من حق قارئ العنوان أعلاه، أن يستغرب ويتساءل: عن أية مزايا يتحدث كاتب المقال؟ وأية مزايا لوباء عالمي، حصد أرواح الآلاف، وأصاب مئات آلاف آخرين؟ أي محاسن لوباء أوقف عجلة اقتصاد العالم، وأربك حياة ملايير الناس في القارات الخمس؟ وهل العنوان جاد ومسؤول؟ أم هو من باب الهزل والتندر؟ أم من باب الاستهتار والاستخفاف والتشفي؟. أقول للقارئ الكريم: ليس من باب هذا ولا ذاك، العنوان ليس فيه تندر ولا استخفاف ولا تشف من أحد، حاشى لله، إذ لست من أهل تلك الرذائل والأخلاق في ظروف الحياة العادية، فضلا عن أن أقع فيها في مثل هذه الظروف العصيبة الحرجة، وإنما القصد أن وباء كورونا، منحة من الله في ثوب محنة، ونعمة في طي نقمة، وابتلاء باطنه الرحمة وظاهره العذاب، لأنه – ببساطة – من أمر الله وقدره، والله لطيف بعباده، وهو القائل سبحانه: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ سورة البقرة، الآية 216.والقائلعزّ وجلّ: ﴿فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً﴾ سورة النساء، الآية 19. قدر كورونا، سيكون له ما بعده، إن شاء الله، وسينتج من التداعيات العميقة والآثار الاستراتيجية، ما يجعله في صالح المسلمين والبشر جميعا بحول الله، وإليك البيان في العناصر الآتية: أولا: قدر كورونا فرصة للبشر، كي يراجعوا أنفسهم، ويعيدوا حساباتهم، ويقلعوا عن غرورهم وطغيانهم وكبريائهم، الناتج عما حققوه في عالم الصناعة والتكنولوجيا والبحث العلمي، مما أغواهم وجعلهم يتوهمون امتلاك أمرهم، واستقلالهم بشؤونهم، واستغناءهم عن خالقهم، فبعث الله إليهم جنديا مجهريا من جنوده، لا يتجاوز حجمه جزءا من مليون جزء من الميليمتر، ليظهر لهم عجزهم، ويبين لهم ضعفهم، ويعيدهم إلى حجمهم وقدرهم الحقيقي، ويذكرهم أن مالك الملك وصاحب الأمر في هذا الكون، إنما هو الله سبحانه وحده لا شريك له. ثانيا: قدر كورونا فرصة نادرة للبشر، لمعرفة نعم الله الكثيرة عليهم، في الأمن والاستقرار والرخاء، فيستدلوا بالنعم على المنعم، ويدركوا أنها من فضل الله عليهم، ومن إحسانه لهم، لا من كسبهم ولا مما عملت أيديهم، فيخرجوا من منطق الكفر القاروني﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي﴾ سورة القصص، الآية: 78، إلى منطق الشكر النبوي: ﴿هَٰذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾ سورة النمل، الآية 40. ثالثا: قدر كورونا، فرصة سانحة للبشر، كي يتحرروا من أنانيتهم وفردانيتهم، ويحيوا قيم التعاون والتراحم والتعارف والإخاء الإنساني فيما بينهم، وكي يتذكروا إخوانهم المستضعفين المضطهدين، الذين يعانون الخوف والجوع والمرض والتشرد، تحت رحمة القهر والاستبداد والاضطهاد والحروب، عملا بآية التعارف الإنساني في سورة الحجرات: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ سورة الحجرات، الآية 13. رابعا: قدر كورونافرصة تاريخية للبشر، كي يتداركوا أمرهم، ويعيدوا حساباتهم، ويرتبوا أولوياتهم، في تدبير مواردهم المالية وإمكانياتهم المادية، فيوجهونها صوب المجالات النافعة والقطاعات الهامة، مثل الصحة والتعليم والبحث العلمي، ويكفوا عن تبذيرها في إنتاج وسائل الدمار المادي والخراب الأخلاقي، عملا بقوله تعالى: ﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾سورة النساء، الآية 5. خامسا: قدر كورونا، فرصة لبناء نظام عالمي جديد، أكثر عدلا وتوازنا وديموقراطية، يقوم على تعدد الأقطاب، بدل نظام القطب الأمريكي الواحد، القائم على الهيمنة والغطرسة، وعلى الحروب والفوضى، وعلى الرأسمالية والليبرالية المتوحشة، والذي تنكر لكل القيم السماوية والأرضية، وأدار ظهره لكل الأعراف الإنسانية والقوانين الدولية. سادسا:قدر كورونافرصة لظهور دور القيم والأخلاق في الحياة، وفرصة لانتصار القيم الإسلامية على القيم الليبرالية، والمبادئ السماوية على الشرائع الأرضية، روحيا وأسريا واجتماعياوإنسانيا، بدليل اعتراف الغربيين بقوة الإسلام، وتضمنه تعاليم عظيمة، في النظافة والوقاية والعزل الصحي والتداوي، إلى جانب التوكل والتضرع والدعاء، وإدراك حكومات الغرب بدور الأذان والقرآن في تقوية عزائم الناس ورفع معنوياتهم، وما لوحظ من تفاعل غير المسلمين مع الأذان والقرآن، بل ودخول كثير منهم في الإسلام.