1– بفعل الإغراء والدعاية والإشهار لازال قطاع القمار يستقطب يوما بعد آخر عددا كبيرا من المواطنين المغاربة، والأرقام تتحدث عن إنفاق ما يفوق 940 مليار سنتيم على ألعاب القمار؛ وعن إدمان ثلاثة ملايين مغربي لهذه اللعبة، بداية ما حكم الشرع في هذه الأنواع من التعاملات؟ بداية أشكر لكم العناية بهذا الموضوع الخطير والحساس والذي ينخر كيان أسرنا بشكل رهيب ومخيف، ويمكن أن نمعن النظر فقط في الرقم الذي أوردتموه، سواء من جهة رقم المعاملات المالية التي تشغلها آفة القمار والميسر، أو عدد المتعاطين، لها حيث يصلون إلى ثلاث ملايين مغربي مدمن على هذه المصيبة، أي ما يقارب نصف الأسر المغربية تكتوي بنارها وتعاني من آثرها، فالإحصاء الأخير يشير إلى ثمانية ملايين أسرة، الأمر الذي يستوجب نفيرا عاما من مختلف المتدخلين في الجانب الرسمي والشعبي. ومن جهة المفهوم تحيل الأصول اللغوية لكلمة قمار أنها مأخوذة من قمرت الرجل أقمره بالكسر قمراً إذا لاعبته فغلبته، أو مأخوذ من القمر آية الليل، لأنه يزيد مال المقامر تارة وينقص أخرى كما يزيد القمر وينقص. والميسر والقمار معناه اللعب على عِوضْ بأن يخرج كل واحد من اللاعبين مالاً على أن من غَلب فله أخذ المالين، وضابط القمار المحرم هو أن يكون أحد المقامرين غانماً أو غارماً بسبب الحظ. وهو حرام بالإجماع لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} [المائدة:90-91]. وهذا من صريح النهي ومن أقوى أشكال التحريم فهناك أداة الحصر في أن الميسر رجس إلى جانب ما ذكر، ثم كونه ذكر مع الخمر وأماكن ذبح الجاهلية على أصنامها والأقداح التي تضرب في الأسفار وفي كل أمر ذي بال للفعل أو عدم الفعل واعتقاد ذلك إرادة الآلهة، وهذا يفيد انه من جنسها وشكلها ويأخذ حكمها في التحريم. ثم الميسر والقمار من عمل الشيطان وبيئته ووسائله التي يوقع بها الناس في الضلال والفساد والانحراف وإفساد ذات البين، وذكرِ الله تعالى، وهو أعلم أن هذه المصيبة توقع العداوة والبغضاء بين المتقامرين، ولهذه الاعتبارات جميعا لم يكتف الشرع بتحريمه بل أمر باجتنابه وعدم الاقتراب منه بأي شكل من الأشكال. الميسر والقمار من عمل الشيطان وبيئته ووسائله التي يوقع بها الناس في الضلال والفساد والانحراف وإفساد ذات البين، وذكرِ الله تعالى، وهو أعلم أن هذه المصيبة توقع العداوة والبغضاء بين المتقامرين، ولهذه الاعتبارات جميعا لم يكتف الشرع بتحريمه بل أمر باجتنابه وعدم الاقتراب منه بأي شكل من الأشكال. وهو حرام لكونه من صور أكل أموال الناس بالباطل، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ} [النساء:29]. وفى صحيح البخاري ورد أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: "من قال لصاحبه تعالى أقامرك فليتصدق، أي عليه إفك، ويجب عليه الصدقة للتكفير" رواه البخاري. قال ابن حجر رحمه الله: (القمار حرام باتفاق، والدعاء إلى فعله حرام). 2- إذا كانت وزارة الداخلية تعتبر أن لعبة "اللوطو" مثلا ينظمها القانون، فإن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية تصنف اللعبة ذاتها ضمن لائحة القمار والميسر، وذلك وفق فتوى لها على موقعها الإلكتروني، كيف يمكن للمواطن المغربي المسلم أن يتعامل مع هذا الاختلاف بين وزارتين تجمعها حكومة واحدة؛ وبين ما ينصّ عليه الشرع من جهة؛ وبين ما تقره القوانين المعمول بها من جهة أخرى؟ في مثل هذا يصدق القول إذا كنت في المغرب فلا تستغرب، فالمفروض أن الدستور الذي ينص على الإسلام دينا للدولة يؤطر مختلف الوزارات والمؤسسات العمومية، ويعتبر كل ما يخالف أحكام الإسلام وشريعته خارجا عن إطار الدستور وفاقدا للشرعية، بما يستوجب تدخل المحكمة الدستورية لترجع من جانَب الصواب إلى التزامه والاستقامة عليه. فالدين عندنا وأحكام الإسلام ليست خاصة بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، والقمار واضح المخالفة لدين الله وشرعه ولا يصح في العقل والشرع والمصلحة الفردية والأسرية والمجتمعية أن يجد حماية ورعاية وتشجيعا وترويجا من وزارة الداخلية أو وزارة السياحة والرياضة أو الاقتصاد وغيرها.
3- إذا كانت الدولة تجني ضرائب من قطاع القمار وتنعش المجال الرياضي من أمواله؛ كيف تقيم الخسائر التي يخلفها على المستوى الاجتماعي والصحي والأمني وغير ذلك؟ الدولة المواطنة تراعي عقيدة مواطنيها وما ينفعهم وما يفيدهم قبل أن تنظر إلى ما يملأ خزينتها، أو بالأحرى ما تتوهمه كذلك، فما قيمة أموال أجنيها من آفة خسائرها في النفوس والأسر والقيم والعلاقات وحتى الأموال فادحة جدا. فحبذا لو تكون هيئة نزيهة ومستقلة تقوم بدراسة علمية دقيقة ومعمقة حول كثير من الآفات كالخمر والقمار؛ والتي يظهر أنها تدر أموالا على الخزينة؛ وما هي مخرجاتها الحقيقة وأثارها السلبية على المستوى الاجتماعي والصحي والأمني والاقتصادي، ولا شك ستجد الفاتورة المؤداة ضخمة ومكلفة والمنافع السطحية الظاهرة إنما هي منافع فئة محدودة من المفسدين للشعوب والذمم والأخلاق، كما قال تعالى: "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا". فمن مضار آفة القمار والميسر أنه مرْضٍ للشيطان مسخط للرحمن -عز وجل-، ويوقع العداوة والبغضاء بين الناس، ويوسع شقة الخلاف، ويوقد نار الأحقاد والضغائن بين اللاعبين به، ويفكك عرى الأسر، حيث يذهل المقامر عن نفسه وأهل بيته ومن يعول وتلهيه الأحلام المستقبلية، ويضيع ماله من أجل أمر قليل الوقوع، وحتى إذا جاءه شيء سارع إلى تبذيره والمقامرة به لطمع أكبر. ويشيع القمار النفور من الكسب في المجتمع ويجعله اتكاليا على أحلام وأوهام لا خير فيها، ويلهي القمار عن الصلاة ويصد عن ذكر الله، ويجر معه آفات لا تعد ولا تحصى، من تضييع الأعمال والوظائف، وتضييع الأوقات فيما لا يفيد، وتشريد الأسر والأطفال، ومن يرجع للبرامج الخاصة بهذه الآفة والمقابلات مع أصحابها يقف على حقائقها الصادمة والخطيرة. وما قيمة ما يجنى من مال إذا ساد الطلاق وتشرد الأطفال وتمزقت الأسر وضاع الإنسان. * د.محمد بولوز: الباحث في العلوم الشرعية وعضو مركز المقاصد للدراسات والأبحاث.