تسير الخطوات الدبلوماسية نحو نسج علاقات متعددة الأبعاد بين المغرب وموريتانيا، وتجاوز التباين في الرؤى والتعاطي مع ملفات بعينها، فطالما كانت العلاقة بين الجانبين تعرف مد وجزر ومرت في مراحل سابقة من التوتر بسبب الموقف من قضية الصحراء المغربية، وذلك عبر تحريك العجلة الدبلوماسية والسياسية في أفق ترجمة روح العلاقات التاريخية والجغرافية إلى أن تشمل هاته اللغة ملف القضية الوطنية. وتجري الزيارات المتبادلة بين العاصمتين يصحبها صدى كبير، وهذا جزء من طبيعة العلاقات التاريخية وخصوصيتها الجيو سياسية، وفق مراقبين فالزيارة التي قام بها الوزير الأول الموريتاني، محمد ولد بلال مسعود، وذلك على هامش انعقاد الدورة الثامنة للجنة العليا المشتركة المغربية الموريتانية، تحمل دلالات سياسية وإقليمية في ظل التطورات المتسارعة بالمنطقة وتدخل في إطار تصميم البلدين على ترقية العلاقات الثنائية.
الموقف من قضية الصحراء المغربية
المؤشرات على تحسن العلاقات المغربية الموريتانية تجسد بشكل جلي في المواقف الموريتانية الرسمية إزاء التصعيد الميداني الذي أقدمت عليه البوليساريو في فترات سابقة، يقول محمد سالم عبد الفتاح، رئيس المركز الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، لل"الأيام 24″إن دليل التطور الإيجابي في العلاقات أبرزته الحكوممة الموريتانية عبر اعتراضها على تواجد عناصر البوليساريو في المنطقة العازلة، عقب التضرر الكبير الذي لحق القدرة الشرائية للمستهلك الموريتاني بسبب غلق البوليساريو للمعبر الحدودي وما تسببت فيه من نذرة للمواد الغذائية المغربية في السوق الموريتاني، قبل أن تسارع السلطات الموريتانية إلى تشغيل بوابتها الحدودية البرية في الكركرات مباشرة عقب عملية التأمين المغربي للمعبر، رغم اعتراض البوليساريو الجزائر على الإجراءات التي اتخذها المغرب، ما فهم منه أنه تأييد ودعم ضمني واضح للموقف المغربي وللخطوة الأمنية التي أقدم عليها الجيش المغربي في 13 من نوفمبر 2020. وبخصوص الخطوات المؤشرات الدالة على التحول في تعاطي النظام في موريتانيا مع الملف، يؤكد محمد سالم عبد الفتاح، تتمثل في الإجراءات الأمنية والعسكرية العديدة التي أقدم عليها الجيش الموريتاني، والتي قوضت حركة البوليساريو في المناطق الحدودية، حيث سارعت موريتانيا إلى تعزيز تواجدها العسكري على طول الحدود تزامنا مع أزمة الكركرات في نوفمبر 2020، قبل أن تعلن عن منطقة "دفاع" حساسة شمال البلاد بالمحاذاة مع الحدود التي تنشط فيها جبهة البوليساريو في يناير 2021، لتنظم مناورات عسكرية كبرى في المناطق الشمالية في مارس من نفس السنة، وتعكف على تعزيز قدراتها العسكرية من خلال نصب تجهيزات متطورة في على مناطقها الشمالية أيضا، تمثلت في عدة رادارات في مدينة ازويرات الحدودية، لأجل مراقبة «الحركة الجوية والأرضية»، وفق ما أعلن الجيش الموريتاني في نوفمبر 2021.
في السياق، يشير المتحدث إلى أن التطورات تكرس بالدرجة الأولى السيادة الموريتانية على مناطقها الشمالية، لكنها تصب أيضا في إطار علاقات مغربية موريتانية جيدة، بحيث تضع حد لأي توظيف للبوليساريو للأراضي الموريتانية لشن أعمال عدائية ضد المغرب، كما تتقاطع مع رؤية عديد المتدخلين الدوليين الذين يعبرون عن توجسهم من تصاعد التهديدات الأمنية الناجمة عن أنشطة عصابات التهريب والجماعات الإسلامية في المناطق العازلة شرق الجدار التي كانت تسيطر عليها البوليساريو في السابق.
وفق محللين فإن موريتانيا تقع في قلب المجال الحيوي الاستراتيجي للمملكة، والعكس صحيح، وهو ما يعتبره سبباً في غاية الأهمية "ليدفع كل من المغرب وموريتانيا إلى تشكيل حزام استراتيجي واحد وقوة ردع ضاربة للتصدي لكل المخاطر الأمنية وغيرها من التحرشات التي قد تتسلل إلى المنطقة باسم أوهام انفصالية أو أية طموحات زعاماتية أخرى".
تجاوز الأزمة
"الانتعاشة" التي تعرفها العلاقات المغربية الموريتانية ليست وليدة هذا الحدث المتمثل في الزيارة الهامة التي يقودها وفد موريتاني حكومي كبير إلى الرباط، بل تعود، بحسب المتحدث إلى سنوات، تحديدا منذ وصول الرئيس الموريتاني سيدي محمد ولد الشيخ الغزواني إلى سدة الحكم في نواكشوط، وقد ترجمت في شكل الزيارات المتبادلة العديدة لمسؤولي دبلوماسية البلدين، والتي توجت بالإتفاقيات والتفاهمات الإستراتيجية الهامة الموقعة في زيارة الوفد الموريتاني الوازن الأخيرة. ويقول محمد سالم عبدالفتاح إن "الإنتعاشة" الحاصلة اليوم عادت بالعلاقات المغربية الموريتانية إلى سابق عهدها، أي فترة حكم معاوية ولد سيد أحمد الطايع التي شهدت استثمارات وشراكات اقتصادية هامة في موريتانيا، أهمها كان الاستثمار المغربي في مجال الإتصالات بموريتانيا عن طريق إحدى أوائل رخص تشغيل الهاتف النقال في موريتانيا مطلع الألفية الحالية، ثم المساهمة في تمويل إنجاز جزء هام من الطريق الرابط بين نواكشوط ومعبر الكركرات، ما أفسح المجال لتسويق السلع والبضائع المغربية بشكل واسع، وبالتالي اعتماد السوق الموريتاني عليها بشكل كبير لتحقيق الأمني الغذائي الموريتاني.
علاوة على هاته المؤشرات هنالك معطيات أخرى تفرض التعاون والتنسيق، ومن أبرزها التعاون الإقليمي؛ حيث يفرض تداخل المصالح الجيوسياسية مستوى من التقارب والتنسيق من أجل انسياب حركة الأطر الإقليمية والمنتديات الدولية التي تجمع البلدين، ويمكن في هذا المجال رصد مؤشرات مثل اللجنة العليا المشتركة بين البلدين والتي انعقدت في إبريل2013، وأدت إلى توقيع 17 اتفاقية في مجالات الغاز والإسكان والتعليم والنقل والموارد البحرية، وانتهت بدعوة رئيس الحكومة المغربية عبد الإله بنكيرانهل إلى إلغاء التأشيرات بين البلدين.
لكن تلك الاتفاقيات ولدت ميتة، ولم تتجاوز لحظة التوقيع. إضافة إلى مبادرة (5+5) المنعقدة في نواكشوط منتصف إبريل 2013 بحضور وزير الخارجية المغربي، وكان من نتائجها التأكيد على تعزيز التعاون بين بلدان المنطقة المتوسطية. وكذلك الدورة الرابعة لمجلس وزراء النقل المغاربة في نواكشوط المنعقد بتاريخ 17 من مارس 2013، وشهد دعوة وزير النقل الموريتاني إلى تسريع وتيرة التبادل والانفتاح بين مختلف دول المغرب العربي.