هوية بريس – الثلاثاء 21 أكتوبر 2014 لقد كشفت أزمة شمال مالي التي نشبت في سنة 2012 عن مدى المخاطر الأمنية الكبيرة التي تتهدد منطقة الساحل والصحراء ودول شمال إفريقيا واستقرارها وامن شعوبها بعدما سيطرت الجماعات المتطرفة المسلحة على منطقة الازاواد في تطور دراماتيكي للأحداث اندلع عقب الانقلاب العسكري الذي قاده ضباط في الجيش المالي ضد الرئيس امادو تومانو توري. فقد أصبحت المنطقة مسرحا لعمليات ولنشاط المجموعات الانفصالية والمجموعات الإرهابية المسلحة خاصة بعد تحول الجماعة السلفية للدعوة والقتال بالجزائر إلى اسم القاعدة في المغرب الإسلامي وارتباطها بالإرهاب العالمي وإعلانها الحرب على جميع دول المنطقة مهددة بذلك الأمن والاستقرار والتعايش والسلام وسلامة الأجانب من السياح والعاملين بمنظمات الإغاثة الدولية. لقد كانت تلك الأزمة مؤشرا واضحا على الضعف الهيكلي الذي تعاني منه دولة مالي وكذا عدد من دول الساحل الإفريقي ومؤشرا موضوعيا على السياسات العبثية التي استمرت طيلة السنين الماضية في تدبير الشؤون الداخلية وتحقيق الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة بالإضافة إلى الممارسات غير المنضبطة لقواعد القانون الدولي وعدم احترام حسن الجوار والتساهل في ضبط وحماية الحدود أمام الهجرة السرية وتجارة المخدرات والسلاح وضعف العمل المشترك والتنسيق لتحصين الأمن الإقليمي من خطر الإرهاب والجريمة العبر الوطنية مما اضر بشكل بالغ بكل جهود التنمية الإقليمية وبدينامية التعاون الاقتصادي والاستراتيجي. خاصة بالنسبة لدول الساحل الرئيسية الجزائرومالي وموريتانيا والنيجر وهو ما أدى في النهاية إلى تفريخ منظمات الجريمة العبر الوطنية والمجموعات الإرهابية والتنظيمات المسلحة الجديدة التي تتبنى العنف والقتل والتدمير في سبيل تحقيق مشاريعها التخريبية كما أدى إلى التدخل العسكري الدولي بالمنطقة خاصة التدخل الفرنسي المدعوم أمريكيا وغربيا من اجل إعادة السيطرة على المنطقة وحماية مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية ودعم الدول الإفريقية الحليفة للغرب في إطار الحرب على الإرهاب. لقد كانت الأزمة المالية وما ترتبت عنها من تداعيات إقليمية ودولية خطيرة نموذجا واقعيا على ما يمكن أن تسفر عنه الحركات الانفصالية والمليشيات المسلحة من دمار وتخريب في المنطقة برمتها وتهديدات أمنية قد تتجاوز مدى منطقة الساحل والصحراء لتمتد إلى كامل منطقة شمال إفريقيا خاصة بعد الأزمات التي شهدتها ليبيا وتونس إبان حراك الربيع العربي وتمكن عدد من الحركات الجهادية من الاستحواذ مخازن الأسلحة التي فتحت على مصراعيها بعد سقوط نظام القذافي وبعد أن تحولت مخيمات المحتجزين بتندوف إلى ملجأ امن لعدد من قيادات تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي وثبوت تعاون جبهة البوليساريو مع التنظيمات الإرهابية ومنظمات الجريمة العبر الوطنية وتنسيقها المستمر معها في تجارة البشر والهجرة السرية وتهريب المخدرات وتجارة الأسلحة وتجارة المساعدات الإنسانية. إن تأثيرات الوضع الأمني غير المستقر في الساحل الإفريقي على قضية الصحراء المغربية تبدو أثاره اليوم كذلك جلية على المنطقة أكثر من أي وقت مضى خاصة مع تمادي جبهة البوليساريو في الممارسات العدائية ضد الوحدة الترابية المغربية التي تنتهجها بدعم واضح من النظام الجزائري من اجل عرقلة مسلسل التسوية السياسية للنزاع وفقا للدينامية الجهوية التي أطلقتها الأممالمتحدة ووفقا لمقترح الحكم الذاتي الذي قدمته المملكة المغربية والذي يضمن تطبيقه إنهاء حالة الصراع بالمنطقة وإيجاد الحل العقلاني للمعاناة الإنسانية التي يكابدها منذ 39 سنة المحتجزون الصحراويين بمخيمات تندوف وطي ملف الصحراء المغربية بشكل نهائي ضمن منظومة تشاركية توافقية تروم التعايش المشترك وضمان حقوق الإنسان وتحقيق التنمية. لقد سعى المغرب بشتى الطرق الدبلوماسية إلى محاولة احتواء الخلاف الإقليمي مع الجزائر والذي يسببه دعمها للطرح الانفصالي المناوئ للوحدة الترابية المغربية وخدمة الأجندات الاستعمارية في المنطقة وتعطيل مسيرة الاتحاد المغاربي وتقويض جهود التعاون المشترك لتحقيق التنمية ومحاربة الإرهاب والتطرف وكل أشكال الجريمة المنظمة العابرة للحدود. فسياسة العبث التي يسلكها النظام الجزائري في الكيد للوحدة الترابية المغربية والنفخ في النعرات الانفصالية ودعم مليشيات البوليساريو واحتضانهم قد تفضي إلى تحويل المنطقة برمتها إلى بؤرة من نار مشتعلة خاصة مع تدهور الوضع السياسي الجزائري وعدم استقراره وازدياد حالات الانفلات الأمني الحاصل بجنوب الجزائر وبدول الجوار. كما ظهر بالملموس أن السياسة التي اتبعها النظام الجزائري منذ عقود في تأجيج الصراعات الحدودية وضرب مقومات الوحدة المغاربية وزرع بذور الصراع والكراهية بين شعوب المنطقة هو ما أدى في النهاية إلى ظهور الجماعات الإرهابية والمتطرفة التي وجدت في التربة الجزائرية خلال التسعينيات المناخ الملائم للتفريخ والتكاثر والانتشار في المحيط الإقليمي كان شمال مالي ابرز ضحايا تلك السياسة البئيسة. لقد كشفت أزمة شمال مالي بعد سيطرة الجماعات المسلحة على إقليم الازاواد عن مخاطر جمة تتهدد التعايش الإنساني والتراث والهوية والثقافات المحلية حيث عملت تلك الجماعات والمجموعات بعد استيلائها على مدينة تومبكتو التاريخية على انشاب مخالب التخريب والدمار والتدمير في احد أهم المعالم الحضارية في الغرب الإسلامي وإحراق عدد من المخطوطات والكتب النادرة ومحاولة فرض نموذج مجتمعي متطرف وغريب عن الوسطية والاعتدال الديني والسماحة التي عرف بها الطوارق في المجتمع الازوادي وضرب ارتباطهم الروحي بالزوايا والطرق الصوفية وفرض أيديولوجيا دينية جديدة على الساكنة تعتمد على التطبيق المتعسف لأحكام الشريعة الإسلامية في ظل وضع إنساني مأساوي وفقر مدقع ونقص شديد في الغذاء والكساء وضرورات الحياة الكريمة. إن مخاطر تأجيج النزعات الانفصالية في منطقة الساحل وبالخصوص في الصحراء المغربية تكمن في انها تعمل على تعريض امن المنطقة كلها للوقوع بين مخالب مشاريع الفوضى والضعف الهيكلي والقضاء على استقرار وأمن المنطقة وإدخالها في دوامة حروب إقليمية لا تنتهي حيث ستوفر المساحات والمناخ الملائم للجماعات المتطرفة والمتشددة لكي تنمو وتتكاثر لنشر التخريب والتدمير والفوضى في كامل المنطقة مستغلة تصارع الدول وانهيار السلط السياسية وضعف الاستراتيجيات الأمنية وتفاقم الصراعات الإقليمية الحدودية وتناقضاتها والتشرذم الداخلي الديني والمذهبي والقبلي كما هو الحال بمالي والنيجر وضعف أنظمة الحكم وعبثية سياساتها الداخلية والخارجية كما هو حال الجزائر وموريتانيا.