كما كان متوقعا، برز الرئيس الجزائري السيد عبد العزيز بوتفليقة لشعبه، عندما ألقى خطابا أمام هيئة القضاء والمسؤولين السامين في الدولة ليعلن فيه عن إجراء تعديل دستوري سماه الرئيس ب "الجزئي " و" المحدود " ، يمكنه من تمديد ولايته على كرسي الرئاسة لخمس سنوات إضافية . "" إعلان الرئيس الجزائري لموقفه أنهى حالة من الشك والترقب وصارح الشعب حول نواياه وخططه ، وسطر لنفسه خارطة طريق ثالثة في ظل جفاء سياسي داخلي وانكماش اقتصادي وتردي الوضع الاجتماعي الذي لا يتذوق إطلاقا الانتعاش المالي من صادرات البلاد من النفط و الغاز . قد أثارت رغبته في ترشيح نفسه مجددا الكثير من ردود الأفعال توزعت بطبيعتها على الموالاة ( حزب جبهة التحرير ، حزب التجمع الوطني الديمقراطي...) التي صفقت و رحبت ، و المعارضة ( ممثلة على الخصوص بحزب جبهة القوى الاشتراكية وحزب التجمع من أجل الثقافة و الديمقراطية...) التي انتقدت عزم الرئيس الترشح لولاية ثالثة ، معتبرة الخطوة بمثابة "انقلاب و إقصاء للجزائريين.. ". وتطرح مبادرة السيد عبد العزيز بوتفليقة الكثير من علامات الاستفهام حول القناعات والمبادئ والشعارات التي طالما روج لها السيد الرئيس إبان ولايته وأيام كان وزيرا للخارجية في عهد أستاذه الراحل بومدين ، راسما لنفسه صورة زعيم اشتراكي أصيل و مناضل متشبث بالقيم والمثل العليا ، يستظل بالقوانين ويستدل بها في خطبه و تنقلاته العابرة للقارات ، ملوحا دائما بمبدأ " تقرير المصير " المفترى عليه، في وجه جاره المغرب السائر لاستكمال وحدته الترابية، و في وجه كل الحكومات والأنظمة التي لا تسير في فلكه ولا تساير طموحات وفتوحات فريقه . فها هو فخامة الرئيس يصادر رأي شعبه في التعبير و اختيار رئيس جديد بحسب ما ينص عليه الدستور ( المادة 74)بعدما أمضى عهدتين من 10 سنوات ، و ها هو يضرب عرض الحائط الشعارات الرنانة لأيام زمان، مفضلا بذلك السير على نهج زملائه في أكثر من قطر عربي عزيز ( تونس – اليمن – لبنان...) بتغيير الدستوروكشف المستور والتشبث لأطول فترة بزمام الأمور . إن كشف السيد الرئيس على نيته الترشح مجددا خلافا للمعمول به هو تجسيد حقيقي لحرمان الشعب من تقرير مصيره لاختيار حاكم جديد لعهد جديد ، يستجيب لتطلعات الجزائريين المتعددة و المتزايدة ، و يواكب التطورات المسجلة دوليا وإقليميا مع ما تتطلبه المصالح المشتركة من إعادة للنظر في بعض السياسات التي تضر بحسن الجوار و تعيق التعاون و التنسيق المنتج . فهل سيتواصل إشهار فكرة تقرير المصير في وجه المغرب في قضية الصحراء بعدما تم سلب الشعب الجزائري حقه في تقرير مصيره ؟ أم أن الرئيس المقبل ، سواء السيد بوتفليقة أو غيره ، سيعي الموقف جيدا و يتفهم الواقع كما يجب و ينقذ العلاقات المغربية الجزائرية من حالة الجمود و التوتر حتى لا يبقى شعب المليون شهيد شاهدا على ما تقترفه السلطة باسمه في حق الأخوة و حسن الجوار .