خصصت اليومية المناضلة >التجديد< في عددها الأخير الأسبوع الماضي لنازلة القمار بمناسبة انطلاق أكبر مسابقة عالمية للقمار بمراكش، بسؤال: أين العلماء والدعاة من مواجهة طوفان القمار؟ وقد أثار في نفسي هذا السؤال الكتابة لسببين: الأول: تحميل العلماء والدعاة مسؤولية البيان والتبصير بالحكم الشرعي الذي استقر في الشريعة الإسلامية وجميع الشرائع السماوية التي تنشد الأخلاق ومكارم الكسب الحلال لخلق الله جميعا، بل حتى كثيرا من القوانين الوضعية تجرم هذا الفعل وتعاقب عليه. الثاني: تحميل العلماء والدعاة مسؤولية الوقوف في وجه كل المظاهر المخلة بالدين أو الأموال أو الأعراض أو النفوس.. وإذا كنا قد تكلمنا في غير ما مناسبة عن الغلو؛ والتطرف؛ وحوادث السير القاتلة؛ والأمراض المهلكة .. ونحن فرحون ببعض ما قمنا به في هذا الصدد من حيث المساهمة في التقليل من الفتن والشرور ودفعهما عن الناس، بالتنبيه إلى الحكم الشرعي اللازم التزامه والسير على هداه فإننا لن نتردد في الحديث عن القمار من حيث بيان الحكم الشرعي الذي نادت به كلمة السماء، ومن حيث التنديد به وبكل مخالفة لهذه الشريعة الغراء. القمار حرام في القرآن الكريم والسنة النبوية بل إنه من الكبائر التي نص عليها الإسلام، وأمر بالكسب الحلال الذي يجتهد فيه الإنسان، ويكافح من أجل البحث عن الرزق الحلال الذي بذل فيه جهده ولم يدخر وسع من أجل أن يكافأ ما توصل إليه. ومن تم كان القمار من السيئات والمنكرات، وتتمثل هذه الجريمة فيما يلي: أ القمار أكل للباطل: والباطل هو كل كسب حصله الإنسان من غير جهد ومن غير طريق الميراث، فقد جاءت الأموال باطلا كما في لغة الناس. يقول الله تعالى في محكم كتابه من سورة النساء: يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نصليه ناراً وكان ذلك على الله يسيراً. فهو أي القمار من المعاملات المالية التي تدخل عند أهل العلم ضمن الأكل الباطل لأموال الناس، وفي كثير من الأحيان أدت هذه المعاملة المنكرة إلى القتل والتقاتل. ب القمار عمل شيطاني: وقد ورد تحريمه صراحة وبالنص عليه ضمن آيات الكتاب الكريم، في مثل قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون(سورة المائدة91-90). والميسر في اللغة وشرعا هو: القمار كيفما كانت صورته، لأن حقيقته هي استدراج الإنسان لربح أكبر، وإيهامه بسرعة تحصيل ذلك، فيتحول الأمل والتغرير إلى الاستحواذ على جميع ماله بالتوهم والتلاعب والحيل. قال العلماء وأهل اللغة: والميسر مأخوذ من اليسر و السهولة لأن كسب القمار يكون من غير جهد ولا مشقة ولا عمل. وقد قرنه عز وجل في المنكر والجرم بالخمر كسلوك عدواني على النفس، كما قرنه بالشرك(الأنصاب) كعدوان على حق الله تعالى في إخلاص العبودية له وحده دون سواه. وكلها أعمال وإن وقع تزيينها وتجميل قبحها، بالإشهار لها بكل وسائل الإغراء، إنما هي في حقيقتها وواقع حالها سبيل من سبل الشيطان في الغواية، بل هي بتعبير القرآن الكريم: رجس، والرجس هو:ما لا خير فيه؛ القذر؛ والإثم والعذاب. وكلها معان حاضرة في القمار. ولكونها على هذه الدرجة من المنكر، فإن مآلاتها هي: العداوة والبغضاء بين الناس، والصد عن الله وعن الصلاة، كما هو نص القرآن الكريم. ج القمار وبال على دنيا الإنسان وآخرته: ففي البخاري عنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: من أخذ من الأرض شيئاً بغير حقه خسف به إلى يوم القيامة إلى سبع أرضين. ويروى أيضاً عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: من أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله. وحذر عليه السلام من أكل الحرام عموماً ومن نماذجه القمار، فقال: كل لحم نبت من حرام من فالنار أولى به. ولقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم: من قال لصاحبه تعال أقامرك فليتصدق . لأنه إذا كان يريد إتلاف ماله ففي الخير ونيل الأجور، لا في الأوزار والآثام. القمار حرام بالإجماع ولأنه حرام ومنكر وكبيرة من الكبائر، فقد وقع الإجماع على تحريم القمار من طرف جميع العلماء والدعاة، قديما وحديثا، الأحياء منهم والميتين، كلهم وجميعهم لم يرد عن واحد منهم الاستهانة بشره أو التردد في حكمه. إن كل العلماء من جميع المذاهب وعبر كل العصور لا يزالون على الكلمة الأولى وهي: أن القمار من المحرمات القطعية في الدين. ولا يزال العلماء في خطبهم ودروس وعظهم، وفي مؤلفاتهم ومقالاتهم، يحذرون من جريمة القمار في حق النفس والمجتمع، لا يترددون في التنفير والتشديد في حكم هذه المعاملة الخبيثة. وأي مبرر يعطى لتبرير صحة هذا المعاملة فإن من المفاسد العظيمة الخطيرة التي ينطق الواقع البشري كافية لإغراق هذه التبريرات في بركتها الآسنة. ولعلمه عز وجل بالنفوس البشرية الضعيفة أو الشرهة إلى هذه المصيبة وأنهم سيذكرون بعض منافعها، فقد قرر الحق سبحانه هذه المنافع المذكورة، وذكر أنها في ميزان المصالح والمفاسد، منافع هزيلة أمام جبال من المفاسد والكوارث، فقال تعالى: يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمٌ كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما(سورة البقرة:912). القمار رأس كل البلايا وقد ذكر العقلاء من كل الأمم أن القمار تتناسل عنه جميع الكوارث والمصائب، ومن هذه البلايا: الاستدانة؛ والاستجداء؛ وتخريب الأسر؛ والإصابة بالأمراض العصبية والنفسية؛ والتوتر؛ والإدمان على الخمور والمخدرات لنسيان فضيحة نتيجة القمار؛ والشيخوخة المبكرة ...وختم هذه السلسلة بالانتحار والتخلص من هذه النفس المقامرة. و قد صنف خبراء منظمة الصحة العالمية الهوس بالقمار مع أمراض الإدمان عام .1994 لا يتورع أهل القمار عن بيع العرض والوطن إن من أشرب قلبه هذه الخبيثة لا يتورع من أجل الربح السراب أن يبيع العرض من أجل الربح. فكم من مقامر بعد فناء ماله، وإحاطة الخسارة بما يملك، لم يتورع أن يدفع عرضه للمقامرة من أجل الفرصة الأخيرة للفوز، وكم من مقامر أنهكته حيلة الربح، فلم يتورع عن بيع وطنه وأمته من أجل المقامرة. وقد عرف في الغرب على شاطئ أحد البحار صخرة تدعى بصخرة الانتحار، حيث يضع المقامر ما بقي لديه من أموال قليلة وزوجة على طاولة القمار، فإذا خسر صعد الصخرة لينتحر. وقد نشرت المجلة الأمريكية تايم تقريرا عنها في أحد أعداها. العلماء والدعاة لم يبدلوا إن العلماء الربانيين، والدعاة المخلصين، يستشعرون أمانة التوقيع عن الله، ويعتبرون ما اعتبرته شريعة الإسلام، ويرفضون ما رفضته، ولذلك فإن حديثهم عن القمار يتسم بكل جرأة في ذكر حكمه الذي هو التحريم، ويصنفونه في المرتبة الكبيرة، فيدخلونه في الكبائر التي لا تمحى إلا بالتوبة الصادقة: عن طريق الإقلاع، ورد الأموال إلى أصحابها ليتخلص المقامر من الحرام، ويعزم مع ربه أن لا يعود. ومن الثوابت المغربية: التصوف السني على طريقة الجنيد رحمه الله تعالى. ومن أصوله التي عبر عنها ابن عاشر في المرشد المعين على الضروري من علوم الدين، قوله: وتوبة من كل ذنب يجترم تجب فورا مطلقا مع الندم