هوية بريس – السبت 09 ماي 2015 تحدّثنا في مقالنا السابق عن بعض المواصفات القاصرة التي تستهوي الشباب في اختيار شريك الحياة، أغلبها تدور حول تحقيق أغراض شخصية نفعية ما تلبث أن تبوء بالفشل، لعدم التوافق بينهما في تحقيق الهدف المراد من الزواج..! ألا وهي السعادة الزوجية. وقد ذكرنا لكم صفتان تصيب هذا الهدف إذا ما صلحت فيه النيّة: الدّين والجمال. لنردفها اليوم بصفة ثالثة لا تقل أهمية عن سابقتيهما في تحقيق السعادة الزوجية في نظري إنها: عمليّة التّجانس والتّقارب في الطّباع مهمّة هي -أيضاً- في اختيار شريك الحياة، فكلما ارتفع رصيد التوافق في الطباع بين الزوجين إلا وارتفعت معه نسبة النجاح الأسري، ولعلي أضرب لكم ببعض الأمثلة من واقعنا حتى يتضح المراد. شاب من أسرة متديّنة أراد أن يتزوّج، فتقدّم لأسرة غير متديّنة مثلاً..: فإذا لم يكن لديه حكمة في تغيير طباعها ماذا تنتظرون النّتائج…؟ لم لا يتقدّم لأسرة متديّنة توافق طباعه وأخلاقه..؟ وآخر مثلاً…همّه الوحيد في أن يحصل على زوجة مناسبة لكن بمواصفات خاصة في شكلها، فوجد بغيته لكنها تعمل، وبعد زواجه منها اشترط عليها أن تترك العمل فرفضت، فكان عليه أن يبحث عن زوجة ربّة بيت من الأساس توافق طباعه وتتفق مع مبدئه..! وآخر: تزوج من بلد غير مسلم وأراد الاستقرار النهائي في بلده الأم فلم توافقه الزوجة على ذلك، فماذا تتوقعون من الصراعات والخلافات التي تنشب بينهما..؟! وقد يكون ذلك على مسمع ومرأى من الأبناء الذين يجدون أنفسهم على مفترق الطّرق يتبعون الأب أو الأم..؟ فليس هناك توافق في الطباع فكيف تراضوا على هذا الزواج من أوّله؟ ذكر العلماء في ترجمة شريح القاضي -رحمه الله- أنّه جالس الشعبي عامر بن شراحبيل وكلاهما من التّابعين الكبار، فقال له الشعبي: "يا شريح كيف حالك مع أهلك؟ قال: والله يا شعبي تزوجتها منذ عشرين سنة فما رأيت فيها سوءاً قط، قال: له وكيف ذلك؟ قال في الليلة التي دخلت بها رأيت جمالاً نادراً وحسناً فتّاناً أخّاذاً فقلت: لأتطهرنّ وأصلينّ لله تبارك وتعالى شكراً، فقمت فتطهرت وصليت فلما سلّمت وجدتها صلت بصلاتي وسلّمت بسلامي، فمددت يدي نحوها فقالت: على رسلك يا أبا أميّة، فإنّي امرأة غريبة وابتدأت الخُطبة فقالت: "إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره وأصلي وأسلم على محمّد وعلى آله؛ أمّا بعد: فأنت رجل غريب عنّي وأنا غريبة عنك، ولا علم لي بأخلاقك فقل: لي ما تكرهه فأجتنبه، وما تحبه فأفعله وقد ملكت فافعل كما أمرك الله عز وجل (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان)، واعلم أنّه في قومك من كانت كفئاً لك وتستحقك وكان في قومي من كان كفئاً لي ويستحقني، ولكن إذا أراد الله شيئاً فعل، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم… قال: شريح فأحوجتني والله إلى الخُطبة، فقال: "إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره وأصلي وأسلم على محمد وعلى آله؛ أمّا بعد: فقد قلت قولا لو ثبتّ عليه نفعك وإن كنت تدعينه كان حجّة عليك أحب كذا وأكره كذا، فقالت له: وكيف صلتك بأهلي؟ قال: لا أحبّ أن يملّني أصهاري، قالت وجيرانك؟ قال: بنو فلان قوم صالحون، وبنو فلان قوم سوء، قال: وبتّ معها بأنعم ليلة وعشت معها عشرين عاماً ما اختصمت معها إلا مرّة واحدة وكنت ظالماً بها". فما أحسن تلاءم الطّباع بين الزوجين كما رأيتم لتحقيق الهدف السعادة الزوجية فهلا وضع المتزوجون هذا المثل أمام أعينهم..! ومن الأمور المهمّة التي قد لا يعيرها بعض الأزواج اهتماماً قضيّة النّظافة، ممّا يسبّب بعض الإشكالات وعدم تقبّل الطرف الآخر، دخل على الخليفة عمر زوج أشعث أغبر ومعه امرأته وهي تقول: "لا أنا ولا هذا -لا تريده- فعرف كراهية المرأة لزوجها، فأرسل الزوج ليستحم ويأخذ من شعر رأسه وتقليم أظافره، فلمّا حضر أمره أن يتقدّم من زوجته فاستغربته ونفرت منه، ثمّ عرفته فقبلت به ورجعت في دعواها فقال عمر: وهكذا فاصنعوا لهنّ فو الله إنّهنّ ليحببن أن تتزيّنوا لهنّ كما يحبّون أن تتزيّن لكم". فالمرأة تريد منك كما تريد أنت منها في التجمّل والتزيّن وهذا مما يحقق الهدف والسعادة الزوجية. ومن الأمور المتعلقة بالنظافة شرب الدخّان فالبعض لا يستطيع أن يترك هذه العادة، ويعتقد أن على الطرف الآخر أن يتقبّل ذلك دون تأفّف، وهذه الرائحة مزعجة عند الكثير من النّاس، وقد تسبّب عدم التوافق بين الطرفين لذلك أقول لكلا الطرفين عندما يترك أحد الطرفين التدخين فهناك فائدتان: * الفائدة الأولى: حصول الأجر من الله سبحانه وتعالى. * الفائدة الثّانية: زيادة التآلف مع الطرف الآخر. كان هذا مرور سريع على بقيّة الصفات المهمة والتي يتحقق بهما الهدف "السعادة الزوجية"، وبناء جيل مسلم ملتزم بالأخلاق الحميدة، والله أسأل أن يوفق شبابنا لحسن اختيار الزوج الصالح، وأن يجعلهم أزواجاً متحابين على الدين متعاونين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين…والحمد لله رب العالمين. [email protected]