كما هو معلوم عند رجال القانون أن الدعوى العمومية التي يكون موضوعها المخالفات والجنح والجنايات تحركها النيابة العامة، ويتتبع كل إجراءاتها أمام جميع المحاكم السادة وكلاء الملك ونوابهم بالنسبة للمخالفات والجنح، والسادة الوكلاء العامون ونوابهم بالنسبة للجنايات. ولكن المشرع بطبعة يتصور كل الحالات التي يمكن أن تقع وقد يكون فيها تعسف أو اقتناع يراه الضحية غير صائب من طرف النيابة العامة حين تحفظ شكايته معينة أو تتلكأ في تحريكها، أو حين تتوفر وسائل الإثبات لضحية معين من جريمة ما، ويكون غير صبور في انتظار إجراءات النيابة العامة والضابطة القضائية لتحريك الدعوى العمومية والمتابعة ضد مشتكى به والتي قد تطول وتستغرق وقتا طويلا، قلة صبر يغذيه جوع لإيقاع العقاب والتعويض عن ضرر الجريمة في أقرب وقت لا يعلم به سوى الضحية لذلك كان المشرع المغربي مثل أغلب التشريعات، حكيما حين سمح للطرف المدني بأن يحرك الدعوى العمومية إما بمقتضى شكاية مقرونة بالادعاء المدني تقدم أمام السيد قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية في جرائم معينة تتطلب عقوبة ما، وليس في كل الجرائم، وأمام السيد قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف في كل الجنايات إلا ما استثني منها بنص خاص أو مباشرة أمام المحاكم الابتدائية، ونور حكمته في تمكين ضحايا الجريمة من حقوق أخرى تسمح لهم بفتح أبواب جديدة متعلقة بالدعوى العمومية ما زالت لحد الآن حكرا على النيابة العامة، سيتجلى بشكل أكبر في التعديلات المقترحة في قانون المسطرة الجنائية، وهي المشار إليها في المادة 410 من آخر مسودة تعديلات قانون المسطرة الجنائية، والتي سيسمح فيها للضحية الذي تقدم بشكاية مباشرة أمام قاضي التحقيق أو المحكمة أن يستأنف الدعوى العمومية أو يطعن فيها بالنقض حتى ولو تم الحكم على المشتكى به المتهم بناء على شكاية مباشرة بالبراءة، وهو المعطى المنتظر الذي سيضع حدا لتشكي المشتكين في الشكايات المباشرة من رفض أغلب النيابات العامة للطعن في الدعوى العمومية بعد البراءة فيها، وهوما يجعل الشكاية تقف بعد حكم البراءة ويصعب أن يستمر المشتكي في إجراءاتها أمام جهة قضائية أعلى، لأن النيابات العامة غالبا تتخذ منها موقفا سلبيا في أغلب الأحيان ولا تستأنفها أو تطعن فيها. والمفرح الذي تزفه، آخر تعديلات في مسودة قانون المسطرة الجنائي، هي تنصيصها في المادة 533 على حق محرك الدعوة العمومية في الطعن بالنقض في الدعوى العمومية والمدنية متى صدر قرار بالبراءة لفائدة خصمه أو قرار بعدم قبول شكايته، وهو توجه محمود يحد من احتكار النيابة العامة للدعوى العمومية حاليا وفي سابق السنوات. إذن الأصل هو أن أي ضحايا بعض الجرائم الجنحية وأغلب الجنايات يمكنهم أن يتقدموا بصفة شخصية ودون أن يستعينوا بالنيابة العامة بشكايات مقرونة بالادعاء المدني، أمام السيد قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية أو محكمة الاستئناف أو أمام المحكمة الابتدائية مباشرة، وأنا لا أريد هنا أن أتكلم عن بضع الجرائم التي لا يمكن أن تقدم بشأنها بشكاية أو مباشرة كيفما كانت أو بعض الأطراف التي يمنع تقديم شكاية مباشرة ضدهم، وقد تم الكلام عنها في أكثر من مكان وكتاب، ولكن موضوع هذه المقالة هو جريمة أعتقد بقوة أنه لم يسبق التطرق إلى مدى جواز تقديم شكاية مباشرة بشأنها أمام السيد قاضي التحقيق أو مباشرة أمام المحكمة الابتدائية، ولم يكن ليخطر على بالي أن أتطرق لها في يوم من الأيام أو أن أكتب عنها لولا أنني كنت مدافعا أم المحكمة الابتدائية بالجديدة عن مشتك بها في جريمة مشاركة في خيانة زوجية ومشتك به في جريمة خيانة زوجية بمقتضى شكاية مباشرة قدمت ضدهما أمام المحكمة الابتدائية وهما المتزوجين على سنة الله ورسوله بمقتضى حكم مثبت للزوجية بينهما. وأثناء المحاكمة وبعد ربط الجريمة موضوع الشكاية بطريقة تقديمها ومدى مشروعية وجواز ذلك، طرحت فكرتي أمام السيد رئيس الجلسة، والتي دافعت عنها في حينه وأعتقد أنها صائبة ووافقني الرأي الكثير من الزملاء الحاضرين بالجلسة، وأرى أن من واجبي أن أطرحها للنقاش القانوني لأنني متأكد بغرور أن الفكرة لم يسبق طرحها من طرف الفقه القانوني، وربما على ما أعتقد ستكون الشكاية المباشرة بشأن الخيانة الزوجية والمشاركة المقدمة في هذا الملف ستكون الشكاية الوحيدة المقدمة بهذه الطريقة أو من الشكايات المحدودة التي قدمت بهذا الشكل، والسؤالان اللذان سنحاول الإجابة عليهما في هذا الملف كالتالي: هل يحق لضحية الخيانة الزوجية والمشاركة فيها أن تتقدم بشكاية مباشرة بشأنهما أمام السيد قاضي التحقيق أمام المحكمة الابتدائية؟ وهل يحق لها أن تتقدم بشكاية ضدهما مباشرة أمام المحكمة الابتدائية؟ أولا: الشكاية المباشرة في جرائم الخيانة الزوجية والمشاركة فيها أمام قاضي التحقيق بين الإباحة الموضوعية والمانع العقابي؟ جريمة الخيانة الزوجية كما هو معلوم مجرمة في الفصل 491 من القانون الجنائي الذي ينص على ما يلي: (يعاقب بالحبس من سنة إلى سنتين أحد الزوجين الذي يرتكب جريمة الخيانة الزوجية، ولا تجوز المتابعة في هذه الحالة إلا بناء على شكوى من الزوجة أو الزوج المجني عليه. غير أنه في حالة غياب أحد الزوجين خارج تراب المملكة، فإنه يمكن للنيابة العامة أن تقوم تلقائيا بمتابعة الزوج الآخر الذي يتعاطى الخيانة الزوجية بصفة ظاهرة). إذن المتابعة كما نعلم تكون من طرف النيابة العامة الابتدائية أو الاستئنافية أو من طرف قاضي التحقيق الابتدائي أو الاستئنافي أو الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف بمقتضى قرار الإحالة إذا ألغت قرار قاضي التحقيق بعدم المتابعة وتابعت المتهم وأحالته على المحاكمة. والضحية الذي يتقدم بشكاية مباشرة أمام السيد قاضي التحقيق يحرك فقط البحث في الدعوى العمومية ولا يتابع هذه الدعوى، لأن من يتابعها ويبحث فيها هو السيد قاضي التحقيق ويصدر قرار الإحالة أو بتعبير ألين على الفهم من بيده قرار المتابعة هو السيد قاضي التحقيق. وبما أن الفصل 491 من القانون الجنائي أعطى الحق لضحية جريمة الخيانة الزوجية والمشاركة فيها أن يتقدم بالشكاية قبل أن تقرر الجهات المختصة المتابعة أو عدم المتابعة، فإن من حق ضحية هذه الجرائم أن يتقدم بشكاية مباشرة بشأنها أما السيد قاضي التحقيق. ولكن إذا كان من ناحية موضوع الجريمة ليس هناك أي مقتضى قانوني يمنع السيد قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية من إجراء التحقيق بمقتضى شكاية مقترنة بالادعاء المدني بالنظر لموضوع الجرائم، فإن المادة 83 من قانون المسطرة الجنائية تحدد اختصاصه فقط في إجراء التحقيق في الجرائم التي يصل فيها الحد الأقصى العقوبة إلى خمس سنوات أو أكثر. إذن هذا يجعلنا نخلص إلى عدم إمكانية التقدم بشكاية مباشرة بشأن الخيانة الزوجية والمشاركة فيها لأن العقوبة فيها بين سنة وسنتين حسب الفصل 491 من القانون الجنائي. وقاضي التحقيق الذي ستقدم له هذه الشكاية اختصاصه محدد قانونا بالنظر في الجرائم التي تصل فيها العقوبات في حدها الأقصى إلى خمس سنوات أو أكثر. وهذا يجعل مدة العقوبة هي التي تحدد اختصاص السيد قاضي التحقيق دون موضوع الجريمة. ثانيا: الخيانة الزوجية والمشاركة فيها والفساد جرائم لا تحكمها وسائل الإثبات المحدد في قانون المسطرة الجنائية بل تحكمها الوسائل المحددة حصرا في القانون الجنائي. كل الجرائم حُددت وسائل إثباتها في قانون المسطرة الجنائية، وسمحت بإثباتها بكل الوسائل المشار إليها فيه، وسمحت للنيابة العامة في كل هذه الجرائم بإقامة الدعوى فيها ومتابعتها، وسمحت للطرف المدني في أغلبها بإقامة الدعوى فيها عن طريق شكاية مباشرة تُقدم أمام قاضي التحقيق الابتدائي أو الاستئنافي مقرونة بالادعاء المدني وطلب التعويض ، ونجد أن نصوص قانون المسطرة الجنائية كلما سمحت للمطلب بالحق المدني بتقديم شكاية مباشرة تشير إلى ضرورة تقديم شكايته يكون فيها كمطالب بالحق المدني، مقترنة بالادعاء المدني وطلب التعويض (على سبيل المثال المواد 118 و384 و389 من قانون المسطرة الجنائية) على عكس جرمتي الخيانة الزوجية والمشاركة فيها والفساد فقد تم التنصيص على وسائل إثباتها في قانون موضوعي وليس إجرائي وهو القانون الجنائي، وتم تحديدها بشكل دقيق وحصري في الفصل 493 من القانون الجنائي، وفي هذا الفصل لم يتكلم بتاتا عن الادعاء المدني أو الشكاية المقترنة بادعاء مدني أو طلب تعويض، حتى يمكن السماح للضحية المفترض أن يتقدم بشكاية مباشرة للإقامة الدعوى العمومية وتحريكها أمام قضاء الحكم، بل إن الفصل 491 من القانون الجنائي تكلم قيد حتى من سلطة النيابة العامة في المتابعة وتحريك الدعوى العمومية في مثل هذه الجرائم والمسموح لها في سلوكها بكل حرية في كل الجرائم دون قيد أو شرط إلا ما نص عليه القانون، وألزم أن تكون هناك شكوى من طرف الزوج المتضرر أو الزوجة، لكي تتحرك وتتابع في مثل هذه الجرائم، ولم يتكلم هذا الفصل بتاتا عن الادعاء المدني الذي يمكن أن يحرك الدعوى العمومية في مثل هذه الجرائم، بل تكلم فقط عن الشكوى التي تعتبر ضرورية لكي تفتح النيابة العامة البحث في الملف وتتابع فيها وفي الفصل 492، نجده كذلك يتكلم عن التنازل عن الشكاية وليس عن المطالب المدنية والذي يضع حدا لمحاكمة الزوج أو الزوجة في هذه الجرائم، بل إن الفصل 492 من القانون الجنائي، يوقف تنفيذ المدان في هذه الجرائم للعقوبة المحكوم عليها فيها حتى بعد وقوع التنازل عن الشكاية بعد الحكم عليه. والتنازل عن الشكاية بعد الحكم يُقدم للنيابة العامة التي حركت وتابعت المتهم وتتبع تنفيذ العقوبة عليه، ولا يمكن أن نتصور أن تُقدم شكاية مباشرة ضد متهم في هذه الجرائم وتصدر العقوبة بعد تحريكها من طرفه، ويقدم تنازله للنيابة العامة عن شكايته المقترنة بالادعاء المدني وطلب التعويض، ويطلب منها أن تضع حدا لعقوبة يقضيها المدان بناء على تحريك الدعوى العمومية منه وليس من طرف النيابة العامة. فالنيابة العامة قد تتذرع بأنه لم يقم وتحرك الدعوى في الملف، وبأن فصول القانون الجنائي تمنحها هذا الحق فقط لإيقاف العقوبة فقط في الحالة التي تحرك فيها هي الدعوى العمومية. ثالثا: خصوصية الإثبات ومحدوديته في جرائم الخيانة الزوجية والمشاركة فيها أمام المحكمة من درس علم القانون يعرف أن وسائل الإثبات في القانون الجنائي هي متنوعة ويمكن إثبات أغلب الجرائم بكل وسائل الإثبات المنصوص عليها في القانون، بل إن حرية الاثبات وتنوعها في غابة الجرائم، وتقويتها وصياغة الحكم الذي يصدر فيها بمبدأ الاعتقاد الصميم، والذي يعني أن القاضي يمكنه أن يعتمد على شاهد ويهمل آخر أو يعتمد قرينة قوية ويستغني عن شهادة شاهد، لا رقابة عليه في ذلك متى كان حكمه معلال تعليلا سليما وقويا لا تجعل المطلع عليه يشعر بضعفه أو عدم تسببيه لتدعيم النتيجة التي خلص إليها، وإذا كان مبدأ حرية الإثبات في ميدان الجريمة يسري على أغلب الجرائم، وغايته وهدفه الأسمى هو جعل البحث يتعمق في كل التفاصيل، وسمح للقاضي أن يتكئ على أية وسيلة متى اقتنع بها حتى لا يجعل مجرما محترفا وحقيقيا خطط لجريمته وأنكر فعله وحاول أن تكون جريمته كاملة يفلت من عقاب قاضيه متى اعتقد واقتنع بأنه ارتكب الجريمة، ولكن مبدأ حرية الإثبات ليس على إطلاقيته كما قد يعتقد البعض، فهناك جرائم حدد لها المشرع المغربي وسائل إثبات خاصة بها، وبدون وجودها لا يمكن للنيابة العامة أن تبحث في وسائل إثبات أخرى، لتلصق التهمة بالمشتبه بارتكابها، ومن هذه الجرائم التي خصها التشريع المغربي، وجعلها لا تقوم لها قائمة إلا إذا تم إثباتها بوسائل إثبات محددة، نجد جريمة الفساد والخيانة الزوجية والمشاركة فيها، فالفصل 493 من القانون الجنائي نص على ما يلي: (الجرائم المعاقب عليها في الفصلين 490 و491 لا تثبت إلا بناء على محضر رسمي يحرره أحد ضباط الشرطة القضائية في حالة التلبس أو بناء على اعتراف تضمنته مكاتيب أو أوراق صادرة عن المتهم أو اعتراف قضائي). رابعا: وسائل الإثبات الحصرية في هذه الجرائم لا يتيسر البحث فيها سوى للضابطة القضائية وللنيابة العامة تعزز موقفنا بكون الشكاية المباشرة في هذا الجرائم غير متصور. ووسائل الإثبات في هذه الجرائم هي كالتالي: 1- التلبس بالجريمة: الفعل الذي لا يمكن للمشتكي في شكاية مباشرة أن يثبته في شكايته فجريمة الفساد أو الخيانة الزوجية والمشاركة فيها لا تثبت إلا بضبط المتهم في علاقة غير شرعية بفعل الخيانة الزوجية أو المشاركة فيها من طرف النيابة العامة أو الضابطة القضائية، ولا يمكن لألف شاهد أو ألف قرينة أن تحرك أنامل السيد وكيل الملك للمتابعة فيها، وخصوصية الإثبات في هذه الجرائم تجعل أن ضباط الشرطة القضائية والنيابة العامة هم وحدهم من لهم صلاحية البحث والتحقيق فيها في حالة التلبس، وهو ما يجعل الضحية والمشتكي بمقتضى شكاية مباشرة ليست له الصلاحية لإثبات حالة التلبس، ولا يمكنه إثباتها مما يجعل تحققها وإثباتها في شكاية مباشرة من باب المستحيلات. 2- الاعتراف القضائي في جريمة الخيانة الزوجية والمشاركة فيها في شكاية مباشرة أمام المحكمة، ضعف الطالب له ونجا المطلوب فيه ننتقل الآن إلى الوسيلة الثالثة لإثبات هذه الجرائم المنصوص عليها في الفصل 493 من قانون المسطرة الجنائية، وهي الاعتراف القضائي، وهو كما نعلم قد يكون أمام السيد وكيل الملك، وإن كان هناك من لا يعتبره كذلك، وفي الشكاية المباشرة لن يحصل هذا الاعتراف لأن النيابة العامة لم تستنطق المتهم وليست هي من حركت الدعوى العمومية وأقامتها بل صادفتها أمام المحكمة مصادفة لا تكترث بها في الغالب ولا تلقي لها بالا، وقد يعتبر اعتراف المتهم أمام السيد قاضي التحقيق اعترافا قضائيا، والذي لا يمكن تصوره في مثل هذه الجرائم، لأن السيد قاضي التحقيق غير مسموح له بالتحقيق في هذه الجرائم للأسباب المذكورة أعلاه، والحالة المتصورة في الاعتراف القضائي في هذه الجرائم بمقتضى شكاية مباشرة مقدمة أمام المحكمة، والذي يمكن أن أسميه بالاعتراف القضائي الممتاز، والذي تتوفر فيه كل الضمانات ويكون أمام محاكمة شعبية علنية، فهاهنا يجب أن نقف وقفة قانونية وإجرائية منطقية ومعقولة، فإذا كانت المحاكمة في جريمة الخيانة زوجية والمشاركة فيها محالة على المحكمة من طرف النيابة العامة، فهنا يمكن للنيابة العامة وللطرف المدني أن يطرح أسئلة يمكنها أن تصب في سبيل استدراج المتهم للاعتراف أمام القضاء بممارسة علاقة جنسية رغم أنه متزوج أو اعترف مشاركه بأنه مارس علاقة جنسية غير شرعية مع متزوج. أما إذا كانت القضية محالة على المحكمة بمقتضى شكاية مباشرة، فالقاضي الذي يكون حكما في هذا الملف، يجب أن يكون حذرا في أسئلته التي يلقيها على المتهم، وتكون حسب ما توفر لديه من خلال معطيات الملف، ولا يمكنه بأي حال أن يعمل على استدراج المتهم للاعتراف القضائي بارتكابه للفعل في شكاية فارغة لا دليل فيها وتنظر من القاضي أن يصنع لصاحب الشكاية مباشرة دليلا متمثلا في الاعتراف القضائي، لأنه سيكون حينذاك خرج عن الحياد، ووظيفته أن يبث في الملف كما هو معروض عليه، فمهمته أن يحكم في الجرائم لا أن يبحث في الجرائم ويحقق فيها ويَتَثَبتَ ممن ارتكبها لأنها وظيفة خصم المتهم الأول التي هي النيابة العامة، وإذا زاغ القضاء والمحكمة عن هذه الطريق سيكون المتهم قد أصبح أمام خصمين، النيابة العامة وقاضيه المفترض فيه الحياد وعدم الانحياز إلى طرف دون أخرى. والمحكمة منحها القانون مكنه إجراء التحقيق في حالات خاصة فقط، وهي الحالة المنصوص عليها في الفصل 238 من قانون المسطرة الجنائية بالنسبة للغرفة الجنحية، والمادة 439 من قانون المسطرة الجنائية بالنسبة للملفات المعروضة على غرفة الجنايات، حيث يمكنها أن تأمر بإجراء تحقيق تكميلي في جريمة تنظرها فيها ويعين مستشار من الهيئة للقيام بالتحقيق التكميلي في الملف. كل هذا يجعلنا نعتقد أن الشكاية المباشرة بشأن جريمتي الخيانة الزوجية والمشاركة فيها، الذي يسعى المشتكي فيعا للحصول فيها على اعتراف قضائي، وإثبات هذه الجريمة بالاعتراف القضائي أمام المحكمة وبمقتضى شكاية مباشرة سيكون من باب المستحيلات أو لنخفف اللفظ ونقول من باب الذي لن يحصل إلا في النادر من القضايا، حين يعترف المتهم فيها تلقائيا بجرم الخيانة الزوجية أو المشاركة فيها أمام القاضي وبمقتضى شكاية مباشرة، مضيفين لها مبررات أخرى تجعل هذا الاعتراف القضائي صعبا وغير متصور، لأن النيابة العامة تتخذا موقفا سلبيا في أغلب الشكايات المباشرة أمام المحاكم فما بالنا بشكاية مباشرة في جريمة الخيانة الزوجية والمشاركة فيها، أما المطالب بالحق المدني، فمن الصعب على دفاعه من خلال الأسئلة التي يطرحها بواسطة المحكمة استدراجه للاعتراف القضائي، لأن المتهم يعرف عن طريق دفاعه وسائل إثبات هذه الجريمة الخاصة، ويعمل على إنكار التهمة جملة وتفصيلا حتى ولو كانت واقعة، هذا إذا حضر المتهم للمحاكمة بعد استدعائه، أما إذا لم يحضر للجلسة ولم يستجب لاستدعائه فسيكون قد قضى على كل آمال المطالبة بالحق المدني التي كانت تراهن على حضوره والحصول منه على اعتراف قضائي تلقائي منه، إذا كانت هي الحالة الوحيدة التي يريد المطالب بالحق المدني الاعتماد عليها في شكايته ويراهن على حدوثها وتكرم المتهم بالاعتراف أمام القاضي بارتكابه لهذه الجريمة، وهي مراهنة بصورة أخرى أكثر وضوحا صعبة التحقق، لأن المادة 94 من قانون المسطرة الجنائية، تعطي الحق للمتهم بصفة شخصية أو بواسطة دفاعه، وحتى للنيابة العامة في حالة إقامة الدعوى العمومية من طرف المطالب بالحق المدني (الشكاية المباشرة) أن يطلب عدم قبول مطالبه وشكايته لأنها غير معززة بأية دليل وبأية وسيلة إثبات. وعلى القاضي أن يبت في طلب المتهم أو دفاعه أو النيابة العامة، ولا يمكن للقاضي أن يضم هذا الدفع إلى حين مناقشة الملف، لأنه ليس دفعا شكليا أو عارض، ولأنه إن فعل سيكون ٌقد أقام الدليل على أنه خرق واجب الحياد المفترض فيه، وانتقل من قاضي يجب عليه أن يحكم بما لديه من وسائل إثبات إلى قاضي يحقق ويساعد المطالب بالحق المدني في استدراج المتهم بأسئلته للحصول على اعتراف قضائي منه لكي تصبح شكاية المطالب بالحق المدني معززة باعتراف قضائي بعد أن كانت فارغة وغير مسندة بأية دليل خاص يستوجبه الفصل 493 من ق ج في مثل هذه الجرائم، بل إن الدفع بعدم قبول شكاية المطالب بالحق المدني الخالية من أية وسيلة إثبات على ارتكاب هذه الجرائم يهم موضوع الدعوى ولُبها وعدم توفر أي دليل أو وسيلة إثبات في الشكاية المقدمة، وخلو الشكاية من كل إثبات تقيد القاضي وتجعله مضطرا للبت في عدم قبول الشكاية من عدمها بمقتضى الفصل 94 من ق م ج. 3- الاعتراف الذي تضمنته مكاتيب أو أوراق صادرة عن المتهم: جزء منها يمكن أن يكون محل نقاش ويمكن أن يكون الوسيلة الوحيدة في إثبات المطالب بالحق المدني لشكايته المباشرة. هناك اتجاه قضائي مهم ومعزز بعمل قضائي متواتر من كل محاكم المملكة، وحتى من طرف محكمة النقض يسير في حصر المكاتيب والأوراق الصادرة عن المتهم، في الاعتراف الذي يدلي به المشتبه فيه أمام الضابطة القضائية بارتكابه لفعل الخيانة الزوجية والمشاركة فيها، ولا يتوسع فيها، ويعتبر كل وسيلة غير هذه لا تدخل في الاعتراف الذي تضمنته المكاتيب والأوراق الصادرة عن المتهم، نذكر منها جاء في قرار صادر عن المجلس الاعلى أورد عبد الواحد العلمي في كتابه شرح القانون الجنائي المغربي ص 215 ما يلي: (توقيع المتهم على المحضر المنجز من طرف الشرطة القضائية يعتبر بمثابة الاعتراف الذي تضمنته مكاتيب وأوراق صادرة عن المتهم دون اشتراط التلبس ولهذا يتعرض للنقض... لعلة أن اعترافه المسجل في المحضر السابق لا يعتبر حجة ضده إذ أن الاعتراف المنصوص عليه في الفصل 493 يشترط أن يكون في حالة التلبس) ويتضح كذلك من خلال هذا القرار أنه اعتبر الاعتراف المسجل على المتهم أمام الضابطة القضائية ولو في غير حالة التلبس بمثابة مكاتيب وأوراق صادرة عن المتهم. وكذلك من خلال قرار آخر صادر عن المجلس الأعلى أورده، محمد بازي في مقال له معنون ب "إثبات جريمتي الفساد والخيانة الزوجية"، منشور عبر الموقع https://www.bibliotdroit.com/2016/12/blog أكد فيه على أن (الاعتراف المحرر من لدن الضابطة القضائية والموقع عليه من طرف صاحبه ينزل منزلة اعتراف تضمنته مكاتيب وأوراق صادرة عن المتهم في ميدان تثبان الخيانة الزوجية أو المشاركة فيها). وجاء في قرار آخر منشور بكتاب القانون الجنائي الخاص المعمق في شروح ل امحمد أقبلي و عابد العمراني الميلودي، ص: 198 ما مفاده: (أن المحاضر المتضمنة لاعتراف الشخص بجريمة الفساد أو الخيانة الزوجية والموقع عليها من طرف صاحب هذا الاعتراف، فهي وإن كانت تنزل منزلة الاعتراف الذي تضمنته مكاتب أو أوراق صادرة عن المتهم فإن ذلك منوط باقتناع المحكمة بفحوى ذلك الاعتراف فتبقى تلك المحاضر خاضعة لسلطة المحكمة التقديرية) وهو ما يعتبر توجها جديدا محمودا للتضييق على مثل هذه الاعترافات والتي أخضعها لسلطة المحكمة لتمحيصها والتدقيق فيها، لأن مثل هذه الاعترافات كثيرا ما توجه لها أصابع الاتهام. واعتبار العمل القضائي لمحكمة النقض أن الاعتراف الذي تضمنته مكاتيب وأوراق صادرة عن المتهم هو تصريحات المشتبه فيه أمام الضابطة القضائية، يعزز فكرة أن الشكاية المباشرة غير متصورة في جرائم الفساد والخيانة الزوجية والمشاركة فيها. وهنا استحضر واقعة وقعت بمدينة الجديدة قبل سنوات خلت وتجعل تدعيم هذا التوجه فرض وواجب لكي نحد من مثل بعض التجاوزات، والتي كان من بينها ملف قضية أدينت صاحبتها بتهمة الخيانة الزوجية بناء على اعترافها وهي في تلك الوقت كانت مطلقة منذ عدة حوالي سنتين، ووقائعها هي كالتالي: (وجد رجل مطلق زوجته تقف مع رجل آخر بالشارع، فأوقفهما وأثار شغبا كبيرا بمساندة بعض المتطفلين والمتطلعين لمعرفة الواقعة، فحضرت الشرطة في الحين، وحملت الجميع إلى مقر الشرطة للبحث معهم فأكدت الزوجة للشرطة أنها مطلقة منه، وصرح الزوج أنها كانت تخونه أثناء العلاقة الزوجية مع الموقوف معها، فسُجل اعتراف على المطلقة بأنها كانت تخون زوجها قبل طلاقها مع الموقوف، وبناء على اعترافها تم توقيفها واعتقلت وأدينت من أجل الخيانة الزوجية )، ومثل هذه الاعترافات تثير شبهة كبيرة وعلامات استفهام كبيرة، وقد يصبح الاعتراف الذي ينتزع بالإكراه أو الاحتيال في مثل هذه الحالات، سيفا غير قانوني يتم استغلاله للزج بأبرياء في السجن، لذلك فإن القرار المشار إليه أعلاه، الذي يُخضع هذه الاعترافات لرقابة القضاء الجنائي من شأنه مراقبة هذه الاعترافات والاحتفاظ والاعتماد على الصحيح منها، ورمي وعدم الالتفات إلى المشبوه منها. لكن هناك توجه قضائي محدد جدا، وأصبح مخيفا لأنه أصبح يتوسع في تفسير النصوص القانونية الجنائية التي عُرفت أنها نصوص لا يجب التوسع في تفسيرها، وأنه يجب أن يتُفسر لمصلحة المتهم وليس ضده، ومنها قرار لمحكمة النقض اعتبار القبلة خيانة زوجية وهو القرار الصادر عن محكمة النقض عدد بتاريخ، والمنشور بمجلة محكمة النقض في العدد، وقرار آخر جديد صدر عن محكمة النقض تجاوز وسائل الإثبات المحدد وأصبح يُشرع مكان المشرع حين قرر اعتماد الخبرة في إثبات جرائم الفساد والخيانة الزوجية في تضاد كامل مع صراحة الفصل 493 من القانون الجنائي الذي جعل وسائل الإثبات في هذه الجرائم محددة، وهو قرار محكمة النقض عدد المنشور بمجلة محكمة النقض. خامسا: قبول المحاكم للشكايات المباشرة في هذه الجرائم سيعتبر معاكسا لروح وتوجهه في هذه الجرائم لجعلها بعيدة عن ردهاتها بتقييد إثابتها وحصره والتعسير فيه، صونا للأسرة وتماشيا ولو بحساب مع استلهام جزء بسيط من التقييد الذي يستحيل معه إثبات هذه الجرائم في التشريع الإسلامي. سادسا: المحاكم المغربية مقترة ومحتاطة جدا في إدانة المتهمين بمقتضى شكايات مباشرة في جرائم قد تُرفع مباشرة أمامها، وتسمح فيها للمدعي مدنيا بالاعتماد على كل وسائل الإثبات المشار إليها في قانون المسطرة الجنائية، ومنها شهادة الشهود، وهي وسيلة الإثبات التي يمكن أن تكون وحدها كافية إذا اقتنع بها القاضي أن يدين بالاعتماد عليها المتهم حتى ولو أنكر التهمة، فقضاة المملكة في الكثير من أحكامهم يقضون بعدم قبول هذه الشكايات لعلة في شكلها، حتى مع الإثبات الواسع والمتاح فيها، وقد تقضي فيها بالبراءة إذا ما تجاوزت الشكل، وقليلا ما تدين فيها. فكيف لها أن تقبل شكاية مباشرة مقدمة في جريمة لها وسائل إثبات خاصة متاحة فقط للضابطة القضائية والنيابة العامة وتغيب فيها كل وسائل الإثبات المعروفة، ويُمنع على الطرف المدني إثبات الدعوى بها. مسك الختام: في اعتقادي الصميم والمبرر بالمعطيات التي طرحتها أعلاه، أن تقديم الشكاية المباشرة أمام القضاء غير ممكنة ومسموح بها في هذه الجرائم، وعلى المحاكم المغربية، أن تُصدر أحكام بعد قبول مثل هذه الشكايات لغياب النص القانوني الذي يسمح لها صراحة بقبولها، ولأن النص الذي يتكلم عن إجراءات هذه الشكايات يتكلم فقط عن الشكاية ولا يتكلم بتاتا عن الادعاء المدني، كما أن الإثبات فيها محدد بشكل واضح في القانون الجنائي ولا يحيل بتاتا على قانون المسطرة الجنائية.