هل نحن سواسية أمام القانون والقضاء بالمغرب؟ "" سؤال بات يطرحه كثير من المغاربة في وطنهم على إثر الخرجات الغريبة للقضاء المغربي في كثير من القضايا والملفات، التي شغلت الرأي المغربي في الشهور الأخيرة. من المؤكد أن طرح مثل هذا السؤال في الألفية الثالثة من طرف مواطنين في البلدان الديمقراطية مثل فرنسا وبريطانيا، بات ضربا من الجنون وعدم الرزانة في رؤية المكانة البارزة التي يحتلها القضاء هناك على ضوء المكتسبات التي حققتها السلطة القضائية عندهم، حيث صار مثل هذا السؤال عندهم متجاوزا منذ عشرات السنين، إذا لا مجال عندهم للمساومة على نزاهة القضاء واستقلاليته وحياديته أمام كل القضايا التي تعرض عليه أو المتقاضين الذين يلجئون إليه من أجل أن يبث في خصوماتهم وشكاواهم، والدليل ما يصلنا عنهم من أحكام يضرب بها المثل في النزاهة والاستقلالية التي لا تفرق بين المتقاضين رئيسا كان او مواطنا عاديا، ابن وزير كان أو ابن مواطن عادي. لكن يبدو أن المغرب والمغاربة لا يزالون بعيدين كل البعد عن بلوغ ذلك المستوى من التساوي للمتقاضين أمام القضاء المغربي، رغم التأكيدات الملكية المتكررة في غير ما مناسبة على ضرورة جعل القضاء دعامة للتنمية المستدامة عن طريق تمتين سلطته وتكريس استقلاليته وضمان نزاهته، مما يعطي انطباعا أن هناك مراكز قوى و" لوبيات" تروم معارضة الإرادة الملكية بكل ما أوتيت من حيلة ووسيلة، جهات تأبى إلا أن تجعل من القضاء بالمغرب نوعين من القضاء، قضاء لعِلْيةِ القوم يسهر على ضمان أمنهم وسلامتهم رغم ما يقترفون من خروقات وتجاوزات، وقضاء لعامة الناس صار كالسيف المصلت على رقابهم. هذا ولنا من الأمثلة على ادعائنا هذا ما يكفي للجم الأفواه المطبلة والمروجة لادعاء استقلال القضاء ونزاهته، تلك الأفواه على ما يبدوا صارت تغرد خارج السرب، نظرا لتسارع القضايا التي تَعَرض لها القضاء المغربي في الشهور الأخيرة، والذي خلفت أحكامه فيها انطباعا لدى المغاربة أنهم فعلا أمام قضاء يطبق ازداوجية المعايير وثنائية القضاء، بعيدا كل البعد عن تكريس صورة القضاء النزيه، المستقل والمحايد. معايير خاص بعلية القوم كما قلنا ومعايير خاص بالعامة، قضاء للخاصة يبرؤهم من جرائمهم ومخالفاتهم ضدا على الرأي العام المغربي الذي أجمع على إدانتهم، وقضاء للعامة لا يتوانى لحظة للزج بمن يرفع صوت المعارضة منهم لأدنى شيء، ليزج به في غياهب السجون. فهذا يبرؤه القضاء رغم ثبوت جرمه في حق مواطنين أبرياء دهسا وقتلا مع السكر العلني في شهر رمضان المبارك، بدعوى أنه كان يتابع علاجه النفسي عند طبيب نفساني سويسري، وذاك يرفض المثول أمام القضاء المغربي استكبارا منه وامتهانا للقضاء، بدعوى أنه كبير السن وأيضا يتابع علاجا نفسانيا، رغم أنه أشهر سلاحا ناريا واستخدمه ضد رجل أمن ذنبه الوحيد أنه من العامة كان يؤدي واجبه المعتاد.. الخيط الرابط بين هذين القضيتين كما تابع ذلك الرأي العام المغربي، هو الانتماء الاجتماعي للمتورطين إلى علية القوم. لكن تصوروا معي ان مواطنا عاديا وقع بينه وبين رجل أمن لسبب أو لآخر سوء تفاهم أدى بهذا المواطن العادي ، لا أقول إلى إطلاق نار على رجل الأمن لا قدر الله ، فذلك غير متصور على الإطلاق إذ لا يحق لذلك المواطن حمل السلاح، إذ حمله فقط يعد جريمة تستوجب العقاب ناهيك عن استعماله، فإن ذلك يدخله دون إرادة منه ضمن دائرة الارهابين الواجب إرسالهم إلى ما وراء الشمس، فامتلاك السلاح الناري في هذا البلد حكر على الخاصة كي يستعملوه ضد " البخوش " إذا ما أقلقوا راحتهم. قلت تصوروا معي أن ذلك المواطن شتم رجل الأمن حينها، يكفي لرجل الأمن بتحويل الأمر للقضاء ليستلم ذاك المواطن حكما بستة أشهر بتهمة إهانة رجل أمن أثناء مزاولته مهامه، كيف لا يُِِصَدق رجل الأمن حينها وهو بمثل اثنا عشر رجلا في الشهادة؟؟؟، لكنه طلع لا يسوى "بصلة" في حالة اليعقوبي الذي كاد أن يودي بحياة رجل الأمن المسكين لولى ألطاف الله به. ألم أقل إننا أمام نوعين من القضاء بالمغرب ، قضاء للخاصة وآخر للعامة يتم تفصيل أحكامه بحسب ما يليق والمكانة الاجتماعية لكل منهما. غيرأن الأمر لا يقف عند هذا النوع من القضايا، بل تعداه ومنذ مدة ليست باليسيرة إلى ما هو ذو صلة بحرية التعبير وإبداء الرأي المخالف لما عليه أصحاب القرار في هذا البلد المسكين، حيث صارت القاعدة المتبعة عند قضائه فيه كالتالي: أي رأي يخالف رأي بعض الجهات المتنفذة في هذا البلد صار بالضرورة رأي يهدد النظام والأمن العام ويخل بوحدة المغاربة، هذا بالطبع إن كان صادرا من مواطن عادي لا سلطة له مادية ولا معنوية، وهنا تقف معنا قضيتين، قضية أحد مقالات المدون محمد الراجي ، وقضية الدكتورمحمد المغراوي في رأيه الفقهي المرتبط بزواج البنت ذات التسع سنوات. فإن كانت القضية الأولى قد عرفت نهاية سعيدة لبطلها، فإن القضية الثانية لا تزال تداعياتها مستمرة، خاصة وأن رأي الدكتور محمد المغراوي كان قد صدر منذ أربع سنوات، ولم يتم الانتباه له من طرف الغيورين على دين المغاربة و مذهبهم من زمرة العلمانيين ومن ينتحل مذهبهم من المسئولين المتنفذين إلا مؤخرا، رغم أن ذلك الرأي الفقهي هو ما جرى عليه رأي فقهاء المالكية قديما وحديثا على الأقل من الناحية النظرية، وإن كانت الظروف الواقعية اليوم لا تستلزمه. في مثل هذه القضايا التي لا يتوفر أصحابها على أية تغطية من أية جهة متنفذة لتعضض من قواهم في مواجهة الشطط الذي يتعرضون له من طرف الجهاز القضائي، تسارع الجهات المتنفذة لإصدار أوامر بالمتابعة القضائية والإدانة في أوقات قياسية، تسترعي انتباه القاصي والداني. لكن تعالوا بنا نتذكر شيئا من الماضي القريب ونسأل قضاءنا عن مصير ملفات قضايا نهب المال العام، حيث تم إفراغ خزينة البلاد على يد شرذمة من المتنفذين والفطريات البشرية التي لا تعرف سوى الاقتتات على المال العام، تلك القضايا التي تم طيها وإدخالها في عداد الموتى والمفقودين، كان أبرزها قضية القرض الفلاحي، ناهيك عن باقي المؤسسات العمومية التي كانت تتغذى ولا تزال عن طريق أموال دافعي الضرائب، فإذا بتلك الأموال تروح إلى جيوب آكلي أموال الضرائب. فماذا كان مصير أولئك المجرمين بنص القانون في حق البلاد والعباد؟؟؟ وهل تم استرداد تلك الأموال؟ أم أن يد القضاء قد شلت وفمه قد كمم؟؟؟. في حين نجد القضاء المغربي مجتهد في الأيام الأخيرة على استنزاف أموال بعض المغاربة عن طريق الغرامات والتعويضات الخيالية، التي يفرضها على بعض الماثلين أمامه مكرهين، والمثال هنا متجلي في قضية جريدة المساء المستقلة، حيث كان حكم القضاء عليها بمثابة الإعدام لكن بطريقة تبدو أمام الرائي البسيط والبعيد على أنها قانونية وعادلة، لكن للمتحفص ليست إلا ضربة جزاء غير قانونية أُعلِنَ عنها في سياق ملابسات الأخذ بالثأر من أقلام تحريرية ماانفكت تعري بعض صور الواقع المغربي المر، مغرب الامتيازات والنفوذ والسطوة، مغرب كنا نأمل أن يكون قد قطع مع ممارسات العهد الماضي، عهد البصري وأمثاله، لكن يبدو أننا نعيش نفس السيناريو لكن بفنانين جدد. لقد أبى القضاء المغربي إلا أن يكرم نموذج من المغاربة أرادوا الاستقلالية في مهنة المتاعب، لكن على طريقته الخاصة، طريقة تظهر مدى تقديره للمجهودات الذاتية في بناء المركز والسمعة الطبية لمنبر إعلامي عند قطاعات عريضة من المغاربة، تكريم يهوي بهم في مكان سحيق. في رأيي المتواضع، وأظن أنه يشاطرني فيه كثير من المغاربة، يجب إضافة مبادرة إعادة تأهيل الحقل القضائي المغربي إلى جانب الحقول و القطاعات الحيوية الأخرى التي رفع فيها عاهل البلاد شعار إعادة التأهيل، كي يتماشى وفق منظومة التنمية المستدامة التي يريد المغرب تحقيقها، في أفق بناء قضاء حرمستقل ونزيه، حتى يكون النظام القضائي في خدمة التنمية في هذا البلد، بعيدا عن كل مراكز النفوذ والقوى التي صارت اليوم تحتمي وراءه من إجل الإفلات من العقاب، او تستخدمه لأجل الانتقام من خصومها ومنافسيها. إذ لا تنمية حقيقة بدون كرامة المواطن وضمان مساواة الجميع أمام القضاء وإحساس الجميع بقدرته على التعبير وإبداء الرأي، وقضاء يجعل نصبه عينيه قوله تعالى،(( ولا يجرمنكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى)).