صحيفة إيطالية: المغرب فرض نفسه كفاعل رئيسي في إفريقيا بفضل "موثوقيته" و"تأثيره"    عامل إقليم الجديدة يزور جماعة أزمور للاطلاع على الملفات العالقة    بوريطة: المغرب شريك استراتيجي لأوروبا .. والموقف ثابت من قضية فلسطين    مثل الهواتف والتلفزيونات.. المقلاة الهوائية "جاسوس" بالمنزل    الحسيمة : ملتقي المقاولة يناقش الانتقال الرقمي والسياحة المستدامة (الفيديو)    تعيين مدير جديد للمدرسة الوطنية للهندسة المعمارية بتطوان    المنتخب المغربي يفوز على نظيره المصري في التصفيات المؤهلة لكأس أمام أفريقيا للشباب    إقصائيات كأس أمم إفريقيا 2025 (الجولة 5).. الغابون تحسم التأهل قبل مواجهة المغرب    اشتباكات بين الجمهور الفرنسي والاسرائيلي في مدرجات ملعب فرنسا الدولي أثناء مباراة المنتخبين    السفيرة بنيعيش: المغرب عبأ جهازا لوجستيا مهما تضامنا مع الشعب الإسباني على خلفية الفيضانات    مقاييس التساقطات المطرية خلال 24 ساعة.. وتوقع هبات رياح قوية مع تطاير للغبار    بحضور التازي وشلبي ومورو.. إطلاق مشاريع تنموية واعدة بإقليم وزان    عنصر غذائي هام لتحسين مقاومة الأنسولين .. تعرف عليه!    وزيرة الاقتصاد والمالية تقول إن الحكومة واجهت عدة أزمات بعمل استباقي خفف من وطأة غلاء الأسعار    لمدة 10 سنوات... المغرب يسعى لتوريد 7.5 ملايين طن من الكبريت من قطر    الأرصاد الجوية تحذر من هبات رياح قوية مع تطاير للغبار مرتقبة اليوم وغدا بعدد من الأقاليم    الدرك الملكي بتارجيست يضبط سيارة محملة ب130 كيلوغرامًا من مخدر الشيرا    المنتخب المغربي الأولمبي يواجه كوت ديفوار وديا في أبيدجان استعدادا للاستحقاقات المقبلة    أزمة انقطاع الأدوية تثير تساؤلات حول السياسات الصحية بالمغرب    هل يستغني "الفيفا" عن تقنية "الفار" قريباً؟    مصرع شخص وإصابة اثنين في حادث انقلاب سيارة بأزيلال    بتهمة اختلاس أموال البرلمان الأوروبي.. مارين لوبان تواجه عقوبة السجن في فرنسا    بعد ورود اسمه ضمن لائحة المتغيبين عن جلسة للبرلمان .. مضيان يوضح    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    ‬المنافسة ‬وضيق ‬التنفس ‬الديموقراطي    حوالي 5 مليون مغربي مصابون بالسكري أو في مرحلة ما قبل الإصابة    الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين تسلم "بطاقة الملاعب" للصحافيين المهنيين    ألغاز وظواهر في معرض هاروان ريد ببروكسيل    الحكومة تعلن استيراد 20 ألف طن من اللحوم الحمراء المجمدة    صيدليات المغرب تكشف عن السكري    ملتقى الزجل والفنون التراثية يحتفي بالتراث المغربي بطنجة    الروائي والمسرحي عبد الإله السماع في إصدار جديد    خلال 24 ساعة .. هذه كمية التساقطات المسجلة بجهة طنجة    الإعلان عن العروض المنتقاة للمشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للمسرح    نشرة إنذارية.. هبات رياح قوية مع تطاير للغبار مرتقبة اليوم الخميس وغدا الجمعة بعدد من أقاليم المملكة        معدل الإصابة بمرض السكري تضاعف خلال السنوات الثلاثين الماضية (دراسة)    تمديد آجال إيداع ملفات الترشيح للاستفادة من دعم الجولات المسرحية    مركز إفريقي يوصي باعتماد "بي سي آر" مغربي الصنع للكشف عن جدري القردة    الاحتيال وسوء استخدام السلطة يقودان رئيس اتحاد الكرة في جنوب إفريقا للاعتقال    حفل توزيع جوائز صنّاع الترفيه "JOY AWARDS" يستعد للإحتفاء بنجوم السينماوالموسيقى والرياضة من قلب الرياض    الدولة الفلسطينية وشلَل المنظومة الدولية    أسعار النفط تنخفض بضغط من توقعات ارتفاع الإنتاج وضعف الطلب    عواصف جديدة في إسبانيا تتسبب في إغلاق المدارس وتعليق رحلات القطارات بعد فيضانات مدمرة    "هيومن رايتس ووتش": التهجير القسري الممنهج بغزة يرقي لتطهير عرقي    إسرائيل تقصف مناطق يسيطر عليها حزب الله في بيروت وجنوب لبنان لليوم الثالث    الجيش الملكي يمدد عقد اللاعب أمين زحزوح    هذه أسعار أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    ترامب يعين ماركو روبيو في منصب وزير الخارجية الأمريكي    غينيا الاستوائية والكوت ديفوار يتأهلان إلى نهائيات "كان المغرب 2025"    غارة جديدة تطال الضاحية الجنوبية لبيروت    أكاديمية المملكة تفكر في تحسين "الترجمة الآلية" بالخبرات البشرية والتقنية    الناقد المغربي عبدالله الشيخ يفوز بجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ارتصاد الأجور الشاردة، في اقتناص الغنائم الباردة (ح1)
نشر في هوية بريس يوم 27 - 03 - 2015


هوية بريس – الجمعة 27 مارس 2015
لا شك أن الهدف الأسمى الذي خلق له الإنسان هو عبادة ربه، والتقرب إليه بما شرع من أنواع القربات والطاعات على الوجه الشرعي المطلوب، الذي بلغه رسوله -صلى الله عليه وسلم- وحث عليه.
والمسلم الفطن، هو الذي يطلب الأجور الوفيرة، باقتناص أنواع من العبادات، يحصد بها الأجر الكثير، ببذل الجهد القليل، يملأ سجل حسناته، بحسن عبادته، وجميل اللهج بالوارد من أذكاره، لا يجد وقتا سانحا، أو فراغا مواتيا، إلا ملأهما بما ينفعه في الدنيا والآخرة. قال تعالى: «تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ». ولقد أشرعت لنا شريعتنا السمحة أبوابا كثيرة، وسبلا فسيحة لمضاعفة الأجور، وتكثير الحسنات، نقتصر منها على ستة:
1 فالأجر يعظم بإخلاص النية لله تعالى، والعزم على فعل الطاعة، فإذا منعك من الطاعة مانع المرض، أو نوائب الصوارف، كان أجرك محفوظا، وكان سجلك مرقوما مرقونا. ففي الصحيحين عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَدَنَا مِنَ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: «إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا، مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا، وَلاَ قَطَعْتُمْ وَادِيًا، إِلاَّ كَانُوا مَعَكُمْ». وعند مسلم: «إِلاَّ شَرِكُوكُمْ فِي الأَجْرِ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ؟ قَالَ: «وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ، حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ». وعند مسلم: «حبسهم المرض».
ويوضحه أيضا قوله -صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا» البخاري.
ويقول -صلى الله عليه وسلم- فِي الحديث القدسي: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ، فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا، كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا، كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ، إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ. وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا، كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا، كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً» متفق عليه.
وقد يكون المرء فقيرا معوزا، ويرى صاحب مال يتصدق بماله، وينفق منه في سبيل الله، ويعتقد أنه لو كان له مثل ما لصاحبه من المال، لفعل مثل ما فعل، فهما مستويان في الأجر. يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إنَّما الدُّنيا لأربعةِ نفرٍ: عبدٍ رَزَقَهُ الله مالاً وعلماً، فهو يتَّقي فيه ربَّه، ويَصِلُ به رَحِمَه، ويَعْلمُ لله فيه حقاً، فهذا بأفضل المنازل. وعبدٍ رزقه الله علماً، ولم يرزقه مالاً، فهو صادِقُ النِّيَّة، يقول: لو أنَّ لي مالاً، لعمِلْتُ بعملِ فلانٍ، فهو بنيتِه، فأجرُهُما سواءٌ. وعبدٍ رزقه الله مالاً، ولم يرزُقه علماً، يَخبِطُ في ماله بغير علمٍ، لا يتَّقي فيه ربّه، ولا يَصِلُ فيه رحِمهُ، ولا يعلمُ لله فيه حقاً، فهذا بأخبثِ المنازل. وعبدٍ لم يرزقه الله مالاً ولا علماً، فهو يقول: لو أنَّ لي مالاً لعَمِلتُ فيه بعمل فلانٍ، فهو بنيته، فوِزْرُهما سواءٌ» صحيح الترغيب.
2 ويعظم الأجر بأن يجتهد المسلم في أن يخلف وراءه ذرية طيبة، كما دعت له في حياته، تدعو له بعد موته، فَتُرفع له الدرجات، وينجو من وهدة الدركات. فإن ابن آدم إذا مات انقطع عمله إلا من ثلاث، منها: «ولد صالح يدعو له». يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- لَيَرْفَعُ الدَّرَجَةَ لِلْعَبْدِ الصَّالِحِ فِي الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، أَنَّى لِيَ هَذِهِ؟ فَيَقُولُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ» رواه أحمد، وهو حديث حسن.
3 ويُضعَّف الأجر بالحفاظ على ما يرفع الدرجات، ويكفر السيئات، من أعمال وعبادات، تحوج إلى شيء من الصبر، ومزيد من التحمل. يدل على ذلك حديث ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ أنه -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «أَتَانِي رَبِّي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ فَقَالَ: «يَا مُحَمَّدُ». قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَبِّي وَسَعْدَيْكَ». قَالَ: «فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلأُ الأَعْلَى؟». قُلْتُ: رَبِّى، لاَ أَدْرِى. فَوَضَعَ يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ، فَوَجَدْتُ بَرْدَهَا بَيْنَ ثَدْيَيَّ، فَعَلِمْتُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ». قَالَ: «يَا مُحَمَّدُ». فَقُلْتُ: «لَبَّيْكَ رَبِّ وَسَعْدَيْكَ». قَالَ: «فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلأُ الأَعْلَى؟. قُلْتُ: «فِي الدَّرَجَاتِ، وَالْكَفَّارَاتِ، وَفِى نَقْلِ الأَقْدَامِ إِلَى الْجَمَاعَاتِ، وَإِسْبَاغِ الْوُضُوءِ فِي الْمَكْرُوهَاتِ، وَانْتِظَارِ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ، وَمَنْ يُحَافِظْ عَلَيْهِنَّ، عَاشَ بِخَيْرٍ، وَمَاتَ بِخَيْرٍ، وَكَانَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» صحيح سنن الترمذي.
وفي الحديث الآخر، يقول -صلى الله عليه وسلم-: «أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟». قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَى إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ» مسلم.
وبجانب هذه الأعمال، هناك أعمال أخرى، خص الله تعالى بها أهل الأريحية من عباده، حينما يبذلون أموالهم في الصالح العام، الذي يرجع نفعه على الناس، وقد جمع النبي -صلى الله عليه وسلم- جملة منها في قوله: «إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لاِبْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ، يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ» ص. ابن ماجة.
وجمع السيوطي عشرة منها نظما فقال:
إذا مات ابن آدم ليس يجري***عليه من فعال غير عشرِ
علومٌ بثها ودعاء نَجْلِ***وغرس النخل والصدقات تجري
وراثةُ مصحفٍ ورباط ثغر***وحفر البئر أو إجراءُ نهرِ
وبيتٌ للغريب بناه يأوي***إليه أو بناءُ محلِ ذكرِ
4 وقد لا يقوم المرء بكبير عمل في ظنه، ومع ذلك يفرح الله تعالى بعمله، ويضاعف له الأجر، كالرجل الذي سَأَلَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فقال: «مَتَّى السَّاعَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟». قَالَ: مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَثِيرِ صَلاَةٍ، وَلاَ صَوْمٍ، وَلاَ صَدَقَةٍ، وَلَكِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. قَالَ: «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ» متفق عليه.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: «حُوسِبَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ شَيءٌ، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ يُخَالِطُ النَّاسَ، وكان مُوسِرًا، وَكَانَ يَأْمُرُ غِلْمَانَهُ أَنْ يَتَجَاوَزُوا عَنِ الْمُعْسِرِ، فَقَالَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: (نَحْنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ، تَجَاوَزُوا عَنْهُ)» مسلم.
5 ومما يعظم الأجر، الاشتغال بالدعوة إلى الله، إذ ليس هم المسلم في هذه الدنيا أن يأكل، ويشرب، وينام، ويؤمن وسائل عيشه وحسب، وإنما دوره الحقيقي أن يبلغ دعوة الله بحسب ما يملكه ويستطيعه، فذلك أفضل الأعمال، وأحسن الأقوال، وأعظم الأجور، كما قال تعالى: «وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ». وقال تعالى: «قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي». ويقول -صلى الله عليه وسلم-: «بَلِّغُوا عَنِّى وَلَوْ آيَةً» البخاري، فيكون له من الأجر بعدد من دعاهم، ونصح لهم، وأرشدهم. يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا. وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلاَلَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا» مسلم.
فإذا أثمرت هذه الدعوة رد ضال إلى نور الإسلام، أو هداية حائر إلى بَلَج الإيمان، أو منع متذبذب من الزيغ والتَّيَهان، كان ذلك هو السعادة الحقيقية. ففي الصحيحين عن سهل بن سعد -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «فَوَالله، لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ».
ويقول أبو الدَّرداء -رضي الله عنه-: «ما تصدَّق عبدٌ بصدقةٍ أفضلَ من موعظةٍ يعِظُ بها إخوانًا له مُؤمنين، فيتفرَّقُون وقد نفعَهم الله بها».
6 والدعاء للناس من أعظم الوسائل التي تكثر الحسنات، وتضاعف الأجور، مع ما فيها من حسن الألفة بينهم، وحب الخير لهم، وإشاعة روح التراحم بينهم. فالله تعالى يجعل من صفات المؤمنين أنهم لا يؤثرون أنفسهم بالدعاء، بل يسألون الله تعالى أن يسحب ما يرجونه لأنفسهم على جميع المؤمنين. قال تعالى: «وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ». ومن دعاء سيدنا إبراهيم -عليه السلام-: «رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ». ودعا سيدنا نوح -عليه السلام- فقال: «رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ».
وبين نبينا -صلى الله عليه وسلم- فضل الدعاء لعموم المسلمين فقال: «مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، إِلاَّ قَالَ الْمَلَكُ: وَلَكَ بِمِثْلٍ» مسلم. وقال -صلى الله عليه وسلم-: «دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ، كُلَّمَا دَعَا لأَخِيهِ بِخَيْرٍ، قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ» مسلم.
ويقول -صلى الله عليه وسلم-: «من استغفر للمؤمنين وللمؤمنات، كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة» صحيح الجامع.
ودعا النبي -صلى الله عليه وسلم- لأهل بدر فقال: «اللَّهُمَّ إِنَّهُمْ حُفَاةٌ فَاحْمِلْهُمُ، اللَّهُمَّ إِنَّهُمْ عُرَاةٌ فَاكْسُهُمُ، اللَّهُمَّ إِنَّهُمْ جِيَاعٌ فَأَشْبِعْهُمْ». قال عبد الله بن عمر -رضي الله عنه-: «فَفَتَحَ اللَّهُ لَهُ يَوْمَ بَدْرٍ، فَانْقَلَبُوا حِينَ انْقَلَبُوا وَمَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلاَّ وَقَدْ رَجَعَ بِجَمَلٍ أَوْ جَمَلَيْنِ، وَاكْتَسَوْا وَشَبِعُوا» صحيح سنن أبي داود.
وكان الصحابة الكرام ومَن بعدهم من الصالحين يستحضرون هذه المعاني الجليلة، فيدعون لإخوان، وأصحاب الفضل عليهم. فهذا عُمر -رضي الله عنه- يقول: «إنَّه ليمر بخاطري الرجل من إخواني وأنا في الليل، فأقوم لأدعوَ الله وأقول: يا طولها من ليلة، فإذا أصبحت، بادرته فالتزمته».
وكان لأبي الدرداء ستون وثلاثمائة خليل في الله يدعو لهم في الصلاة، فسألَته أم الدرداء عن ذلك، فقال: «إنه ليس رجل يدعو لأخيه في الغيب إلا وَكَّل الله به ملكين يقولان: ولك بمثل. أفلا أرغب أن تدعو لي الملائكة؟».
وكان الإمام أحمد بن حنبل يقول: «ما بتُّ -منذ ثلاثين سنةً- إلا وأنا أدعو للشافعي وأستغفر له».
وقال الإمام أبو حنيفة في شيخه حماد: «ما صليت صلاةً منذ مات حمَّاد إلا استغفرت له مع والديَّ، وإنِّي لأستغفر لمن تعلَّمت منه أو علَّمني علمًا».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.