هوية بريس – عبد الله المصمودي تحت عنوان "تصعيد خطير ومنطق معكوس"، نشر عالم اللسانيات الدكتور عبد العلي الودغيري تدوينة مطولة في حسابه على فيسبوك، رد فيها على الجهود التي يبذلها وزير التربية الوطنية والتكوين المهني سعيد أمزازي لفرض التدريس بالفرنسية في الابتدائي والثانوي. حيث كتب: "استنجد الوزير برؤساء الجامعات العاملين تحت إِمرته، فاجتمعوا وخرجوا ببيانٍ أشبه ما يكون ب(منيفيستُو) سياسي يدعو لفَرنسَة التعليم في مراحله الابتدائية والثانوية. وهذا الشُّرود أو الخروج عن الموضوعات التي يجتمع لها رؤساءُ الجامعات في العادة، غير طبيعي في توقيته وتوجُّهه ومنطقه، وإن كان غيرَ مستغرَب، لكونه جاء في سياق الحَشد والتجييش للحملة الجديدة لفرنسة التعليم بالمغرب وتعزيز جبهتها، ولاسيما بعد أن عجزت اللجنة البرلمانية الخاصة عن الخروج بموقف موحَّد ومتوافَق عليه حول القانون الإطار الشهير المطروح عليها منذ شهور. فهل من عادة رؤساء الجامعات أن يُصدروا بيانات صحافية من هذا النوع في ختام أعمالهم؟ وهل من عادتهم أن يخوضوا في موضوع التعليم الابتدائي والثانوي ويتركوا الموضوع الذي يخصُّهم وهو التنسيق في قضايا التعليم العالي ومشاكله؟ وهل كان هذا الموضوع مطروحًا أصلاً في جدول أعمالهم أم أُضيف في لحظة ما لكسب الأنصار وجلب الأصوات والتأثير على الرأي العام وعلى اللجنة البرلمانية بوجه خاص؟ وهل من حق رؤساء الجامعات أن يتجاوزوا مهمتَهم الإدارية الموكَلة إليهم ويُنصِّبوا أنفسَهم أوصياءَ على السياسة التعليمية واللغوية بالمغرب، ويَضطلعوا بمهمة إصدار التوصيات التي هي أصلاً من اختصاص مؤسسة دستورية تسمى: المجلس الأعلى للتربية والتعليم الذي من المفروض أن يعتمد على الخبراء المؤهّلين والمختصّين في الموضوع؟ ألم يكن من واجبهم على الأقل احترامُ توصيات الرؤية الاستراتيجية الصادرة عن المجلس الأعلى للتعليم وهي، على عِلاتها التي انتقَدناها في الوقت المناسب، لا تدعو لاستعمال اللغات الأجنبية في تدريس جميع المواد العلمية وإنما لتدريس بعض المَجزوءات وبشكل تدريجي، أما هؤلاء السادة فهم يُوصون بفَرْنَسة تامة ومُغلَقة لكل المواد العلمية وفي كل المراحل التعليمية. وهذا تصعيد خطير للموقف. وهل كان من حقهم التطاول على مهمة البرلمان الذي يعود إليه وحده حقُّ سَنّ التشريعات الخاصة بالسياسة التعليمية واللغوية للبلاد، ولاسيما أن الموضوع المطروح يوجد حاليًا بين أيدي اللجنة البرلمانية المختصة؟ لقد جاء في جملة المسوِّغات التي أوردها السادةُ المحترمون لفرنسة التعليم جملةً وتفصيلاً، أن «الفئات المحظوظة تتجه مبكّراً للمدارس الخاصة التي تُقدّم في الغالب تعليمَها باللغة الفرنسية أو بالأحرى باللغة الانجليزية، أو على الأقل التحكم في اللغات الأجنبية». ومن ثمَّ أصبح على المدرسة العمومية في نظرهم أن تحوِّل الاتجاه وتقتدي بالمدارس الأجنبية والخاصة. ظاهرُ هذا الكلام أن الغاية هي تحقيق المساواة في جودة التعليم، وتمكين الطبقات الفقيرة من المستوى التعليمي الذي تحصل عليه الطبقة الميسورة، ولكن حقيقته غير ذلك. فهي سياسية وديماغوجية بامتياز. منذ سنة 1957م أوصت اللجنة الملكية لإصلاح التعليم بتوحيد كل أنواع التعليم في نوع واحد يُعمَّم على مختلف طبقات الشعب، ويُلغَى بموجبه تعليمُ البِعثات الأجنبية والتعليم الخصوصي العربي والفرنسي واليهودي والتعليم العتيق وغير ذلك من أنواع التعليم التي كانت موجودة، فتتحقَّق المساواةُ ويُضمَن التعليمُ الجيد لكل أبناء الشعب وفقَ مناهج تعليمية وطنية متوافَق عليها. ولكن فكرة التوحيد من هذا المنطلق الوطني الصحيح حُوربت وأُجهِضت وماتت في مهدها. وفُتِحت الأبوابُ على مصراعيها للتعليم الأجنبي والفرنسي، وللمدارس الخاصة الاستثمارية التي تسير في فلكَه وتتبنَّى مناهجَه حرفيّا، وكانت النتيجة تحطيمَ المدرسة العمومية والقضاء عليها إرضاءً لجشَع المدارس الخصوصية ومدارس البعثات الفرنسية التي تكسب من وراء العملية أموالاً طائلة. واليوم يريد تيارُ الفرنكفونية ومَن يقف وراءه من المستغلّين والمنتفعين والمَدسوسين وأعداء الأمة، أن يُوحَّد التعليمُ في اتجاه معاكس لما ارتضاهُ المغاربة في بداية الاستقلال، وذلك بإلحاق التعليم العمومي بالتعليم الأجنبي والخصوصي. وتوحيده في إطار فرنكفوني وبلغة فرنكفونية ، عوض أن يكون التوحيد وطنيًا وبلغة وطنية. هل فقَدنا البُوصَلة إلى الحد الذي صرنا فيه نختار طريقَ التبعية العمياء والاحتواء التام بدلَ التحرّر والانعتاق؟ أليس هذا منطقًا مقلوبًا ورأيًا معكوسًا، وحلا كارثيّا يقودنا إلى الهاوية؟ أي جنونٍ هذا؟ وأيُّ تهوّر أعمى؟ وأي توجّه خطير تُساقُ إليه البلادُ؟".