مشكلة المسؤولين المغاربة هي أنه كلما واجهتهم مشكلة ما ، عوض أن يبحثوا لها عن حلول جذرية يقومون "بترقيعها" . وبفضل سياسة الترقيع هذه تتعقد مشاكل المملكة الشريفة واحدة فوق أخرى ، حتى تحول المغرب بعد نصف قرن من الاستقلال إلى عقدة كبيرة ومزمنة لا أحد يعرف كيف ولا بأي طريقة سيتم حلها ! "" عندما جاء حفيظ بنهاشم إلى المندوبية العامة للسجون بظهير ملكي ، كان "أهم" قرار اتخذه هو بناء ست مؤسسات سجنية جديدة ، من أجل تخفيف العبء عن المؤسسات السجنية الموجودة أصلا ، وبالتالي التقليص من "الكثافة السكانية" داخل زنازين سجون المملكة . قد يبدو قرار السيد بنهاشم صائبا ، خصوصا وأن كثيرا من السجون المغربية أو كلها لا رائحة فيها للكرامة البشرية . لكن عندما نلقي نظرة شاملة على الوضع العام في المغرب ، سنكتشف بسرعة أن بناء مزيد من المؤسسات السجنية لن يكون أبدا هو الحل لتحسين ظروف عيش المساجين . ففي ظل الظروف المعيشية الصعبة التي يعيش فيها المغاربة ، والتي تزداد تأزما سنة بعد أخرى ، حيث يتضاعف عدد الفقراء ، وتزداد الفوارق الشاسعة بين الطبقة الغنية والفقيرة اتساعا ، حتى أن عدد المغاربة الذين يعيشون تحت عتبة الفقر بدخل يومي لا يتعدى عشرة دراهم في اليوم حسب إحصاءات البنك الدولي وصل إلى أكثر من ستة ملايين مغربي! حشومة كاع ! في ظل هذه الظروف السوداوية إذن ، لا يمكن للمجتمع المغربي بطبيعة الحال أن يفرز سوى مزيدا من اللصوص وقطاع الطرق والمجرمين ، وبالتالي فلو بقيت المندوبية العامة للسجون تبني عشرة سجون كل عام ، لما تخلصت السجون المغربية أبدا من الاكتظاظ . حيت يلا بقات الأمور على ما هي عليه ، النص ديال المغاربة غادي يمشيو للحبس ! هذا لا يعني بطبيعة الحال أننا نبرر ما يقوم به اللصوص والمجرمون وقطاع الطرق ، ولكن من اللازم أن يعرف المسؤولون بأن المغاربة وصلت فيهم السكين إلى العظم . ولعل أكبر دليل على ذلك ، هو نتائج هذه الإحصائيات المخيفة التي تصدر بين فينة وأخرى وتتناول حياة المغاربة ، حيث كشفت آخر إحصائية عن كون 16 في المائة من المغاربة الذين تبلغ أعمارهم خمسة عشر سنة فما فوق ، أي ما يقارب ثلاثة ملايين شخص ، يفكرون في مغادرة المغرب إلى الأبد ، ليس إلى جهة أخرى من العالم ، بل عند الرفيق الأعلى في السماء ! يعني أن ثلاثة ملايين مغربي يريدون أن يتخلصوا من الحياة ، أو بالأحرى أن تتخلص منهم الحياة ، إما عن طريق الانتحار ، أو بالموت ديال سيدي ربي . وطبعا كل هذا بسبب الاكتئاب والمشاكل العائلية التي يقول الأطباء النفسانيون بأنهما السببان اللذان يدفعان الإنسان إلى التفكير في الانتحار . ماشي كارثة هادي ؟ للإشارة فقط ، فهذه الأرقام المرعبة لم تصدر عن البنك الدولي الذي تثير تقاريره حنق المسؤولين المغاربة ، ولا عن أي منظمة معادية للمغرب ، بل صدرت عن دراسة سبق لوزارة الصحة أن أجرتها في السنة الماضية . لذلك فالذي نحتاج إليه لكي يتقلص عدد اللصوص والمجرمين الذين يعيثون في شوارع وأزقة المملكة فسادا ، وبالتالي تقليص عدد المساجين في الزنازين ، هو بناء سجن كبير للصوص والمجرمين الكبار الذين يعيثون فسادا في المؤسسات العمومية للمملكة ! والذين بسبب فسادهم تتضاعف مستويات السكر في دم المغاربة ، لينتهي بهم الأمر مكتئبين لا يفكرون في شيء آخر غير وضع حد لحياتهم . وما دام القضاء المغربي عاجزا عن تسليط أضوائه الكاشفة على "اللصوص الكبار للمملكة" الذين يأكلون أرزاق المغاربة بالباطل ، ستستمر ظروف عيش المغاربة في التدهور ، ويزداد معها عدد "اللصوص الصغار" والراغبين في الانتحار . لننتهي إلى نتيجة كارثية : أولاد الشعب أمامهم خياران : إما السجن وإما القبر ! إذن كفى من سياسة الترقيع !