هوية بريس – السبت 20 شتنبر 2014 عندما اقتحم عملاء الصهاينة هذه المساحة الضيقة التي تعج بالسكان البائسين المتخمين بالجراح، ظنوا أنهم سينتصرون على الطفولة المعذبة، وأن تلك العيون الجميلة الحالمة لن تقاوم المخرز. خرجت إليهم الطفولة بكل براءتها، بأحلامها ودميتها ورضاعاتها وحبها لفلسطين، لتقول لهم: يمكنكم أن تقتلونا وقد انتُزع منا السلاح، يمكنكم أن تغرزوا حقدكم وخناجركم وكراهيتكم في أجسادنا، ولكنكم لا ولن تقتلوا فينا المحبة والتوق إلى السلام والحرية. لن تقتلوا في نفوسنا صورة الأقصى وقبة الصخرة، فإنا عائدون أحياء أو جثثا هامدة، وإن النصر لآت عليكم، وعلى أسيادكم الذين يطوقون المخيم بدباباتهم ومدافعهم وقلنسواتهم وعبريتهم القبيحة. اقتحمت الذئاب المسعورة تلك الأحياء الفقيرة والأزقة الضيقة، وقد أظهروا رجولتهم المزيفة على المنازل المهدمة العزلاء، ففرغوا كل حقدهم المتراكم منذ هُزم ريتشارد على يد الناصر صلاح الدين، وألفونسو على يد أمير المسلمين يوسف ابن تاشفين، ولويس التاسع على يدي طورخان شاه. انتقموا لأسيادهم الصليبيين من الأطفال والنساء النائمين، بعد أشهر من القصف والحصار والدمار. فأظهر السفاحون حقدهم، وغلبت روح الشر والعدوان فيهم على بقايا إنسانية ضائعة في أجساد آدمية وقلوب متوحشة؛ وفي المقابل انتصر الإنسان في المخيم، الإنسان في كل ملامحه، في قلبه ومشاعره، وفي خوفه وحزنه، وتفوقه على القاتل. انتصرت الأم التي حاولت أن تحتضن طفلها وتمنع عنه الموت، فاستشهدا معا، فحرمت المجرم من الفرح في ساديته؛ وانتصر الأب الذي غطى أبناءه بجسده الهزيل، فرحلوا جميعا وفوت على السفاح نشوة الشعور بالتفوق والقوة. هناك في صبرا حيث اختلطت الآلام بالآمال، والماضي بالحاضر والمستقبل، وقررت المجزرة إعادة إنتاج نفسها على نفس النسق، تماما مثلما حصل في دير ياسين وكفر قاسم، تماما كما كان الحال في تل الزعتر والكرنتينا؛ فلم تنجح عقيدة الشر في أن تطوي عقيدة الخير وتمنعها من استكمال الحلم. بقي السفاح منطوٍ، أسير كوابيسه، واستمرت الضحية بحلمها الذي لا بد أن يتحقق، حلم لن يتمكن أحد من انتزاعه، لأنه مرتبط ارتباطا عضويا بالدم والتضحية، إنه يسري في العروق الممتدة على طول الجسد النحيف، من الناقورة إلى العقبة، والمستمد من إرادة الإنسان التي لا تقهر.