الجدل حول الحق في ارتداء الحجاب في الأماكن العامة لا ينتهي في فرنسا، يتجدد دائما لتسقط باريس في ميلودراما خاصة حول الحجاب الذي يثير الجدل في البلاد. فقد صوّت مجلس الشيوخ الفرنسي في 29 أكتوبر الماضي على مشروع قانون جديد يمنع مرافقات التلاميذ خلال الرحلات المدرسية من ارتداء الرموز الدينية، بأغلبية 163 صوتا مقابل 114 صوتا، في الوقت الذي علّق فيه الرئيس الفرنسي بأن "ارتداء الحجاب في الأماكن العامة ليس شأني، لكن ارتداءه داخل المرافق العامة وفي المدرسة حيث تجري تربية أبنائنا يصبح من شأني". ويستند هذا القرار إلى قانون مارس 2004 الذي يعتمد مبدأ العلمانية في المدارس العامة الفرنسية. وإذا كانت فرنسا تستعد لإنهاء 2019 على خلاف آخر يتعلق بالحجاب، فيجب الإشارة إلى أن الجدل برز من قبل في فبراير بسبب عداءة ارتدت الحجاب من العلامة التجارية ديكاتلون، وتعرضت لضغوط عديدة جعلتها تتخلى عن تسويقه بعد ستة أيام فقط من بدء الخلاف. حالة الاضطراب بسبب قضية ارتداء المسلمات الحجاب تعكس صراعا مجتمعيا تعانيه المحجبات في فرنسا، ربما يظهر في صورة خوف أو تضييق في المواقف الحياتية اليومية. الحجاب والتعليم حالة الرفض للحجاب في المجتمع الفرنسي طالت مجال التعليم في فرنسا، وأثرت على أوضاع الطالبات وأمهات التلاميذ من الجاليات العربية والمسلمة. ففي حوار للجزيرة نت، تقول وسيلة (طالبة دكتوراه في علم الأوبئة) "اخترت ارتداء الحجاب منذ سبع سنوات بقناعتي الفردية، لأنه انعكاس شخصي لديني وروحي، ولم أفكر حتى في العواقب التي قد تترتب على علاقتي مع الآخرين". وتضيف وسيلة "النتيجة التي توصلت إليها فرنسا اليوم، بذريعة ارتداء الحجاب، هي أن المرأة لا يمكنها أن تأمل الحصول على مناصب رفيعة في مجال عملها، ولا تستطيع ممارسة الرياضة أو الذهاب إلى حمام السباحة، وقريبا لا يمكنها مرافقة نزهات المدرسة. أرغب أن يعتبرني الآخر إنسانة وليس "امرأة محجبة"، وأريد أن أعيش في بلد يعيش فيه الجميع معا". تقول إيمان من مدينة ستراسبورغ "أعيش في فرنسا منذ نحو عشرين عاما، وأنا مجبرة على نزع الحجاب عندما كنت طالبة، والآن قبل الدخول إلى المستشفى الذي أعمل به، لكنه من غير المقبول أن أمنع من ارتدائه أثناء الاجتماعات أو الرحلات المدرسية، لأنه من حقي المشاركة مع ابني في أنشطته دون الإحساس بإقصاء أو إحراج من الإدارة وأولياء التلاميذ الآخرين". ورغم أن رشا (وهي طالبة في كلية القانون) غير محجبة فإنها تدعم المحجبات في قضيتهن، إذ تقول للجزيرة نت "يبدو أن مجلس الشيوخ استغل الأحداث الأخيرة لإثارة قضية الحجاب في فرنسا بقوة أكبر. ووراء مفهوم العلمانية تتعرض النساء المحجبات للوصم أكثر من أي وقت مضى من قبل الرأي العام الفرنسي، ويتم الضغط عليهن أكثر لعزل أنفسهن عن المجتمع. ومن ناحية أخرى، فإن هذا النوع من القوانين -الأكثر غوغائية- هو الذي سيضعف التشريع ويشوهه". وتتساءل رشا: "هل الخطوة التالية هي إضافة فصل خاص "بالنساء المحجبات" في القانون المدني؟ وما تداعيات إصدار هذا النوع من القوانين؟ فنحن نتحدث الآن عن هذا الموضوع بالنيابة عن أصحاب هذه الحقوق، دون أن نعرف من هن وماذا عايشن وماذا يعشن. فهل الجمهورية خائفة لهذه الدرجة وغير مقتنعة لتشكك في ولاء مواطنيها بسبب متر واحد أو مترين من القماش على الرأس؟" العلمانية.. تفسيرات عديدة في 11 أكتوبر الماضي، طلب جوليان أودول، رئيس مجموعة التجمع الوطني اليميني المتطرف لمنطقة بورغون فرانش كونته من رئيس المنطقة أن ينزع الحجاب عن سيدة ترافق أطفالا -من بينهم ابنها- في اجتماع المجلس. وأثار هذا الفيديو ضجة كبيرة في وسائل الإعلام. تقول الناشطة الحقوقية ماجدة محفوظ (محجبة) للجزيرة نت "تعتبر فوبيا الحجاب التي اجتاحت فرنسا بعد مصاحبة سيدة محجبة لرحلة مدرسية غير مبررة ومفتعلة من قبل ساسة لا يملكون رؤية لحل مشاكل عميقة في بلدهم؛ فأراد هؤلاء -وهم من اليمين المتطرف في أغلبهم- استحداث عدو وقضية وهمية تسيطر على أفكار الفرنسيين لتشغلهم عن القضايا الحقيقية". وتضيف ماجدة "خرجت لهم هذه المرة نساء مثقفات ومتمسكات بدستور الدولة الذي أقر لكل الفرنسيين -ومنهم المسلمات- حرية الملبس، واستطاعت الفرنسيات أن يعبرن بالمحجبات ولأول مرة إلى فكر المجتمع الفرنسي، ويشعرنه بأنهن جزء لا يتجزأ من الثقافة الفرنسية، وأنهن متمسكات بحقهن في اختيار ما يرتدين في إطار احترام القوانين والدستور". وفي عام 2016، أي قبل أن يعلن عن نفسه كمرشح للانتخابات الرئاسية؛ عبر ماكرون عن رؤيته لمفهوم العلمانية قائلا "في بلدنا، كل شخص حر في ممارسة أو عدم ممارسة الدين، بمستوى الشدة التي يرغب بها، لأن العلمانية حرية قبل أن تكون حظرا". ورأى بعض أعضاء حكومة إدوارد فيليب أن هذا الأمر يمزق "قيمنا"، في حين ينتقد آخرون "الهوس الفرنسي" بالحجاب والإسلام بشكل عام. ثلاث فتيات جامعيات ليلى، وفاطمة، وسميرة، دفعت هذه الأسماء النقاش حول مفهوم العلمانية إلى الواجهة في المشهدين الإعلامي والسياسي عندما توقفن عن الدراسة في كلية غابرييل هادز بكريل في أكتوبر 1989، بناء على طلب مدير الكلية الذي اعتبر أن الحجاب علامة دينية لا تتوافق مع حسن سير العمل في المؤسسة، قائلا "إن هدفنا هو الحد من الإفراط في المظهر الخارجي لأي انتماء ديني أو ثقافي". وإثر ذلك، نددت العديد من الجمعيات الحقوقية بهذا الفعل، وكان من بينها جمعية (SOS Racisme)، التي طالبت بإعادة الطالبات إلى الكلية، مشيرة إلى أنه "من غير الممكن فرض عقوبة على الطلاب بسبب انتماءاتهم الدينية". وبعد ما يقرب من شهر من بدء القضية، تم التوصل إلى اتفاق منح الطالبات الحق في ارتداء الحجاب بمجرد خروجهن من الصف وإزالته قبل الدخول. من جهته، أكد وزير التعليم جان ميشيل بلانكر معارضة هذا القرار، الذي من غير المرجح أن يتم التصويت عليه بالشروط نفسها من قبل الجمعية الوطنية التي تهيمن عليها الأغلبية الرئاسية. المصدر: الجزيرة.