"من المحتمل أن يؤدي الوضع في مالي إلى تقارب مغربي جزائري في ظل وجود مخاطر أمنية بالمنطقة"، كان هذا واحداً من السيناريوهات التي رسمها عادل الموساوي، أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية، لما تعيشه منطقة الساحل الإفريقي. مضيفا خلال الحلقة النقاشية نظمتها مؤسسة خالد الحسن للدراسات والأبحاث صبيحة يوم السبت 9 فبراير الجاري بالرباط، بأن الوضع في منطقة الساحل الإفريقي، قد يساهم في وجود تعاون إقليمي، فضلا عن تدشين عملية سياسية توافقية بدولة مالي، وبناء جيشها، في أفق الإعلان عن نظام فيدرالي. وقال موسوي في الحلقة المعنونة ب"التدخل الفرنسي الغربي في مالي التفاعلات والتداعيات على منطقة الساحل والصحراء"، ونشطها الصحفي والباحث ياسين الطلعاوي (قال) "إن المنطقة في حاجة إلى بناء تكتلات قوية على المستوى الاقليمي قادرة على منافسة التكتلات الدولية، لأن المرحلة لم تعد تطيق وجود كيانات صغيرة". والسيناريو الثاني الذي من المتوقع أن تعرفه المنطقة وفق موسوي، تنامي هواجس "أفغنة" أو "صوملة" منطقة الساحل والصحراء، المعروفة اختصارا ب"س.ص"، في حالة تحقيق أي انتصار عسكري فرنسي لن يستطيع الجيش المالي مواكبته، سيما أنه "جيش انقلابي وضعيف، تخترقه عشرين إثنية، مما يهدد بانتقال عدوى الحرب إلى الدول المجاورة كالتشاد على سبيل المثال". ومن بين أسباب التدخل الفرنسي، كما نقل الموساوي عن بعض المراقبين للوضع "إدراك فرنسا تساهلها مع العناصر المسلحة في مسألة فداء الأسرى، حيث قدمت حوالي 17 مليون دولار وفق ما صرحت به مسؤولة أمريكية. مما يحقق للجماعات الإرهابية موردا ماليا مهما". ومن بين الأسباب الخفية محاولة الرئيس الفرنسي الجديد فرانسوا هولاند أن يُظهر نفسه بأنه رجل قوي قادر على اتخاذ قرارات حاسمة، بما يساهم في تبديد الشكوك حول افتقاره للخبرة في الشأن الخارجي. هذا، إضافة إلى تخوف باريس من انتقال العدوى إلى مناطق توجد فيها مصالحها الاقتصادية مثل النيجير، حيث تحتدم المنافسة الشرسة على الثروة النفطية واليورانيوم مع دول أخرى يقع على رأسها الصين. وبعد تعبيره عن استغرابه من تحول الموقف الجزائري بمائة وثمانين درجة، من رفض التدخل الفرنسي إلى موقف داعم، يقول الموساوي "لقد فاجأ هذا الموقف الجميع، فبعدما كانت الجزائر ترفع شعار (الساحل للساحليين) رغبة منها بالانفراد بالمنطقة، انتقلت إلى النقيض من موقفها. مُرجعا هذا التحول إلى الاهتمام الجزائري بالمنطقة لموقعها الجيوسياسي، لدورها المهم في الوحدة الترابية للجزائر، إضافة إلى تمركز الزعامة الرمزية للطوارق بمالي الذين يعلن طوارق الجزائر ولائهم لها. هذا دون إغفال، يتابع موسوي، وجود مصالح نفطية جزائرية بالمنطقة، مشددة على دور ما سماه الدبولماسية النفطية بالمنطقة. من جهته، قال مصطفى الشرقاوي، الباحث المهتم بالشأن الإفريقي والديبولماسي المغربي السابق بنيجيريا،"للتدخل الفرنسي بمالي عواقب سلبية وأخرى ايجابية. إذ تتمثل الأولى في تفكيك الجماعات المسلحة إلى أنوية صغيرة، مما تصعب معه مواجهته. محذرا من احتمال استهداف المصالح المغربية بمالي بالنظر الى تقديم المساعدة المغربية للحكومة المالية، وهي المساعدة التي ستكون لها عواقب ايجابية، وفق الشرقاوي، ومنها احتمال تغير الموقف المالي من الوحدة الترابية للمغرب، كما أن امكانية تطبيق الحكم الذاتي في مالي لحل مشكل الأزاواد، بإمكانه دعم الطرح المغربي على المستوى الإفريقي في تقديمه مقترح الحكم الذاتي لحل النزاع المفتعل في صحرائه. وبدوره أكد عبد السلام حرمة الله، أستاذ الفكر الإسلامي في جامعة نواكشوط، بتأثير ما يجري فيما مالي على النزاع المفتعل في الصحراء، موضحا بأن اهمال المنطقة التي يجري فيها الصراع حاليا بمالي جعلها "فريسة سهلة لكل الأطماع"، خاصة مع انهيار نظام القذافي بليبيا. ومن جانبه انتقد، العميد السابق بكلية الحقوق السويسي، عبد الرزاق مولاي رشيد، التعتيم الاعلامي الذي تمارسه فرنسا على المنطقة، مشيرا الى ان غياب المعطيات عن الوضع الحالي يعرقل عملية تحليل مآلاته المستقبلية وفق منهجية علمية واضحة. منوها بتنظيم مؤسسة خالد الحسن، لحلقة نقاشية في هذا الموضوع من أجل تسليط الضوء على واحدة من بين أبرز بؤر التوتر بالمنطقة. ومن جهته، وبعد أن أكد سعيد خالد الحسن، مدير المركز المُنظم لحلقة النقاش على فشل الاستعمار الأجنبي في تحقيق جميع أهدافه بالعالم الثالث، طالب الحاضرين بضرورة الاهتمام بما يجري حاليا بالمنطقة. إلى ذلك، أجمعت تدخلات الطلبة الباحثين المغاربة والأفارقة على تأثير ما يجري بمالي على الوضع الجيوستراتجي بمنطقة الساحل والصحراء وتنامي الأطماع الدولية والتهديدات الأمنية المحيطة بدول المنطقتين المغاربية وجنوب الصحراء. مؤكدين ضرورة الإسراع بخلق فضاءات للتعاون بين دول المنطقة وتكاملها الاستراتيجي.