسول الله فما الطاعون ؟ قال غدة كغدة الإبل، المقيم فيها كالشهيد، والفار منها كالفار من الزحف. وله شاهد من حديث جابر رفعه ( الفار من الطاعون كالفار من الزحف والصابر فيه كالصابر في الزحف. وقال أبو عبد الله القرطبي في تفسيره: وبمقتضى هذه الأحاديث عمل عمر والصحابة – رضوان الله عليهم- لما رجعوا من (سرغ) حين أخبرهم عبد الرحمن بن عوف بالحديث على ما هو مشهور في الموطإ. على أن القاضي عياض نقل جواز الخروج من بلد بها طاعون عن جماعة من الصحابة، منهم أبو موسى الأشعري والمغيرة بن شعبة ومن التابعين الأسود بن هلال ومسروق. ومنهم من ذهب إلى أن الخروج مكروه فقط، وليس حراما. وهكذا نقل الخلاف عن الصحابة في حكم الخروج إلى بلد بها طاعون كما لاحظنا اختلافهم حول الدخول إلى الشام في حادثة طاعون الشام، ولعل سبب هذا الاختلاف اختلافهم في الحكمة التي من أجلها ورد النهي الوارد في الحديث: هل هو للخوف من العدوى ؟ أم للخوف من التلفظ بما ينافي عقيدة القضاء والقدر؟ أم فقط لمجرد الفرار؟ ورد عن أبي موسى الأشعري – وهو ممن نقل عنهم الجواز كما رأينا مع القاضي عياض- انه قال: إن هذا الطاعون قد وقع، فمن أراد أن يتنزه عنه فليفعل واحذروا اثنتين: أن يقول قائل: خرج خارج فسلم وجلس جالس فأصيب، فلو كنت خرجت لسلمت كما سلم فلان ولو كنت جلست أصبت كما أصيب فلان. نلاحظ من خلال كلام أبي موسى الأشعري أن من قال بجواز الخروج اشترط أن لا ينتج عنه ما قد يتنافى مع عقيدة القضاء والقدر حتى يظن الخارج أن الخروج هو سبب النجاة والجلوس سبب الإصابة. لكن الظاهر أن الحكمة هو مجرد الفرار، إذ الفرار في الغالب يكون مع الخوف من العدوى وعدم الاستسلام للقضاء والقدر، هذا مع أنه هو العلة المصرح بها في الأحاديث التي ورد فيها النهي، والتي شبه فيها تشبيه الفرار من الطاعون بالفرار من الزحف كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: فلا تخرجوا فرارا منه. ومن هنا قسم العلماء حالات الخروج من البلدة التي بها طاعون بالنسبة لاندراجها تحت النهي إلى ثلاث صور: أحدها: أن يكون الخروج لقصد مجرد الفرار فهذه مندرجة تحت النهي. ثانيها: أن يكون الخروج في الأصل لقضاء حاجة ثم أثناء التجهيز للخروج يطرأ وقوع الطاعون، فهذا لم يقصد الفرار أصلا، فلا يندرج تحت النهي. ثالثها: أن يكون الخروج في الأصل لحاجة، فينضم إليه قصد الراحة من الإقامة في البلد الذي وقع بها طاعون، كمن يخرج من بلد لا يناسبه هواه فيريد أن ينتقل إلى بلد آخر، وفي هذا اختلف العلماء هل يندرج تحت النهي أم لا؟ فمن نظر إلى صورة الفرار بغض النظر عن غير ذلك قال بأنه مندرج تحت النهي. ومن نظر إلى أنه حالة مستثناة من الخروج المنهي عنه، وهو الذي كان لأجل الفرار قال بعدم اندراجه تحت هذا النهي، وعلى هذا يحمل دعوة عمر لأبي عبيدة للخروج من الشام لما حدث بها الطاعون وامتناع أبي عبيدة عن الخروج، لاحتمال أن تكون لعمر حاجة بأبي عبيدة ، وظن أبو عبيدة أن عمر يريد منه أن يفر من الطاعون فامتنع. المطلب الخامس: بعض الحكم المذكورة في النهي عن الخروج من بلد بها طاعون من هذه الحكم التي ذكرها علماؤنا ما يلي: – أن الطاعون ربما كان عاما في البلدة التي وقع بها وقلما يسلم الخارج منها فيكون خروجه – إذن- عبثا. – أن الناس الأقوياء لو تواردوا على الخروج جميعا ربما بقي الضعفاء عاجزين فتضيع مصلحتهم لفقد من يتعهدهم. – أن أمزجة الناس تتكيف بهواء البقعة الموبوءة حتى تصير لهم كالأهوية الصحيحة لغيرهم وربما لو خرجوا إلى بلد آخر لم يوافقهم هواه لما ألفوه من ذلك الهواء الموبوء. – أن الخارج ربما قال: أصيب فلان فلو خرج لسلم أو يقول: سلم فلان فلو بقي لأصيب. الخاتمة: نستنتج من خلال هذا العرض أن الأوبئة لها ارتباط بالهواء بينما الطاعون عبارة عن طعن جني للإنس يحدث بجسده أوراما تسبب في قتله. وهذه الأوبئة التي غالبا ما تصاحبها الطواعين تكون في غالب الأحوال عذابا تعذب بها البشرية كلما انتشرت فيها الفواحش والظلم والمنكر كما دل على ذلك الوقائع التاريخية وأكدته الأحاديث النبوية. كما أنه في نفس الوقت يكون قدرا من الله يجب على العبد أن لا يخرج من بلد وقع بها اغترارا واعتمادا على الفرار في السلامة والنجاة. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. لائحة المراجع: – فتح الباري لابن حجر – تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن لأبي عبد الله القرطبي – المفهم في شرح مسلم لأبي العباس القرطبي