خلق الله الإنسان لغاية تسمو على الأكل والشرب والإنتاج، وجعلت هذه المشاغل لغرض الاختبار والابتلاء وليتخذ الناس بعضهم بعضا سخريا وليقوم هذا المشهد بكل تفاصيله… تداركت الرحمة الإلهية الإنسان فخاطبته وعلمته كيف يعيش، من الألواح التي نزلت على موسى إلى القرآن العظيم الذي أوتيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وكان في هذه الكتب كل ما يحتاجه الناس {وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء}. وبالطبع فإن قوى الظلام التي واجهت النور منذ الأزل لا تزال تؤدي دورها المنوط بها والذي تقلده إبليس بقوله {أنظرني إلى يوم يبعثون} ولا زالت رحمة الله منذ الأزل تعمل على إخراج الناس من الظلمات إلى النور {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور، والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات}. وهذه المعركة تأخذ صورا وأشكالا متنوعة، ومن هذه الأشكال أن تتم محاصرة النور ليبقى في المسجد فقط، وهي المناورة التي تتبانها العلمانية بحيث لا يبقى لأحكام الله دور في الحياة، تحت مسمى الحرية الشخصية والتي مؤداها أن لا حق لله في هذه الأرض ولا حدود له تحفظ، ولا وصايا له تحترم، وهي التي طالب بها قوم شعيب حين استنكروا عليه تدخله في المعاملات المالية ونهيه لهم عن أن يفعلوا في أموالهم ما يشاؤون {يا شعيب أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء}؟ صفات العلمانيين تتوافق إلى حد كبير مع صفات المنافقين في القرآن، ولذلك يمكن أن تستنتج الكثير من مواقفهم وردود أفعالهم بتتبع آيات المنافقين في القرآن، ومن ذلك أنهم يسبون المؤمنين بالصفات المنطبقة عليهم {أنؤمن كما آمن السفهاء، ألا إنهم هم السفهاء} ومن ذلك أنهم يصفون المؤمنين بالظلاميين وهو ألصق الأوصاف بهم، فهي عادة قديمة أن يرمي أهل الباطل أهل الحق بما يستشعرون أنه وصف لهم. الله هو نور السماوات والأرض، وكل من ابتعد عنه وقع في الظلام، وكل من اقترب منه فهو منور ومستنير وتنويري، هذا هو المنطق الصحيح، ولذلك فإن استخدامهم لهذه الكلمة "الظلامي" هو مجرد تنابز بالألقاب، وإلا فلا علاقة منطقية بين كلمة "ظلامي" وبين حال المؤمن الوضيء الوجه الأبيض القلب النقي الثياب الطيب الكلام الحريص على محاسن الأخلاق، الذي يجتنب الزنا والخمر والدخان والكذب والفسق وكل ما له علاقة بالظلم والظلام، بينما هم حتى أماكن لهوهم أماكن مظلمة لا تكون إلا في السراديب ولا يجتمعون بها إلا في الظلام، وكأن الشياطين تجذبهم إلى باطن الأرض حيث مساكنهم ونواديهم. لذلك أطالب العلمانيين بالتخلي عن هذه الأساليب الصبيانية والتوقف عن استخدام هذه العبارات التي ليس لديها أي حد معقول، بل هي من قبيل التخويف والتهويل الذي ينقل الصراع من الفكر إلى السباب. أيتها العلمانية، اتركي السباب وهيا نناقش معك قضاياك التي فتنتك وشغلتك عن الله عز وجل وعن جنته التي عرضها السماوات والأرض، هيا نبدأ من جديد، هل الإنسان حر في هذه الأرض يفعل فيها ما يشاء؟ أم أن هذه الأرض لله وهو عبد مطالب باحترام حقوق الله مالك الملك؟