أوجار متفائل بتصويت المغاربة ل"الأحرار" في انتخابات 2026 ويعد الاتحاد الاشتراكي بدخول الحكومة    ترامب ينشر خريطة جديدة للولايات المتحدة تضم كند    إندونيسيا تنضم رسميا إلى مجموعة "بريكس"    الفرنسيون يرفضون الحجاب بالجامعة ورحلات المدارس    "ديديه ديشامب يكشف عن خطط رحيله بعد كأس العالم 2026"    العصبة تتجه لتوقيف البطولة منتصف يناير الجاري لفسح المجال أمام المنتخب للمشاركة في "الشان"    الدولي المغربي حكيم زياش على ردار الفتح السعودي خلال فترة الانتقالات الشتوية الحالية    توقعات أحوال الطقس ليوم الأربعاء    عشرات الشاحنات المغربية تتعرض لإطلاق نار في مالي    الجمعية النسائية تنتقد كيفية تقديم اقتراحات المشروع الإصلاحي لمدونة الأسرة    توظيف مالي لمبلغ 1,6 مليار درهم من فائض الخزينة    بيانات "همم".. تُبارِك جرائم التشهير "الصديقة" وتَبتغي وأد الفضائح الجنسية    قمة متناقضة بين أ. الدشيرة المتصدر وأ. خريبكة المنبعث ولقاء ملغوم لاتحاد يعقوب المنصور أمام "الكاك"    فتح استثنائي لقباضات الCNSS لعملية الإعفاءات الجزئية لفائدة المقاولات    تداولات الإفتتاح ببورصة الدار البيضاء    حريق كارثي يُهجّر آلاف الأسر والسلطات الأمريكية تستنفر    تطوان: توقيف شخص بحوزته كميات كبيرة من المخدرات والمؤثرات العقلية    عامل إقليم السمارة يشيد بأهمية النسخة الثامنة لمهرجان الكوميديا الحسانية    مولاي إبراهيم الشريف: مهرجان مسرح الطفل بالسمارة يعزز بناء جيل مثقف    بنسعيد: الدعم الاستثنائي للصحافة بلغ 325 مليون درهم خلال سنة 2024    المغرب يسجل أدنى مستويات المياه السطحية في إفريقيا خلال عام 2024    منظة الصحة العالمية توضح بشأن مخاطر انتشار الفيروسات التنفسية    وزير الخارجية الفرنسي: عقوبات الاتحاد الأوروبي على سوريا قد تُرفع سريعاً    ترامب يطالب حلف "الناتو" بالسخاء    إسرائيل تقتل 51 شخصا في قطاع غزة    تأجيل محاكمة إسماعيل الغزاوي إلى 15 يناير وسط دعوات حقوقية للإفراج عنه    ارتفاع أسعار النفط وسط تقلص إمدادات    "همم" تستنكر انتهاكات حرية التعبير وتطالب بتحقيق عاجل في حملات التشهير ضد الصحافيين والنشطاء    انطلاق معالجة أول عملية تصدير من مليلية المحتلة إلى المغرب    نجم موسيقى الستينيات "بيتر يارو" يرحل عن 86 عاما    "الصدفة" تكشف عن صنف من الورق العتيق شديد الندرة    نقابات الصحة تعلن إضرابا شاملا احتجاجا على التجاهل الحكومي وتدعو المواطنين لفهم تداعياته    باولو غيريرو يعتزل التنافس الدولي    منظمة الصحة العالمية: انتشار الفيروسات التنفسية عالميا لا يزال ضمن المعدلات الطبيعية لموسم الشتاء    إصابة داري وعطية الله تُربك الأهلي    العلمي وبوريطة يمثلان جلالة الملك في حفل تنصيب رئيس غانا الجديد    ‮ ‬الوطني الذي‮ وافقه التاريخ في‮ أربع ‮!    أوجار يدعو الوزراء إلى النزول للشارع ويتحدث عن نخبة اقتصادية "بورجوازية" ترتكب جريمة في حق الوطن    كأس الرابطة الانجليزية.. نيوكاسل يقترب من النهائي بتغلبه على مضيفه أرسنال (2-0)    كيوسك الأربعاء | الضريبة على السيارات: ما الذي سيتغير في عام 2025؟    مغرب الحضارة آفة *" _التدخين ": كارثة على الأنفس والأموال ضررها أكثر من نفعها وجب إتخاذ القرار    زلزال شيتسانغ بالصين: تواصل جهود الإنقاذ    الدرك الملكي بخميس متوح يحجز 420 لترا من مسكر ماء الحياة بضواحي أم الربيع    محكمة طنجة تُدين طبيبًا ومساعدًا في قضية اختلاس أدوية وبيعها    صندوق الضمان الاجتماعي يمنح فرصة للإعفاء الجزئي من ذعائر التأخير والغرامات وصوائر تحصيل الديون    الدعم الاستثنائي الموجه لقطاع الصحافة والنشر سينتهي في شهر مارس المقبل بعد تفعيل المرسوم الجديد ذي الصلة (بنسعيد)    مواجهة تفشي بوحمرون يجمع مسؤولي الصحة والتعليم بالحسيمة    وزير الاستثمار: 48 مشروعا استفاد من المنحة الترابية للأقاليم الأقل تنمية    فتح فترة التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1447 ه    وفاة الرمز التاريخي لليمين المتطرف في فرنسا عن 96 عاما    1,5 مليار درهم قيمة الاستثمارات الأجنبية في السينما بالمغرب    دراسة: الحليب لا يفرز البلغم عند الإصابة بنزلات البرد    بنسعيد يستعرض دواعي مشروع قانون حماية التراث    كلية الآداب بتطوان وجماعة العرائش يوقعان اتفاقية إطار للتعاون    وزارة الأوقاف تعلن موعد فتح تسجيل الحجاج لموسم حج 1447ه    الأوقاف تعلن عن فتح تسجيل الحجاج إلكترونيا لموسم 1447 هجرية    مدوّنة الأسرة… استنبات الإصلاح في حقل ألغام -3-    تفاصيل انتشار فيروس يصيب الأطفال بالصين..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فرح بطعم المرارة
نشر في هوية بريس يوم 02 - 12 - 2018

أثار فوز الطفلة مريم أمجون بجائزة القراءة العربية مشاعر فرح غامرة في قلوب المغاربة صغارا وكبارا، وأتاح انقداح فتيل الأمل في نفوسهم من جديد، فهذه الصغيرة ذات السنوات التسع، استطاعت بهمتها العالية، وفصاحتها، وشجاعتها، وثقتها بنفسها، أن تخلخل ثقلالطالما جثم على أنفاسنا حتى كاد يخنقها قهرا، وأن تبدد سحب يأس تراكمت في أفقنا حتى كسته سوادا.
لقد رأينا فيها الطفلة المغربية بنت الشعب المعتزة بمغربيتها، وبرعم المدرسة العمومية الذي لم يكن في حاجة لمؤسسة "تعليمية" تجارية ليزهر، والصغيرة الواثقةالتي لم تر أنها مجبرة على الحديث بلغة أجنبية لتمنح نفسها قيمة مضافة،فانتشينا بذلك غبطة، ورفعنا رؤوسنا بها فخرا.
إلا أن كل هذه المشاعر الجميلة الجياشة لم تتمكن من كبح جماح عقولنا التي استفزها هذا الإنجاز،وأثار فيها موجة من التساؤلات المريرة: لماذا لا نجد مريم في كل الأسر المغربية التي لها نفس مقومات أسرة مريم؟لماذا لا تنتج المدرسة المغربية أشباه وشبيهات مريم؟ لماذا لا يكاد شبابنا، بله أطفالنا يقرأون؟ لماذا لا يحتاج طلبتنا لقراءة أي كتاب للحصول على شواهدهم العليا؟لماذا تعاني مكتباتنا الجامعية وغير الجامعية من الكساد…؟
أسئلة موجعة أبت إلا أن تسكب مرارتها على شراب فرحتنا لتفسده.
وهي مرارة تستمد شرعيتها وقوتها من وضع القراءة المزري في بلادنا وبلاد أمة "اقرأ" عموما، حيث تجمع التقارير المحلية والدولية المنجزة بهذا الخصوص على أن وضع القراءة ليس متدهورا فحسب،بل لا يتوقف عن الانحدار.
إن إطلالة بسيطة على بعض الأرقام التي تقدمها المؤسسات والهيئات المهتمة سنويا تكشف عن وضع كئيب وصادم، وهي بالمناسبة مؤسسات دولية في غياب شبه تام لمتابعة علمية وإحصائية محلية لهذا الموضوع. ومن ذلكمثلا أن ما يقرؤهالمواطن العربي لا يتجاوز ربع الصفحة في السنة،أو ستدقائق، مقابل مئتيساعة للمواطن الأوربي.أوأن كل ثمانينعربيا يقرؤون كتابا واحدا في السنة، مقابل خمسة وثلاثينكتابا لكل أوربي، وأربعينلكل إسرائيلي.
وإذا انتقلنا لموضوع لصيق بهذا، لا نكاد نصدق معطيات من قبيل أن ما ينشر بالعالم العربي مجتمعا لا يتجاوز ألفا وست مئة وخمسينكتابا، مقابل خمسة وثمانينألف كتاب بالولايات المتحدة الأمريكية.كما أن نصيب كل مليون عربي من الكتب هو ثلاثين فقط، مقابل ثمان مئة وأربعة وخمسينلكل مليون أوربي.ناهيك عن تصدر العالم العربي سنة 2016لدول العالمفي نسبة الأمية، حسب تقرير منظمة اليونسكو،وذلك ب 19 بالمئة من إجمالي السكان.
وفي إطار التراجع المهول للمكتبات العامة، سجلت نفس المنظمة أن العجز في هذا الجانب بلغ بالمغرب أربعة عشر ألف مكتبة. وبالأمس القريب عرفت فعاليات دورة 2018للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، تراجعا كبيرا في المبيعاترغم زيادة عدد الزوار، حتى إن الوزارة لم تقدم معطيات بهذا الخصوص، إضافة إلى الإقبال الضعيف على الأنشطة الثقافية التي تنظم على هامش المعرض.بل حتى إلكترونيا يحتل الكتاب في محرك البحث غوغل مراتب متأخرة جدا ضمن اهتمامات العرب،فقد بلغ عدد الكتب التي تم تحميلها سنة 2009مئة وخمسينكتابا، مقابل ثلاثة وأربعينمليون فيلم وأغنية. مما يدل على أننا أمام أزمة قراءةلا تنفك عن التفاقم والتفاحش.
وبالرغم من أننالسنا هنا بصدد تحليل هذا الوضع والبحث عن أسبابه وحيثياته وحلوله الممكنة، والذي من شأنه أن يكشف عن حقائق أكثر خطورة، فإن مجرد الاطلاع الأولي على هذه الأرقام من شأنه أن يصيبنا بالرعب،لأنه يؤكد أن ما نشاهده بخصوص واقع العلاقة مع القراءة في أسرنا ومدارسنا وجامعاتنا ووسائل مواصلاتنا وفضاءاتنا العمومية، ليس وهما، بل حقيقة تصرخ في وجوهنا يوميا معلنة عن الانحدار الثقافي الذي يجسده بوضوح العزوفالمتزايد عن الكتاب، حتى إننا نوشك أن نصاب بالاستغراب والدهشة عند رؤية شخص يحمل كتابا ثقافيا بدل هاتفنقال، خاصة إذا كان من الشباب.
إن أزمة القراءة ليست، بدون شك، سوى وجه واحد من وجوه متعددة لأزمات أخرى تتداخل وتتحالف ضد أوطاننا،لكنها ربما تكون الوجه الأكثر دلالة على أننا نسلك الطريق الخاطئة نحو التنمية والرقي والحضارة، فالشعوب المتقدمة تتصدر العالم في معدلات القراءة وعدد الكتب المنشورة والأعمال المترجمة… وأما التي لا تقرأ فقد حكمت على نفسهاحتما بالتقهقر المعرفي والانحطاط الثقافي والتراجع الحضاري…
أعود للجميلة مريم لأوجه لها تحية احترام وتقدير، ولأخص والديها الكريمين بانحناءة إكبار وإجلال لأنهما أهديا الوطن هذا البرعم الشامخ في زمن الانكسار، والرفيع في زمن الرداءة، والمشع أملا ونورا في زمن حيثما ولينا وجوهنا نرى اليأس يوشك أن يعلن انتصاره فينا.
شكرا مريم لأنك بإنجازك الباهر نسفت كل أعذارنا، وجعلتنا نشعر بالخجل من اكتفائنا بانتقاد الأوضاع والإلقاء باللوم على الآخرين.
شكرا مريم لأنك فتحت الباب مشرعا لأنوار من شأنها أن تشعل فتيل الأمل وتقدح شرارة الهمة في نفوسنا.
شكرا مريم لأنك دللتنا ببراءتك وعفويتك على هذه المستشفى التي يحتاج معظمنا ولوجها للاستشفاء من داء التفاهة والرداءة و البلاهة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.