الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد هوية بريس – الثلاثاء 28 أكتوبر 2014 الحمد لله ربّ العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، ونعوذ بالله من همزات الشياطين، ومن شرور المستغربين التغريبيين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد القائل: «ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء»، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد، فإن نعم الله عز وجل على الغالبية العظمى من جزيرة العرب وفي مقدمتها الحرمان الشريفان مكة والمدينة أن جعل ولايتها خلال ثلاثة قرون في أسرة سعودية كريمة، بدأت في منتصف القرن الثاني عشر الهجري على يدي الإمامين محمد بن عبدالوهاب ومحمد بن سعود رحمهما الله، وقد قامت هذه الدولة على نصرة الدين وتحكيم الشريعة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وذلك من أعظم أسباب قيامها وبقائها؛ كما قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}، وقال: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}، وقد مرت بأدوار ثلاثة، بدأ الدور الثالث منها قبل مائة عام على يدي الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود رحم الله الجميع. وقد ظلت النساء المسلمات في ولاية هذه الأسرة وكذا ما قبلها من القرون منذ فرض الحجاب على الحشمة وستر الوجوه والبعد عن مخالطة الرجال، وكان بدء السفور وكشف والوجوه في الشام ومصر وغيرها من بلاد المسلمين في أثناء القرن الماضي، وقد ذكرت ذلك في كلمات سابقة نقلاً عن الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله وغيره، ولم يبق على طريق السلامة وحراسة الفضيلة إلا البلاد السعودية التي هي البقية الباقية، ومنذ سنوات قليلة وبعد ولاية خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله ووفقه لما فيه رضاه أظهرت أفاعي التغريبيين رؤوسها بتهوين أمر الحجاب والاختلاط بالنساء في هذه البلاد لتلحق بالبلاد الإسلامية الأخرى التي سبقت إلى الانفلات اقتداء وإعجاباً بنساء الغرب وغيرهن ممن تخلين عن الفضائل وانغمسن في الرذائل، وقد وُجد في هذه البلاد المحافظة على الفضائل أخيراً تساهل النساء في السفور وكشف الوجوه واختلاطهن بالرجال في مجالس ولجان ومنتديات وأعمال واستوديوهات إذاعة وغير ذلك، وفيهن -بسبب قلة الحياء- من تمازح وتضاحك من تطلق عليه زميلها وكأنه أحد محارمها! ويرجع هذا الانفلات الطارئ على النساء في بلاد الحرمين إلى أمرين: أحدهما: فقدُ هذه البلاد لعالمين كبيرين لهما وزنهما عند الراعي والرعية، هما شيخنا الشيخ عبدالعزيز بن باز والشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمهما الله، وقد شبَّهتُ في بعض الكلمات السابقة عظم فائدة بقاء شيخنا الشيخ عبدالعزيز بن باز في هذه البلاد ببقاء سد يأجوج ومأجوج، وقد جاء في بيان الديوان الملكي المشتمل على إعلان نبأ وفاته رحمه الله في 27/1/1420ه الجملة التالية: «ولقد خسر المسلمون بوفاة سماحته خسارة كبيرة؛ حيث فقدوا بفقده عالماً جليلاً كرَّس كل حياته في سبيل العلم وخدمة الإسلام والمسلمين على اختلاف أوطانهم في جميع أنحاء المعمورة»، وقد قال الشاعر: سيذكرني قومي إذا جدَّ جدُّهم***وفي الليلة الظلماء يفتقد البدرُ ومن كلمات شيخنا الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله في التحذير من فتنة السفور وكشف الوجوه قوله كما في «مجموع فتاويه» (5/224): «ومن المعلوم أن الدعوة إلى سفور المرأة عن وجهها دعوة باطلة ومنكرة شرعا وعقلاً ومناهضة للدين الإِسلامي ومعادية له… ودعاة السفور المروجون له يدعون إلى ذلك إما عن جهل وغفلة وعدم معرفة لعواقبه الوخيمة، وإما عن خبث نية وسوء طوية لا يعبأون بالأخلاق الفاضلة ولا يقيمون لها وزنا، وقد يكون عن عداوة وبغضاء كما يفعل العملاء والأجراء من الخونة والأعداء فهم يعملون لهذه المفسدة العظيمة والجائحة الخطيرة، ليلاً ونهارا، سرًا وجهارًا، جماعة وأفرادا، إنهم يدعون إلى تحرير المرأة من الفضيلة والشرف والحياء والعفة إلى الدناءة والخسة والرذيلة وعدم الحياء… والدعوة إلى السفور ورفض الحجاب دعوة لا تعود على المسلمين ذكورهم وإناثهم بخير في دينهم ولا دنياهم، بل تعود عليهم بالشر والفجور وكل ما يكرهه الله ويأباه، فالحكمة والخير للمسلمين جميعا في الحجاب لا السفور في حال من الأحوال… ومعلوم أن تغطية المرأة لوجهها ومفاتنها أمر واجب دل على وجوبه الكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح…»، ومن كلمات الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه لكتاب «رياض الصالحين» (2/486)، قوله: «وما أكثر الفساد في البلاد التي يتوظَّف الرجال فيها مع النساء… ولا شك أن أعداءنا وأذناب أعدائنا -لأنه يوجد فينا أذناب لهؤلاء الأعداء، درسوا عندهم وتلطَّخوا بأفكارهم السيئة، ولا أقول إنهم غسلوا أدمغتهم، بل أقول إنهم لوَّثوا أدمغتهم بهذه الأفكار الخبيثة المعارضة لدين الإسلام- قد يقولون: إن هذا لا يعارض العقيدة، بل نقول إنه يهدم العقيدة، ليس معارضة العقيدة بأن يقول الإنسان بأن الله له شريك، أو أن الله ليس موجودا وما أشبهه فحسب، بل هذه المعاصي تهدم العقيدة هدما، لأن الإنسان يبقى ويكون كأنه ثور أو حمار، لا يهتم بالعقيدة ولا بالعبادة، لأنه متعلق بالدنيا وزخارفها وبالنساء، وقد جاء في الحديث الصحيح: «ما تركتُ بَعدي فتنة أضرَّ على الرجال من النساء»، ولهذا يجب علينا نحن -ونحن أمة مسلمة- أن نعارض هذه الأفكار، وأن نقف ضدها في كل مكان وفي كل مناسبة، علما بأنه يوجد عندنا قوم -لا كثَّرهم الله ولا أنالهم مقصودهم- يريدون هذا الأمر، ويريدون الفتنة والشر لهذا البلد المسلم المسالم المحافظ، لأنهم يعلمون أن آخر معقل للمسلمين هو هذه البلاد، التي تشمل مقدسات المسلمين، وقبلة المسلمين، ليفسدوها حتى تفسد الأمة الإسلامية كلها، فكل الأمة الإسلامية ينظرون إلى هذه البلاد ماذا تفعل، فإذا انهدم الحياء والدين في هذه البلاد فسلام عليهم، وسلام على الدين والحياء. لهذا أقول: يا إخواني، يجب علينا شبابا، وكهولا، وشيوخا، وعلماء، ومتعلمين، أن نعارض هذه الأفكار، وأن نقيم الناس كلهم ضدَّها، حتى لا تسري فينا سريان النار في الهشيم فتحرقنا، نسأل الله تعالى أن يجعل كيد هؤلاء الذين يدبِّرون مثل هذه الأمور في نحورهم، وأن لا يُبلِّغهم منالهم، وأن يكبتهم برجال صالحين حتى تخمد فتنتهم، إنه جواد كريم». الثاني: وجود بطانة سيئة على رأسها رئيس الديوان الملكي خالد التويجري مع طغمة من الوزراء وكبار المسئولين، ذكرتُ جملة من مساوئهم في كلمة بعنوان: «أشكال التغريب الطارئ أخيراً على بلاد الحرمين في الوزارات والإدارات الحكومية وغيرها» نشرت في 5/5/1434ه، ولم يكتف رئيس هذه البطانة بانفلات النساء الذي حصل في بعض الوزارات، بل سعى مع طغمته إلى وجود ذلك رسمياً في مجلس الشورى والمجالس البلدية، فقد كان يطوف بنفسه على بعض كبار المشايخ في منازلهم مبدياً رغبة خادم الحرمين – التي هي في الحقيقة رغبته ورغبة طغمته – في إدخال النساء في مجلس الشورى والمجالس البلدية يستجدي من هؤلاء المشايخ الموافقة على ذلك وفقاً للضوابط الشرعية في زعم هذه الطغمة، وهل من الضوابط الشرعية اختيار عدد كبير من التغريبيات يجلسن في مقابلة الرجال في مجلس الشورى وفيهن سافرات الوجوه؟! وكن موضع إعجاب السفير البريطاني وثنائه الذي ذكرته في كلمة «أشكال التغريب» المشار إليها آنفاً، وما أعظم جناية هذا الماكر وطغمته على خادم الحرمين الملك عبدالله حفظه الله ووفقه لما فيه رضاه في سعيهم الحثيث لإيجاد هذه المنكرات في عهده وفي آخر حياته، وبقي مما شمله مكرهم دخول النساء في المجالس البلدية ترشحا وترشيحاً لا بلَّغهم الله مرادهم، وإني لأهيب بكل ناصح لهذه البلاد حكومةً وشعباً من العلماء والأمراء وغيرهم أن يبذلوا ما يستطيعون لإيقاف هذا الزحف لتدمير الأخلاق في هذه البلاد، وأخص بالذكر أبناء خادم الحرمين أن يغاروا لوالدهم ولا يتركوا هذا الماكر وطغمته يعيثون في الأرض فساداً فيُنسب ذلك إليه ويضاف إلى عهده فيضيِّعون عليه دينه ودنياه، ولا شك أن إقحام النساء في المجالس البلدية أعظم خطراً مما حصل في مجلس الشورى؛ لأن فيه تعميم هذا الفساد بانفلات النساء في المدن والقرى، وهذه المفاسد التي حصلت وتحصل بسبب هؤلاء التغريبيين الماكرين بهذه البلاد حكومة وشعبا نتج عنها ما تعانيه هذه البلاد من تمرد بعض شذاذها سفهاء الأحلام من الصغار والكبار وما أحاط بها من مخاوف وأخطار، ولا عصمة من هذه الشرور إلا بالتمسك بالحق والهدى والالتزام بالشريعة وحراسة الفضيلة والأخذ بنصح الناصحين والحذر من كيد الماكرين من كبار التغريبيين؛ وقد قال الله عز وجل: {وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}، وقال: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}، وقال: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا}، وقال شيخنا الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله كما في «مجموع فتاويه» (4/127): «فما يصيب الأمة أو الأفراد من فتن أو صد عن سبيل الله أو أوبئة أو حروب أو غير ذلك من أنواع البلاء فأسبابه ما كسبه العباد من أنواع المخالفات لشرع الله؛ كما قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}، وقد بيَّن الله جل وعلا ما حصل لبعض الأمم السابقة من العذاب والهلاك بسبب مخالفتهم لأمره ليتبيَّنه العاقل ويأخذ من ذلك عظة وعبرة». وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم الذي خلق كل شيء وهو بكل شيء عليم أن يحفظ على بلاد الحرمين أمنها وإيمانها وسلامتها وإسلامها وحسن أخلاقها وصلاح شبابها واحتشام نسائها ويقيها شر الأشرار وكيد الكفار، وأن يوفق ولاة الأمر فيها لكل خير ويحفظهم من كل شر ويهيئ لهم من أمرهم رشداً، وأن يهيئ لهم بطانة الخير ويصرف عنهم بطانة السوء إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.