كان هدف الجزائر واضحًا في ما يشبه سيناريو جاهزا لا ينتظر إلا ساعة الصفر، فقد استغلت ما اعتبرتها "غارات" استهدفت مدنيين في الحدود بين موريتانيا والصحراء، قبل أن تفطن نواكشوط للخديعة الجزائرية وتقلل من تداعيات الحادث. وأكد الوزير الناطق باسم الحكومة الموريتانية، محمد ماء العينين ولد أييه، أن حادث القصف كان خارج الأراضي الموريتانية، كما أن موريتانيا ليست مستهدفة به، لافتا إلى أنه لو كان فيه ما يستدعي إصدار بيان من وزارة الخارجية لأصدرته. وللمرة الثانية خلال أقل من ستة أشهر تروج الجزائر على المستوى الرسمي والإعلامي لما تصفه ب"اغتيال مدنيين" على الحدود المغربية الموريتانية، في محاولة لتأليب موريتانيا ضد المغرب وجرها إلى التورط في تأييد الطرح الانفصالي في الصحراء. محمد سالم عبد الفتاح، الباحث في العلاقات الدولية، قال إن الجزائر فشلت مجددا في محاولتها لجر موريتانيا إلى مستنقع التصعيد والتوتر الذي تعكف على حياكته إزاء المغرب. ويضيف الخبير في الشأن الدولي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "موريتانيا باتت تحافظ على قدر كبير من التوازن في التعاطي مع جيرانها، وترفض الانصياع لابتزاز الجزائر التي تعمل على توظيف البيترودولار في شكل منح أو عروض لتصدير للغاز بأسعار مخفضة". وأورد المتحدث ذاته أن الجزائر "تسعى إلى توتير الأوضاع الأمنية على الحدود الموريتانية من خلال التصعيد الذي تشنه البوليساريو". ويقف الباحث عند "حياد نواكشوط رغم حساسية الوضع الجيوسياسي بالنسبة لها بسبب تفاوت المؤشرات الاقتصادية بينها وبين جارتيها الشماليتين المغرب والجزائر، إضافة إلى مساهمة الجزائر في تأزيم الأوضاع الأمنية في حدودها الشرقية في مالي، عبر تصدير الجماعات المسلحة والجريمة المنظمة". كما شدد عبد الفتاح على أن "التطورات الميدانية بالصحراء، خاصة في المناطق العازلة شرق الجدار، ساهمت إلى حد كبير في بلورة الموقف الموريتاني المتزن؛ فقد بادرت موريتانيا إلى إبداء تأييدها لعملية التأمين التاريخية التي شنها الجيش المغربي في منطقة الكركرات في 13 من نونبر 2020، رغم اعتراض الجزائر". واستطرد المتحدث في تصريحه: "موريتانيا دشنت عمليات انتشار وتعزيز لتواجد جيشها في مناطقها الشمالية تزامنا مع التصعيد الذي أعلنت عنه البوليساريو، ما قوض حركة الجبهة الانفصالية في المناطق العازلة شرق الجدار، وشكل عائقا لإمكانية استعمالها الأراضي الموريتانية لشن أعمال عدائية ضد المغرب". وختم الباحث في شؤون الصحراء تصريحه بالقول إن "موريتانيا تراهن اليوم على الآفاق الواعدة للتعاون مع المغرب في ظل المبادلات الكبيرة التي تشهدها بوابة الكركرات الحدودية بينهما، والمشاريع الإستراتيجية الهامة التي تجمعهما، وفي مقدمتها أنبوب الغاز النيجيري".