قال الإمام مالك: "لَا يُصْلِحُ آخرَ هذه الأمة إلا ما أصْلَحَ أَوَّلَهَا" كلمة واضحة حاسمة من الإمام مالك رحمه الله تعالى، يبين فيها باختصار المنهج الذي ينبغي اتباعه لإصلاح أحوال الأمة، وهو التمسك بالعقيدة والشريعة والمبادئ التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم. والأمة الإسلامية اليوم قد أتى عليها حين من الدهر لم تصر شيئا معتبرا، بسبب ما تعرفه من التخلف والانحطاط في شتى المجالات، فصارت في ذيل الأمم بعدما كانت رائدة قائدة، وصارت بلادها ممر العساكر ومدق الحوافر، بعدما كانت قوية عزيزة تنشر الهداية والرشاد في مشارق الأرض ومغاربها. فأعراض أمراض الأمة واضحة لا يُختلف فيها، وإنما الاختلاف في التشخيص والعلاج، ويقع عموما بين فئتين من المفكرين: – فئة تعتبر أن أصل تخلف الأمة هو دينها، فتدعو إلى طرحه أو حصره أو تغييره، ثم محاولة اللحاق بالأمم المتقدمة كما فعلت هي، حيث شهدت طفرة مادية بعد تخليها عن الدين النصراني. – وفئة أخرى شخصت أمراض الأمة في ما مرت به من الجمود والخمول، وفي التهاون عن الأخذ بأسباب القوة، وهي أمور تخالف تعاليم الإسلام، فعلة الأمة في تركها للدين، لا العكس. ومن تأمل التاريخ الإسلامي بإنصاف وتجرد جزم بأن الحق مع الفئة الثانية، لأن هذه الأمة لم تعرف حضارة ولا مجدا إلا في ظل تمسكها بدينها وشريعة ربها، وما أصدق صرخة عمر الفاروق رضي الله عنه حين قال: "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله". وأما الأمم الأخرى التي تقدمت ماديا بعد تركها لدينها، فلأن دينها حُرِّف وغُيِّر، وصار يمنع العلم ويحارب أهله، ووقف سدا منيعا أمام التنقيب والمعرفة، فتركه أغلب الباحثين وانطلقوا يكتشفون ويخترعون، فوصلوا إلى ما وصلوا إليه، علما أنها عرفت وتعرف تخلفا روحيا ونفسيا لغياب الدين عن حياة الناس. أما ديننا فلم يُحَرَّف ولم يُغَيَّر، ولا يقف حجر عثرة أما البحث العلمي والمعرفي، بل بالعكس، فهو يشجع عليه ويدعو إليه، ولذلك كان المسلمون هم السباقين إلى فتق عيون مجموعة من العلوم، وعلى رأسها العلوم التجريبية، وقد استفاد منا غيرنا كثيرا في هذا المجال، وفي غيره. فلا سبيل إذن إلى الصلاح والإصلاح إلى بما أصلح وصلح به أول هذه الأمة كما قال إمامنا مالك، وهو الاستقامة على أمر الله تعالى، بسلامة العقيدة وإخلاص العبادة وتوحيد الاتباع. فلا بد من تخليص ديننا مما علق به من الخرافات والشركيات والبدعيات، ثم الأخذ بأسباب التقدم والتطور، بالحرص على العلم والمعرفة في شتى المجالات، وبالتشمير على سواعد الجد والإتقان. والله بكل جميل كفيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل.