لم يسبق في التاريخ المعاصر أن تفرقت الأطياف السياسية والصحافة الإسبانية بخصوص قضية وطنية داخلية مثلما هي متفرقة اليوم بخصوص مزاعم استهداف هاتف رئيس الحكومة بيدرو سانشيز، وعدد من الوزراء والمسؤولين في شبه الجزيرة الإيبيرية، بواسطة نظام "بيغاسوس" للاختراق المعلوماتي. تراشق واتهامات متبادلة ففي الوقت الذي تحاول فيه الصحافة الجزائرية، المدفوعة بخط تحريري عسكري، وبعض المنابر الإعلامية الفرنسية التي تغذيها مصالح جيو-سياسية مفضوحة، توجيه أصابع الاتهام إلى المصالح المغربية بدون دليل وإثباتات علمية، نجد في المقابل الصحافة الإسبانية غارقة في التباين والتراشق بالاتهامات الموزعة بين السياسي والأمني من جهة، وبين الأجنبي والداخلي من جهة ثانية. فقد تحدث موقع "publico.es" عن فرضيات وتخمينات عبر وطنية تشير بأصابع الاتهام إلى المغرب بدعوى أنه البلد الذي كانت تربطه خلافات سياسية مع إسبانيا! كما تحدث الموقع كذلك عن اتهامات أخرى داخلية تحمل المسؤولية لمن اعتبرهم "أصحاب البدلات الرسمية" الذين يشتبه في تورطهم في اختراق هواتف السياسيين باستعمال نظام "بيغاسوس". وتحدث الموقع عن "فضيحة مدوية للحكومة الإسبانية"، قبل أن ينقل على لسان كل من Pablo IGLESIAS وSara SERRANO وManu LEVIN فرضية اتهام بعض عناصر المركز الوطني للاستخبارات، المعروف اختصارا ب "CNI"، بالتورط في هذه القضية خارج إطار القانون. واستعمل الموقع العبارة التالية للدلالة على هذه الفرضية: "ليست هذه هي المرة الأولى التي يقرر فيها وطنيون ببدلة رسمية إنقاذ إسبانيا بطريقتهم وبأساليبهم الخاصة". أما موقع "Periodista Digital" فقد نقل عن السفير الإسباني السابق في الأممالمتحدة Inocencio ARIAS قوله: "كل شيء يحمل على الاعتقاد بأن المغرب هو المسؤول الرئيسي عن التجسس على المسؤولين الإسبان، لكن هذا لا يستبعد فرضية الانفصاليين الكاطالان وكذا العملاء الروس". تخوين بيدرو سانشيز في تصريح نشره موقع "ok diario"، وصف مؤسسُه ومديره Eduardo Inda رئيسَ الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز ب"الكاذب" و"المتلاعب"، واتهمه بشكل مباشر "بمحاولة صرف الانتباه عن التجسس على الانفصاليين الكاطالان، من خلال ادعاء رصد اختراقات جديدة لهاتفه المحمول وهاتف وزيرته في الدفاع، بيد أن هذه الاختراقات تعود إلى أكثر من سنة". وأضاف مدير ومؤسس هذا الموقع الإسباني أن "الدليل والمرشد الذي أعده المركز الوطني للاستخبارات وسلمه لبيدرو سانشيز لتطبيق مسلسل الكشف عن الاختراقات المفترضة على نظامه المعلوماتي الشخصي والوظيفي، يعود إلى شهر يوليوز 2021′′، مقدرا بشكل صريح مدة الكشف والتحقق من وجود آثار الاختراق بواسطة "بيغاسوس" بكونها لا تتعدى ساعة ونصف ساعة، ليخلص في الأخير إلى أن "المركز الوطني للاستخبارات حذر من خطورة اختراق هواتف أعضاء الحكومة، ومع ذلك استطاع عملاء أجانب الولوج إلى كميات كبيرة وحساسة من المعطيات انطلاقا من هاتف رئيس الحكومة". أما المنبر الإعلامي "Cope" فقد أفرد مقالا لما وصفها "فضيحة بيغاسوس التي هزت إسبانيا"؛ إذ كتب رئيس العمود السياسي في هذا المنبر Ricardo RODRIGUEZ أن "حكومة بيدرو سانشيز أظهرت علامات ضعف بسبب انفجار فضيحة التجسس على حزب اليسار الجمهوري الكاطلاني ERC"، مردفا بأن "الضغط على محيط رئيس الحكومة، الذي حاول سريعا حل مشكل التجسس على ERC وتشكيلات برلمانية أخرى، دفع الحكومة إلى الرفع بشكل متعمد من عدد الاختراقات المزعومة، مع إضافة هاتف بيدرو سانشيز ومارغاريتا روبلس في محاولة لإيجاد حل لمعضلة التجسس على الانفصاليين الكاطالان". وقد أثار هذا التباين والتراشق بالاتهامات سجالا سياسيا ومؤسساتيا محتدما في الكواليس الإسبانية بين وزارة الدفاع وMoncloa، على اعتبار أن الادعاء المتأخر برصد اختراقات وعملية تجسس واسعة تستهدف هواتف رئيس الحكومة والمسؤولين الإسبان يعني بشكل عملي "عدم فعالية ونجاعة الدليل الذي وضعه المركز الوطني للاستخبارات ضد التجسس بواسطة نظام بيغاسوس، كما يؤشر كذلك على عدم انتظامية عمليات الفحص والمراقبة لهواتف كبار المسؤولين الإسبان". أما جريدة "إلباييس" فنقلت عن مصادر داخل جهاز الاستعلامات، دون ذكرها بالتحديد، أن رئيس الحكومة يعتزم إعفاء رئيسة المركز الوطني للاستخبارات (CNI) Paz Esteban، بهدف احتواء الاحتقان داخل الأغلبية الحكومية التي تطالب بتحديد المسؤوليات السياسية في هذه القضية. وأضافت "إلباييس" أن "مثول رئيسة المركز الوطني للاستخبارات غدا أمام لجنة الأسرار الرسمية بالكونغرس سيكون حاسما ومحددا لمصيرها، لأنها ستكون مطالبة بالرد على الاتهامات بالتقاعس التي تواجهها مؤسستها في الوقت الراهن". المغرب.. لا تعليق بعد النفي يبدو أن المغرب لم يعد يكترث لمثل هذه الحملات التي وصفها مسؤول مغربي بأنها "مزيج من الفطر والكمأ (الترفاس)، فهي تنبت وتتوالد بشكل متواتر وسريع مثل الفطريات، لكن جذورها موغلة في الضحالة والطين مثل جذور الكمأ". وشدد المصدر ذاته على أن "المغرب بعدما نفى بشكل قاطع امتلاكه نظام بيغاسوس في وقت سابق، ولجأ إلى القضاء الأوروبي ضد مستهدفي المملكة ومصالحها، لم يعد يشغل باله بمثل هذه البروباغندا التي يراهن أصحابها على تأجيجها لتسريع وتيرة انتشارها". وأوضح المسؤول المغربي نفسه أن من أغرب ما نشرته بعض المنابر الفرنسية والجزائرية وتلك التابعة لانفصاليي البوليساريو في معرض اتهامها الباطل للمغرب، أن "المملكة كانت تجمعها خلافات دبلوماسية مع إسبانيا في الوقت الذي تعرضت فيه هواتف سياسييها لاختراقات مفترضة بواسطة نظام بيغاسوس!"، ليضيف متهكما: "بهذا المنطق العبثي كان حريا بألمانيا هي الأخرى أن تتهم المغرب بالتجسس عليها بسبب تجميد العلاقات مع السفارة الألمانية في تلك الفترة لما يربو من سنة تقريبا". وختم المصدر ذاته تصريحه بأنه "في الوقت الذي اعترفت فيه العديد من الدول الأوروبية بأنها كانت تمتلك وتستعمل نظام بيغاسوس، تصر بعض المنابر الفرنسية على اتهام المغرب الذي طالما أنكر امتلاكه لهذا النظام"، متسائلا في هذا الصدد: "هل هي لعبة جيو-استراتيجية تراهن على ابتزاز المغرب بنظام بيغاسوس أم إنها فقط محاولات مفضوحة لاستدرار المصداقية التي غابت عن منظمتي أمنستي وفوربيدن ستوريز اللتين تعذر عليهما تقديم الدليل على مزاعمهما المضللة والتدليسية رغم مرور أكثر من سنة ونصف السنة على إطلاقها".