هوية بريس – السبت 23 غشت 2014 لا يكاد العجب ينقضي من ذوي الفكر الحداثي البائد الذي بدد جموع الأمة الإسلامية، وخرب عقول كثير من شبابها، حينما يعيدون علينا بين الفينة والأخرى أسطوانة ضرورة الانخراط الكلي في المشروع الحداثي حتمي الاتباع. كأنهم لم يقنعوا بما أصاب العالم الإسلامي من دوار ووجع تلك الحداثة النتنة التي خلفها الاحتلال الصليبي لبلداننا أيام جثمه على صدور أجدادنا ردحا من الزمن، ثم تركه سلالته المستغربة لتتم مشروعه الصهيوصليبي بعد رحيله، فهم يريدون زيادة ترسيخها في نفوس من لم يصب بعدُ بوبائها المدمر للعقول والقلوب. إن غلاة الحداثيين المفتونة قلوبهم بحداثة الغرب اللقيطة، يهتبلون أي فرصة لتمرير مشروعهم الوهمي الماكر بنشاط منقطع النظير، وحماس كبير لا يملكه أصحابها الغربيون أنفسهم. فتارة يستغلون أخطاء الحكومات ذات المرجعية الإسلامية وفشلها في تدبير الأمور لينهالوا عليها بالتسفيه والتتفيه، موجهين بوصلتهم إلى الشعب ليذكروه بأنه لا حل إلا بالعودة إلى المشروع الحداثي. وتارة أخرى يستغلون تكفيريي داعش وهمجيتهم التي ما أنزل الله بها من سلطان، ليؤكدوا على خطر المرجعية الإسلامية على الأرض والسماء والوحش والطير والهوام وسائر الحشرات، وأن الحل في العصا السحرية الحداثية. وليت شعري ماذا جنينا من الحداثة الفكرية الغربية مذ عرفناها والتبسنا بها رغبة ورهبة من عقود مضت ؟ ألم ننغمس فيها حتى أخمص القدمين أدبا واجتماعا وعلم نفس ولسانيات وسردا، بل ونحوا ولغة وفلسفة وإيديولوجيا وهلم سحبا في جميع مجالات العقل العربي؟ ألا يخجل رواد الحداثة الماكرة من الخلط المقصود بين الحداثة، بوصفها فكرا إن لم يكن غربي المنشأ فهو متأثر به حتى النخاع، وبين التحديث الصناعي والعلمي التكنولوجي النافع باعتباره مصلحة مغربية لا يختلف فيها اثنان؟ والسؤال المطروح الملح هو: أحقا يسعى الحداثيون إلى خدمة مغربهم أم أنهم يوسعون دائرة السيطرة الغربية على دواليب الفكر والنفس العربيين الإسلاميين أكثر مما هو الحال عليه؟